شوف تشوف

الرأيالرئيسيةسياسية

سعر صرف الدولار

 

بقلم خالص جلبي

 

عندما انتشر خبر مصرع الزرقاوي من تنظيم القاعدة، أديرت له مراسم العزاء في الزرقاء مع شرب القهوة المرة في الأردن، واعتبر شهيدا لا يقترب منه حمزة سيد الشهداء، ولكن ما لفت نظري ودهشت حين عرفت أن الدولار الأمريكي ارتفع سعر صرفه.

وبدأت أنا بالضحك على قصة مرض الدولار وطول سقمه، ولأنني طبيب أداوي المعلولين كل يوم، فقد فهمت معنى علة هذا المريض الذي اسمه الدولار، فمع نهاية الحرب الكونية كان يعادل 5 ماركات ألمانية، ثم تدحرج حتى هوى إلى القاع وأصبح اليورو الأوروبي أقوى منه، وفي رسم كاريكاتير رأيت أمريكا بمسدس في مواجهة ألمانيا واليابان رافعتين الأيادي استسلاما، لتتحول أمريكا إلى رافعة يديها أمام الين الياباني والمارك الألماني. وقلت في نفسي إذا كان مقتل الزرقاوي سيرفع سعر صرف الدولار على قوس الكرة الأرضية؛ فنحن في مواجهة نكتة لا تضحك أحد، في علة مزمنة استولت على الدولار لا فكاك منها ولا خلاص. وهي قصة قديمة مع الدولار منذ اتفاقية (بريتون وودز) الأولى عام 1944، مع ملامح انهيار النازية واليابان في اعتماد الدولار عملة العالم لا نزاع حولها، ثم قصة فصل الدولار عن الذهب بتاريخ 15غشت 1971 في عهد نيكسون، حتى تتمكن أمريكا من طباعة الورق الأخضر بالأطنان لتمويل الحرب في فيتنام، طالما كان البشر يثقون بالدولار الأخضر، كما جاء على صفحته نثق بالله وليس في أمريكا إله سوى الدولار (In God we trust).

وحاليا يتم تبادل الدولار كعملة موثوق بها طالما كان البترول يباع بالدولار، وحين حاول صدام تحويل عمل البيع إلى يورو، تم شنقه بدون رحمة. وقديما جرى المثل عند العرب حين هدد الفرزدق أنه سيقتل مربعا؛ فقال الشاعر جوابا على هذا التهديد: أبشر بطول سلامة يا مربع، لأنه كان تهديدا فارغا ولم يكن جديا، فوجب عدم الاحتياط منه.

وإذا كانت صحة الدولار عافية ومرضا، تنخفض وترتفع مثل درجة حرارة مريض يهذي من الحمى، من مقتل الزرقاوي وأبو الجماجم؛ فهي مصيبة في الاقتصاد العالمي بحق. وفي الواقع حينما قرأت العنوان في الجرائد يومها لم أتمالك نفسي من الضحك، لأن قصتي مع لعنة الدولار هبوطا وانخفاضا وانحسارا، ومعي قلوب الناس في العالم حينما تنفق جيوبهم وتنهد ميزانياتهم، هي منذ عقود وليست جديدة.

 ولا يعقل أن من يسافر إلى كندا، كما في حالتي الذي ربط نفسه ونفقاته بالدولار الكندي بعد أن سكن هناك وعاش، أن يصرف الدولار الأمريكي بـ160 سنتا، ليصرفه بعد عامين بـ110 سنتات بخسارة 50 سنتا، أي بتدهور في السعر زاد على الثلث، فهل هذا معقول؟ وفي أيام ريغان الذي انتهت حياته بهذيان مرض الزهايمر؛ فلم يعد يعرف أقرب الناس إليه، كان سعر الدولار مقابل المارك الألماني الغربي، الذي أصبح في ذمة التاريخ بعد ولادة اليورو، كان 360 بفنك، ليصبح عام 1995م يعادل 135 بفنك، وراهن البعض على زحلقته وانكسار رأسه عند حدود 120 بفنك، ووضعنا أيدينا على قلوبنا مع هذه الخسارة، فأصبح الرجل من أجل شراء سيارة ألمانية يدفع ثلاثة أضعاف السعر السابق، فهل هذا معقول؟ وليت الأمر عند التصديق والتكذيب، بل هي سرقة مباشرة من جيب كل مواطن في العالم.

وفي يوم قالت مجلة «دير شبيغل» عن زورو (Soros) إنه باللعب بالجنيه الإسترليني مد يده إلى جيب كل مواطن بريطاني، فسرق منه سنتا، فإذا كانت من ستين مليونا من الأنام، فيمكن تقدير جبل الذهب الذي حصله. والحاصل فإن العالم مع لعبة الدولار، تحول إلى ملهى ليلي للعربدة وشرب العرق والرقص والدعارة مجتمعين. وهكذا فالأمريكيون يدينون برفاهيتهم إلى كدح الفقراء، وسرقة العالم بشكل غير مباشر، فحين تكون أمريكا مديونة بـ100 دولار، تدفعه بعد حين 40 دولارا على أساس أنه 100 دولار، وتضع 60 دولارا في الجيب بلعبة الورق ما يشبه السحر والتخدير! مقابل تعويم السوق بالمزيد من العملة الخضراء.

وهذا المرض العضال بدأ مع حرب فيتنام، حين انفك الدولار عن الذهب باتفاقية (بريتون ـ وودز) كما ذكرنا وبدأت أمريكا في طباعة الورق الأخضر كما يحلو لها، وغرق العالم به بدون غطاء من ذهب، كل ذلك لتمويل حملتها العسكرية الخائبة في فيتنام، مثل كل حملاتها الخائبة في العالم، ظنا منها أن السيف أصدق أنباء من الكتب. وهي لا تتفطن إلى أن مؤسسة الحرب قد ماتت منذ انفجار قنبلة البلوتونيوم، في صبيحة 16 يوليوز 1945م، ولكنها شهية الجرذ مع جبنة المصيدة.

 وأمريكا التي دخلت مصيدة العراق، مع أناس من نوعية الزرقاوي وأبو الجماجم، لا يهمهم مات الإنسان أم عاش، ومن عانى من الإحباط أصيب بالعدوانية، والانتحار كما يقول «إيمانويل كانط» هربا وليس شجاعة، وأمريكا اليوم تقاتل أشباحا وتفرح بموت الأشباح، ويرتفع دولارها وينخفض مثل الشبح، مع موت أبو الجماجم والأشباح والأرواح، وإذا كان الجن الأزرق مثل الزرقاوي هو الذي يتحكم في صحة الدولار من مرضه، فأبشر بطول سلامة يا دولار!

سئل أردني، لماذا أنت مكشر؟ قال: خليجنا عقبة وبحرنا ميت وقهوتنا مرة وطبختنا مقلوبة ومغنينا مهاوش، يا ويلك ياللي معادينا يا ويلك ويل.

 

نافذة:

 

هذا المرض العضال بدأ مع حرب فيتنام حين انفك الدولار عن الذهب باتفاقية (بريتون ـ وودز) كما ذكرنا وبدأت أمريكا في طباعة الورق الأخضر

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى