صابر باتيا.. قصة أول بريد إلكتروني
تلك الاختراعات التي نحيا بها-7-

شهد تاريخ الاختراعات والابتكارات العلمية قصصا طريفة ومذهلة. قصص سجلت لنا تاريخ رجال ونساء اقتحموا مجال المجهول مكتشفين ومغامرين أحيانا، سنَدُهم الإيمان الشديد بأفكارهم الجريئة وعزمهم القوي على تحقيقها، مهما كلفهم الأمر من تضحيات جسام وصراعات قوية في مواجهة ذواتهم وعصرهم. هذه الاختراعات التي نحيا بها اليوم وتكاد أن نألفها وأن نعتبرها أنها كانت دائما موجودة بيننا، منذ أن كان الإنسان. قد يكون من الوفاء أن نعود إلى أصحابها وإلى هذه الاختراعات، التي ما زلنا نحيا بها اليوم.
صابر باتيا.. قصة أول بريد إلكتروني
تعود فكرة البريد الإلكتروني في الأصل إلى المبرمج الأمريكي ريموند توملينسون، الذي استطاع أن يُنشئ في البداية بريدا إلكترونيا للتواصل بين حواسيب متعددة، ضمن شبكة وكالة مشاريع البحوث المتقدمة المسماة «أربانت»، التي ستحل محلها لاحقا، بعد عقد من الزمن، شبكة الإنترنت المعروفة حاليا، ومكنت حينها مستخدمي الحاسوب من إرسال رسائل شخصية عبر خوادم مختلفة.
الشاب ريموند توملينسون لم يسجل هذا الاختراع باسمه. لكن، في كل الأحوال، اعتبرت هذه الخطوة أساسية لما سيصبح عليه البريد الإلكتروني مستقبلا. هكذا، استطاع ريموند توملينسون في شهر يوليوز من سنة 1982، أن يرسل أول رسالة إلكترونية في التاريخ، وكانت عبارة عن رسالة أرسلها ريموند إلى نفسه، ولم تتضمن عبارات أو جملا طويلة، بل مجرد أحرف أولى من لوحة مفاتيح الحاسوب.
لكن اللحظة الفارقة والحاسمة في النشأة الحقيقية والفعلية لأول بريد إلكتروني، سيكتسح العالم الرقمي وسيكتسب شهرة مدوية على مستوى العالم، ستتحقق على يد الهندي صابر باتيا صحبة زميله جاك سميث.
إصرار وعزيمة صديقين
إن قصة المبتكر الهندي صابر باتيا هي مزيج من الإصرار وقوة العزيمة ومواتاة الحظ والصدف السعيدة.
ولد صابر باتيا عام 1969 في الهند من أسرة مسلمة متوسطة الحال، إذ كان أبوه ضابطا في الجيش الهندي، وأمه موظفة في البنك المركزي الهندي.
أظهر تفوقا في دراسته ما أهله إلى الانتقال إلى الولايات المتحدة الأمريكية سنة 1989، طالبا في جامعة ستانفورد العريقة للحصول على شهادة الجامعة في الهندسة الكهربائية، وتخرج منها بتقدير امتياز.
وباعتبار أنه خريج جامعة ستانفورد وبتقدير امتياز، فقد كان من السهل عليه العمل مبرمجا في شركة إنترنت كبرى، فعمل موظفا في شركة «آبل Apple» لمدة سنة، ثم في شركة جديدة مختصة في تصميم الدوائر الإلكترونية.
كان لقاؤه من جديد بزميله في الدراسة في جامعة ستانفورد، جاك سميث، بعد التخرج، سببا في أن تراودهما فكرة تأسيس شركة مميزة تعمل على تطوير شبكة الإنترنت التي كانت وليدة في تلك الفترة.
كان لديهما الإحساس بأن بإمكانهما أن يبتكرا شيئا جديدا في هذا العالم الافتراضي، شجعهما على ذلك نجاح زميلهما، جيري يونغ، وزميله في جامعة ستانفورد سنة 1995، في تأسيس محرك البحث «ياهو»، الذي صادف رواجا سريعا وأصبح الصديقان من كبار الأثرياء.
هنا، أتت الصدفة لتوجه الأحداث نحو نهاية سعيدة. كان الشابان أثناء ذلك يواصلان مناقشاتهما عبر الشبكة المغلقة الخاصة بالشركة التي يعملان بها، ما حدا برئيسهما المباشر إلى أن يوجه إليهما إنذارا بعدم استعمال خدمة الشبكة المغلقة بالشركة في شؤونهما الخاصة. ولم يكن يدري هذا الرئيس أنه قد منحهما دون أن يدري فرصة لا تقدر بثمن.
اضطر الصديقان إلى تبادل المعلومات عبر الأقراص المرنة والرسائل العادية والمكالمات الهاتفية، وهذا العائق في التواصل بين صابر باتيا وصديقه دفعه إلى التفكير في تبادل المعلومات عبر بريد إلكتروني منفصل ومؤسس على لغة Html، مما يجعله بعيدا عن رقابة الآخرين، وهـــذه الفكرة كانت نقطة البداية لما سيسمى hotmail، أو أول بريد إلكتروني في العالم.
فكرة البريد الإلكتروني الخاص، لكل شخص على الإنترنت، فكرة بسيطة اتخذ لها صابر شعار: بريد مجاني.. فردي.. سري.. يُمكن استخدامه من أي مكان في العالم، أما الأرباح فستأتي عبر شركات الإعلانات والإشهار التي تستهدف الأعداد الهائلة من المستخدمين. هكذا، وبكل وضوح حدد صابر باتيا رؤيته حول مشروعه الجديد…
رؤية واضحة وحدس بعيد
قد يبدو الآن أن هذا الاختراع بسيط، لكنها في الحقيقة كانت فكرة عبقرية غيرت تماما مسار الإنترنت في بدايته، واستطاعت أن تحدث ثورة هائلة مكنت الجمهور الواسع من مستخدمي الشبكة العنكبوتية من التواصل عبر رسائل البريد الإلكترونية الخاصة بهم.
هذا البريد الإلكتروني، الذي ظهر إلى النور لأول مرة سنة 1996 وانتشر بشكل سريع بين مستخدمي الإنترنت، لم يكن متوقعا أبدا وبدت رؤية وحدس صابر وزميله في محلهما الصحيح. ففي أقل من ستة أشهر حقق هذا البريد الإلكتروني الجديد نجاحا كبيرا ومنقطع النظير، حيث استقبل أكثر من 100 ألف مشترك، خلال الأسبوع الأول، من انطلاقه وواصل ارتفاعه إلى أكثر من ألف مستخدم يوميا.
لقد كان هذا الحدث قد شكل ثورة في مجال إدارة الأعمال وأحد التحولات العميقة التي شهدها العالم الرقمي. وبدت أهميته واضحة للجميع وإقبالا كبيرا، حيث تجاوز عدد المشتركين في العام الأول من إطلاقه أكثر من 7 ملايين مستخدم، وهذا بطبيعة الأحوال رقم قياسي بالنسبة إلى عدد مستخدمي الأنترنت في منتصف التسعينيات.
بدأ اهتمام بيل غيتس، صاحب شركة «ميكروسوفت»، بالبريد الإلكتروني لصابر باتيا وزميله جاك سميث، ورغب في ضمه إلى إمبراطوريته الضخمة فعرض عليهما 50 مليون دولار، لكن صابر وزميله كانا يدركان جيدا أهمية ابتكارهما فطلبا 500 مليون دولار، وبعد مفاوضات عسيرة استقر الرأي على 400 مليون دولار، مما يعتبر في تلك الفترة سنة 1997 رقما فلكيا. لكن صابر باتيا اشترط في العقد أن يتم تعيينه خبيرا في شركة «ميكروسوفت» ومشرفا على البريد الإلكتروني الذي ابتكره.
لعب صابر باتيا دورا كبيرا في مساعدة بلاده الهند، وسعى إلى استغلال ثروته في الإسهام في بناء مدينة مخصصة للباحثين والمبتكرين في الهند، على غرار «وادي السيليكون» في أمريكا، كما أقام معاهد في بلاده لتأهيل باحثين جدد ومبتكرين وأصحاب مشروعات تحتاج إلى التمويل والدعم بالمختبرات والتجهيزات المتطورة، ما جعله يحصل على تقدير واسع في البلاد، كما أنه أصبح من مشاهير رجال الأعمال وما زال يعمل على تطوير أفكاره الرائدة.
نافذة:
اللحظة الفارقة والحاسمة في النشأة الحقيقية والفعلية لأول بريد إلكتروني سيكتسح العالم الرقمي وسيكتسب شهرة مدوية على مستوى العالم ستتحقق على يد الهندي صابر باتيا صحبة زميله جاك سميث





