الرأي

عروض الناصري الأخيرة 

يقول المثل الفرنسي: «الانتقام طبق يؤكل باردا»، وهو ما يصح تماما على «الممثل-المخرج- المنتج- السيناريست- الكوميدي»، سعيد الناصري، الذي انتظر سنة كاملة من أجل أن يصفي حساباته مع لبنى أبيضار بطلة فيلمه «الحمالة»، بعدما تناسى منحها مستحقاتها وصمت طويلا عن الاتهامات التي كالتها له بمراودته لها عن نفسها لتقديم «خدمة جنسية» له مقابل تمكينها من أجرها وعقد العمل، كما هو متعارف عليه في هذا المجال.
وقد أطلق بطل «البانضية» و«الخطاف» العنان لمسلسله الجديد الانتقامي، برفع دعوى ضد أبيضار أمام المحكمة الابتدائية بمراكش، بتهمة «التشهير والإساءة»، وتم تأجيل النظر في القضية إلى السابع من أكتوبر المقبل.
لكن الناصري لم يملك من الصبر ما يكفي لكي ينتظر النطق بالحكم، فانتهز فرصة مشاركته أخيرا في مهرجان الضحك بأكادير و«دار في راسو الضحك»، وجعل من هذا الحدث محاكمة علنية لأبيضار أمام جمهور يتكون من أطفال وقاصرين وأمهات وربات بيوت، شنف أسماعهم بكلمات نابية لا تقل وقاحة عن دور أبيضار في فيلم «الزين اللي فيك»، حكى «بل حيا بلا حشمة» حكايات مخلة بالآداب، حيث لم يتردد هذا الفكاهي الذي يردد في كل مناسبة – أن الفن رسالة وأخلاق- في وصف أبيضار بـ«العاهرة» التي مثلت المغرب في مهرجان «كان»، والتي تعرض خدماتها الجنسية لمن يريد مقابل 3000 درهم.. فهل أدرك الناصري، الذي دق أبواب القضاء، أنه غامر بتوجيه تهم لأبيضار دون أن يتوفر على أي دليل ملموس يقدمه أمام العدالة للدلالة على صحة أقواله، ثم كيف يعقل أن يمنح الناصري البطولة المطلقة لأبيضار في فيلم «الحمالة» وهو يعلم علم اليقين أن الأمر يتعلق بـ«عاهرة»؟
لا يمكن للناصري أن يدعي أن جمهور أكادير تجاوب معه حين أشبع أبيضار شتما وقذفا، فالمعروف في مجال العروض المسرحية والفكاهية، أن بعض الفنانين المتخوفين من ردود الفعل السلبية للجمهور، يستعينون بما يسمى «أصدقاء القاعة»، وهم عبارة عن أشخاص يوظفهم «الفكاهي» ويقدم لهم تعويضا ماليا من أجل تسخين القاعة وحثها على التصفيق والهتاف حسب الاتفاق، وهو ما حدث تماما في أكادير، حيث يظهر الشريط المبثوت على «اليوتوب» كيف دخل الناصري في حوار مع «أصدقاء القاعة» لكي يحثوه على الحديث عن أبيضار، فأظهر تمنعه في لعبة مكشوفة ثم شرع في سرد هجائه لممثلة كان هو أول من صنعها قبل أن يصفها بـ«العاهرة». هجاء سوقي كان معدا سلفا، ولا يتعلق الأمر هنا بأي ارتجال أو عفوية أو زلة لسان، بعدما اعتبر أن الركوب على موجة استهجان فيلم «الزين اللي فيك» لنبيل عيوش والأصداء الكارثية التي خلفها، تسمح له باختراق حاجز الصمت في مجال الهجوم على غريمته.
وقد سأل الناصري جمهور أكادير إن كانوا قد شاهدوا «الزين اللي فيك»، فكان الرد بالإيجاب من «أصدقاء القاعة»، مما يوحي بأن الأمر يتعلق بظاهرة فريدة من نوعها حين نجد شعبا بأكمله، برجاله ونسائه وأطفاله، شاهد فيلما صدر في حقه قرار بالمنع، أو على الأقل شاهد مقاطع مسربة بدهاء ومكر على المواقع الاجتماعية، أو شاهد أكثر من ثلاث ساعات من مشاهد قبل المونتاج أصدرها عباقرة درب غلف وأقراص نفدت من الأسواق بسرعة البرق.
لم يكن الوسط الفني في حاجة إلى تمييع جديد يزكي الصورة السلبية السائدة، بعدما ابتلي بتسلط المتطفلين وزحف أشباه الفنانين وسيادة منطق المال والمصالح المشتركة، على حساب سيادة الأعراف النبيلة المؤسسة لمنظومة الفنون منذ أقدم العصور، قبل أن يتحول الفن إلى حائط قصير يغري بريقه وأضواؤه كل من يحلم بالشهرة الزائفة والاغتناء السريع دون امتلاك أبجديات الفن وأدواته، ولا القدرة على تحمل معاناته وإحباطاته الكثيرة. فكل ما يلمع ليس ذهبا، والأمجاد الفنية لا تتحقق سوى بامتلاك النفس الطويل والموهبة الأصلية والأخلاق والاستقامة، أما الزبد فيذهب جفاء «واللي تلف يشد لرض ومايبيعهاش لأن الأرض هبة لا يجوز التصرف فيها».
لذلك لم يبق أمام الفنانين الملتزمين بقواعد الإبداع إلا أن يخرجوا عن صمتهم إزاء هذا الوضع المزري الذي آلت إليه الساحة الفنية اليوم، وذلك بالتخلي عن شعار «شوف وسكت».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى