شوف تشوف

الرأيالرئيسيةرياضة

فرق توقيت وتفكير

 

 

حسن البصري

ضربت لاعبات المنتخب المغربي النسوي لكرة القدم سرب عصافير بـ«جباد» واحد، فقد انتصرن على نظيراتهن الكوريات الجنوبيات ميدانيا بهدف لصفر. وفزن على القوات الاحتياطية للتنمر، التي سخرت من «اللبؤات» منذ الخسارة أمام «الماكينات» الألمانية، وهزمن الحظ العاثر الذي لازمهن في أول مشاركة مونديالية، وتأقلمن مع الفارق الزمني بين المغرب وأستراليا الذي بعثر نظام النوم والاستيقاظ.

تقبلت الكوريات الجنوبيات الخسارة بصدر رحب، تبادلن مع المغربيات التحية بروح رياضية عالية، وتوجهن خافضات رؤوسهن نحو غرفة الملابس، حيث تسللت إلى آذانهن زغاريد المغربيات ومواويلهن، وقبل مغادرة مستودع ملابسهن نظفن المكان وانسحبن في «خشوع».

لحسن الحظ أن الخصم من كوريا الجنوبية وليس الشمالية، حيث تتحول المباراة إلى «مناورة عسكرية»، تنسحب فيها الروح الرياضية وتحضر الروح العسكرية.

للأمانة تملك كوريا الشمالية منتخبا نسويا واعدا، سبق أن فاز بكأس العالم لأقل من 17 سنة، لكنه محكوم بضوابط «إيديولوجية» صارمة، يتلقى تعليماته من المدرب تارة، ومن وزارة الخارجية تارة أخرى.

نعود إلى منتخبنا النسوي الذي حتم على ملايين المغاربة النوم مبكرا، حتى يتمكنوا من متابعة مباراته في ساعة مبكرة من الصبح في هدوء وسكينة. كانت مباراة «اللبؤات» ضد محاربات «التايجوك» سريعة الإيقاع، تطرد التأوه عن أفواه من تحمل عناء الاستيقاظ، كان النزال الدولي الوحيد الذي لم تفتح المقاهي من أجله.

وفي كل مشاركة رياضية مغربية من فج عميق، يتذكر المغاربة الأيام الخوالي التي طردوا فيها النوم لمتابعة مشاركة رياضيين مغاربة صنعوا التاريخ، أمثال سعيد عويطة ونوال المتوكل وهشام الكروج وإبراهيم بوطيب ونزهة بيدوان وغيرهم.

في منتصف الليل كان صياح المغاربة وتشجيعهم للأبطال من خلف التلفاز يخترق صمت الأمكنة، ويخترق سكون الليل البهيم، وفي الصباح يروي الساهرون للنائمين ما حصل والناس نيام.

من محاسن الصدف، أن يحمل خطاب العرش، ساعات قبل مباراة المغرب ضد كوريا الجنوبية، بين سطوره كلمات ليست ككل الكلمات، فقد حث الملك محمد السادس على الصدق والجدية في مواجهة جميع الصعاب التي تواجه الأمة المغربية داخليا وخارجيا، «وهي نفس الجدية التي نرفع بها التحدي لإطلاق مشاريع كبرى».

شعرت بعثة المنتخب المغربي النسوي لكرة القدم في أستراليا بحجم المسؤولية، حين قدم الملك نموذجا لهذه الجدية ولذاك التحدي من خلال انتصارات منتخبنا الوطني في مونديال قطر 2022، وفي الإصرار على  طلب احتضان كأس العالم 2030 بشراكة مع إسبانيا والبرتغال.

تسللت الكلمات إلى أعماق لاعبات حالمات بدخول التاريخ من مونديال أستراليا، ولم يعد المدرب «بيدروس» في حاجة إلى كثير من الكلام لتحفيزهن وشحن بطارية معنوياتهن، بعد أن تراقصت أمام عيونهن صورة الاستقبال الملكي لأمهات لاعبي المنتخب، وخروج المغاربة إلى الشارع للرقص المباح.

حين شارك المنتخب المغربي لأول مرة في كأس العالم سنة 1970، سافر إلى المكسيك، وشاءت الصدف أن يواجه «الماكينات» الألمانية، وقبل المباراة طلب المدرب «فيدنيك» من لاعبي المنتخب الوطني طرد رهبة البداية، ونظم لهم زيارة إلى معسكر الألمان، حيث التقوا خصومهم وذوبوا جليد الخوف. وفي يوم المباراة خسر منتخبنا بهدفين مقابل هدف واحد، في نزال متكافئ.

الفرق الزمني بين مونديال المكسيك ومونديال أستراليا كبير، لكن تجب مراعاة الفرق في التفكير أيضا، بين من يؤمن بأن الهزيمة واردة في كرة القدم، ومن يصنفها في خانة النكبات إذا زادت عن حدها.

لماذا تتحقق الانتصارات كلما خاض أبطالنا وبطلاتنا منافسات رياضية، في ساعات مبكرة من الصبح والناس نيام؟

يبدو أن الفوز يقترب منا، حين ينام «القواسة» نوما عميقا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى