الرأي

فزاعة في حقل الكرة

حسن البصري
لكل شاعر ليلاه، ولكل بلد امرأته الحديدية، ولكل وطن سيدة متمردة عن الأحاسيس المرهفة وكأنها في حالة تسلل بين الرجال، في كل قطاع نساء فولاذيات شخصياتهن من الخرسانة وقراراتهن من الإسمنت المسلح.
عندما ردت نانسي بيلوسي، رئيسة مجلس النواب الأمريكي، على إهانة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بتمزيق أوراق خطابه، لم يكن هذا الموقف إلا تزكية للقبها كامرأة حديدية، وتكريسا لمكانتها كسيدة مزعجة للسياسيين وشوكة في حلق الجمهوريين وفي حلق ترامب بالخصوص.
مناسبة هذا الاستهلال هي قرار المجلس التنفيذي للكونفدرالية الإفريقية لكرة القدم، القاضي بإنهاء مهام المرأة الحديدية فاطمة سامورا، بعدما قضت ستة أشهر فقط في مهامها كوصية على مؤسسة كروية تنبعث من مطبخها رائحة الفساد.
عندما حطت السينغالية سامورا الرحال بمقر «الكاف» بالقاهرة، موفدة من «الفيفا»، كانت تحمل مكنسة ومواد نظافة، وفي أول اجتماع طالبت رئيس المنتظم الكروي الإفريقي بتوفير كمامات طبية وتوقيع ظهير التوقير، وقالت إن الفساد في الكرة الإفريقية فاق المستوى البرتقالي.
كانت فاطمة سامورا تعتقد أن تجربتها الطويلة في ميدان الإغاثة الدولية، وما راكمته من خبرات في مجال الإسعاف والتغذية ضمن بعثات الأمم المتحدة، سيفيدانها في مهمتها المحددة زمنيا في نصف عام، ومع أول تشخيص اكتشفت أن مسؤولي الكرة في القارة لا يعانون من الجوع والفقر بل من تخمة المال.
حين اقتربت فاطمة من الملفات النتنة تغيرت ملامح المتحكمين في خيوط «الكاف»، وهمس أحد الموظفين الملغاشيين في أذن أحمد أحمد، قائلا: «يا أحمد إن سامورا هي نسخة من المرأة الحديدية في مدغشقر جيزيل ربيساهلا»، وقال له مغاربة «الكاف»: «لا يا سيدي إنها نسخة مصادق عليها من المرأة الحديدية للمغرب المرحومة زوليخة نصري»، وشبهها المصريون بهدى عبد المنعم، واعتقد الجنوب إفريقيون أن شيئا من زوما يسكن فاطمة، التي كانت تذهب بعد انتهاء فترة دوامها إلى الجيزة لتتوقف عند أبي الهول دون أن يعرف أحد ما يدور في خلدها من مناجاة.
كشفت سامورا من خلال تشخيص أولي عن وجود بؤر فساد، وقالت إنها قضت فترة طويلة في غسل الوجوه المتعفنة وتلميع الأواني الصدئة، إلى أن آمنت بأن العبث قدر ومكتوب على جهاز يسير بملايين الدولارات، وبأن المسامير التي وضعها المغرضون في طريقها تدمي قدميها كلما اقتربت من حقول ملغومة، فتكونت لديها قناعة راسخة بأن الرجال سيظلون قوامين على النساء الخشبيات والحديديات.
اشتكى أعضاء المجلس التنفيذي للكاف لرئيسهم، وقالوا له: «يا أحمد خلصنا من هذه السيدة لا نريد مواجع»، فطلب مهلة للاستشارة أملا في تحديد سرعة تعاطي فاطمة مع الملفات، لكن المرأة السينغالية أصرت على استكمال مهمتها برغم الريح والجو الماطر والإعصار.
انتظر القائمون على الكرة الإفريقية مؤتمر الرباط، ووقعوا على قرار إنهاء مهمة سامورا وكسر مكنستها، ووضع القضايا التي أثارتها في دولاب الحفظ، انتابت نوبة فرح أعضاء خالدين فيها أبدا، وطالب أحدهم بجعل تاريخ قرار الانفصال عيدا لجلاء سامورا ومناسبة للاحتفال بنهاية عهد الحجر والحماية.
سكتت فاطمة عن الكلام المباح وابتلعت لسانها وهي تمسح بعينين، تتطاير منهما شرارة الغضب، تلابيب القرار، حينها عادت المرأة إلى وداعتها وحسها الأنثوي وهي تحاول مصادرة دموع منفلتة. طلب منها أحد الصحافيين تعليقا فاكتفت بإيماءة من رأسها، ألح زميلنا مرة ثانية وكأن لسان حاله يقول: «لالة فاطمة عار ربي غير كليمة».
حين علم إنفانتينو، رئيس الفيفا، بقرار إنهاء خدمات موفدته، قال لأحد رفاقه إن الكرة في القارة الإفريقية ليست في حاجة اليوم إلى سامورا بل إلى محاربي الساموراي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى