
لا شك أن قطاع السياحة يضمن المساهمة في التنمية والتشغيل، وتحقيق مداخيل مهمة تعود بالنفع على ميزانيات الجماعات الترابية وميزانية الدولة، فضلا عن تشجيع السياحة الداخلية، لكن في ظل مظاهر الفوضى والعشوائية التي تهم الخدمات السياحية يستحيل تحقيق الأهداف المطلوبة، وكل المشاريع المهيكلة المستقبلية تصبح مهددة بالفشل، لأن هناك شئا يسمى السمعة السياحية التي تحتاج إلى العمل بجد للحفاظ عليها وتسويقها أكثر، عوض تدميرها بالغش والجشع والاستغلال البشع لأوقات الذروة.
وعندما نتحدث عن اختلالات السياحة، فإننا نشير مباشرة إلى فوضى قطاع الخدمات بالدرجة الأولى، والحاجة الملحة إلى الهيكلة وتجويد الخدمات، ومواكبتها للتطور العالمي في مجالات مختلفة والرقمنة، والسهر على توفير شروط الصحة والسلامة والوقاية من الأخطار، وحماية حقوق المستهلك والتجاوب مع الشكايات، وفق السرعة والنجاعة المطلوبتين.
ولا يمكن تحقيق الأهداف المطلوبة في مجال السياحة الداخلية، في ظل تيه المجالس الجماعية في صحراء الصراعات وتصفية الحسابات الضيقة، وإهمالها تجويد الخدمات العمومية، مثل النظافة وتهيئة الشواطئ والمرافق العمومية الضرورية، وفك العزلة عن المناطق السياحية الجبلية، وتجاوز جمود مكاتب حفظ الصحة، لأهميتها البالغة في مراقبة المواد الاستهلاكية، إلى جانب غياب تفعيل دور الشرطة الإدارية.
ورغم تحركات لجان التفتيش والمراقبة التي تتشكل من مجموعة من المؤسسات، على رأسها مصالح وزارة الداخلية، لزجر الغش والغلاء والمخالفين للقوانين ومن لا يحترمون شروط الصحة والنظافة، إلا أن التدخلات تبقى محدودة ولا تعالج في العمق مشاكل وفوضى غلاء الأسعار، التي ما زالت مستمرة، شأنها شأن استمرار مشاكل غياب النظافة وعدم الالتزام بشروط الصحة والسلامة.
ولكي يتم تجويد الخدمات السياحية، لا مناص من هيكلة قطاع الخدمات، وتفعيل دور الجماعات الترابية، وفق القانون التنظيمي للجماعات الترابية 14. 113، وتحرك الغُرف المهنية لتأطير المهنيين وتوعيتهم بأهمية جودة الخدمات السياحية في الرفع من مؤشرات التنمية الشاملة، والتوعية والتحسيس بثقل المسؤولية واحترام القانون، وخدمة السائح وفق الجدية المطلوبة، عوض استغلال أوقات الذروة واللهث خلف الربح المادي السريع، على حساب شروط الصحة والنظافة والجودة.
إن مشروع مغرب 2030، يحتاج إلى هيكلة شاملة لقطاع الخدمات السياحية، والرقمنة والتفاعل مع الشكايات وفق السرعة والنجاعة المطلوبتين، وتجهيز البنيات التحتية، وتنفيذ مشاريع توسيع الطرق، وهيكلة كراء الشقق والفيلات المفروشة، وملاءمة جودة الخدمات مع الأسعار، وتفكيك كافة اللوبيات التي تستغل مظاهر الفوضى والعشوائية، فضلا عن تفعيل المحاسبة بشأن كافة الاختلالات والتجاوزات، سواء كان ذلك في حق المخالفين كأشخاص، أو في حال إهمال المسؤولين والمنتخبين القيام بدورهم المنصوص عليه في القانون، لأن من أبرز ما نعانيه في هذه المرحلة، هو المسؤولية بدون محاسبة.





