
إعداد: لمياء جباري
في 21 ماي 2025، وبعد تصويت أخير في مجلس الشيوخ، قرر البرلمان الفرنسي حظر التسويق الهاتفي غير المرغوب فيه ابتداء من غشت 2026، وهو قرار يُضعف أحد أعمدة ترحيل الخدمات في المغرب: مراكز النداء. صدمة لقطاع يشغل أكثر من 90.000 شخص عبر 800 مؤسسة، وتعتمد غالبية عائداته على السوق الفرنسية. وراء هذا القرار، هناك آلاف المسارات المهنية التي أصبحت مهددة، ونماذج اقتصادية تواجه صعوبات، وقطاع يبحث عن إعادة ابتكار نفسه.
97 بالمائة من الفرنسيين منزعجون من مراكز النداء
تواجه مئات مراكز النداء المغربية، المتخصصة في التسويق الهاتفي لصالح الشركات الفرنسية، تحديا وجوديا غير مسبوق، عقب تبني البرلمان الفرنسي لقانون جديد يمنع، ابتداء من غشت 2026، أي اتصال هاتفي لأغراض تجارية دون موافقة صريحة وواضحة من المستهلكين. ينص القانون، الذي صادق عليه مجلس الشيوخ الفرنسي في 21 ماي الماضي، على حظر «أي تسويق هاتفي مباشر أو غير مباشر، دون موافقة حرة، محددة، مستنيرة، لا لبس فيها، وقابلة للإلغاء من قبل المستهلك»، وفق ما أوردته مجلة Jeune Afrique. وهو ما يشكل ضربة قوية لقطاع مغربي يشغل أكثر من 90 ألف شخص ويعتمد بنسبة 80 في المائة على السوق الفرنسية. جاءت الخطوة الجديدة من قبل جهة التشريع الفرنسية تفاعلا مع استياء الفرنسيين من المكالمات الهاتفية لمراكز النداء، حيث أظهر استطلاع للرأي أنجزته مؤسسة UFC-Que Choisir أن 97 في المائة من المستجوبين منزعجون منها؛ فيما تواجه المراكز المغربية تحديات جديدة للتكيف مع هذه التغييرات، خاصة الشركات الصغيرة التي تعتمد بشكل أساسي على التسويق الهاتفي. ويوجه مقترح القانون، الذي ينتظر مراجعته من قبل لجنة الشؤون الاقتصادية في الجمعية الوطنية قبل إقراره نهائيا، المستهلكين إلى الإبلاغ عن رفضهم تلقي المكالمات التسويقية، وطلب الانتقال إلى نظام «الاشتراك المسبق» (opt-in)، حيث لا يمكن للشركات الاتصال بهم إلا إذا أعطوا موافقته الصريحة بشأن ذلك.
رقم معاملات سنوي بـ18 مليار درهم
وفي هذا السياق، أوضح يوسف الشرايبي، رئيس فدرالية ترحيل الخدمات بالمغرب (FMES)، أن النظام المعمول به حاليا يسمح بالاتصال بأي شخص لم يعبر صراحة عن رفضه، لكن مع دخول القانون حيز التنفيذ، سيُسمح فقط بالتواصل مع الأشخاص الذين منحوا موافقة مسبقة وصريحة. قطاع مراكز النداء، الذي يضم نحو 800 مؤسسة بالمملكة، يحقق رقم معاملات سنويا يقدر بـ18 مليار درهم، ويُعد من الركائز الأساسية للاقتصاد المغربي في مجال الخدمات. غير أن التحدي القادم، وفق مهنيين في المجال، قد يدفع العديد من الفاعلين، خاصة الصغار والمتوسطين، إلى إما التوجه السريع نحو أنشطة بديلة، أو إغلاق أبوابهم. ورغم أن بعض الفاعلين الكبار مثل Teleperformance وConcentrix Webhelp الفرنسيين، والمغربيين Outsourcia وIntelcia (الأخيرة مملوكة في جزء كبير منها لمجموعة Altice)، يمتلكون أنشطة متنوعة تمتد إلى ما هو أبعد من التسويق الهاتفي، فإن الأغلبية الساحقة من الفاعلين تعتمد بشكل رئيسي على هذا النشاط. مع ذلك، يُقلل الشرايبي من وقع الأزمة، مشيرا إلى أن التسويق الهاتفي لا يمثل سوى أقل من 15 في المائة من مجمل قطاع الترحيل في المغرب.
10 آلاف وظيفة مهددة بشكل مباشر
يقدر الشرايبي أن نحو 10 آلاف وظيفة قد تكون مهددة بشكل مباشر، مضيفا أن «الهاتف يفقد مكانته منذ سنوات لصالح أنشطة المساندة الإدارية والتواصل الكتابي». ويُتوقع، وفق تصريحاته، أن تشهد وتيرة نمو الوظائف في القطاع ركودا خلال العام المقبل، مع تراجع محتمل في رقم المعاملات بقيمة تقارب مليار درهم. وتأتي هذه الضربة التنظيمية في وقت يشهد فيه القطاع ضغوطا متزايدة بسبب تسارع استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي، وما يصاحبه من تهديدات حقيقية لأتمتة عدد كبير من الوظائف. ففي تقرير صادر سنة 2025 عن مؤسستي Caribou Digital وGenesis Analytics، بشراكة مع Mastercard Foundation، تبين أن 40 في المائة من وظائف ترحيل الخدمات التجارية وخدمات تكنولوجيا المعلومات في إفريقيا معرضة لخطر الأتمتة. ورغم هذه التحديات، يظل مسؤولو القطاع متفائلين بمستقبل ترحيل الخدمات في المغرب. ففي تصريح سابق سنة 2024، قال كريم برنوصي، الرئيس التنفيذي لـIntelcia، إن الذكاء الاصطناعي يجب أن يُستخدم لتحسين الإنتاجية والجودة والأمان، دون أن يشكل بديلا كاملا للعنصر البشري. ويؤكد يوسف الشرايبي، من جهته، أن المغرب سيظل في موقع الريادة إقليميا في هذا المجال، قائلا: «منذ البداية، يتوجه القطاع بنسبة 90 في المائة نحو التصدير، ويستفيد من نمو عالمي سنوي يبلغ 8 في المائة. لا الذكاء الاصطناعي ولا التشريعات الجديدة تمكنت من إبطاء هذا الزخم. حتى في خضم الأزمات الأوروبية، تواصل السوق المغربية تسجيل تطور لافت، لأن الأوقات الصعبة تدفع الشركات الأجنبية أكثر إلى خيار الترحيل».
نمو متسارع للقطاع
يشهد قطاع ترحيل الخدمات في المغرب نموا متسارعا، ليصبح أحد أعمدة الاقتصاد الوطني بفضل ديناميته العالية، وتوفر منظومات مؤهلة وكفاءات بشرية متميزة، إلى جانب قدرته المثبتة على خلق فرص الشغل واستقطاب الاستثمارات الأجنبية. ويعزز هذا الزخم الموقع الجغرافي الاستراتيجي للمملكة، التي لا تبعد عن كبريات العواصم الأوروبية سوى أقل من ثلاث ساعات بالطائرة، فضلا عن الموارد البشرية المؤهلة التي تمثل أحد أبرز عوامل الجذب للاستثمار التنافسي وخلق القيمة المضافة. وتتكامل هذه العوامل مع حزمة من الحوافز الحكومية التي تهدف إلى تحسين جاذبية المملكة، ودفع عجلة التوظيف، مع ضمان تنمية متوازنة عبر مختلف جهات البلاد. ووفقا لتقرير «مؤشر مواقع الخدمات العالمية» الصادر عن مؤسسة «كيرني» الاستشارية لعام 2023، يحتل المغرب المرتبة الثانية إفريقيا والمرتبة 28 عالميا في مجال ترحيل الخدمات، ما يعكس موقعه المتقدم على الساحة الدولية. ويضم هذا القطاع الحيوي أكثر من 1200 شركة وطنية ودولية، مستفيدا من إمكانات نمو قوية كما تؤكد المؤشرات المسجلة برسم سنة 2023، والتي أبرزت خلق أزيد من 141 ألف منصب شغل، أي بزيادة تفوق 11 ألف وظيفة مقارنة بسنة 2022. كما شهدت صادرات الخدمات قفزة نوعية، حيث ارتفع رقم معاملاتها من 14.9 مليار درهم سنة 2021 إلى 17.9 مليار درهم في 2023، مسجلا نموا بنسبة 20 في المائة. وخلال معرض «جيتكس إفريقيا 2025»، وقعت وزارة التحول الرقمي وإصلاح الإدارة، اتفاقيات و«مذكرات تفاهم» متعددة الأطراف، بعضُها يدعم تسريع تحقيق أهداف «المغرب الرقمي 2030»، وأخرى تهدف إلى رقمنة قطاع الصناعة التقليدية والاستثمار في مجال «ترحيل الخدمات».
وفي هذا الإطار، جرى التوقيع، في ثاني أيام أضخم معرض للتكنولوجيا بالقارة الإفريقية، على «مذكرة تفاهم» لإنشاء مركز للمهارات في قطاع الاستشارات والتوريد إلى الخارج بجهة الدار البيضاء- سطات، بين الوزيرة أمل الفلاح السغروشني، وكريم زيدان، الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بالاستثمار والتقائية وتقييم السياسات العمومية، بحضور ممثلي شركة «KPMG». وفي إطار السياسة الوطنية لدعم الاستثمار في مجال الترحيل والتحول الرقمي، وُقعت «مذكرة تفاهم» بين وزارة الانتقال الرقمي وإصلاح الإدارة، ووزارة الاستثمار والتقارب وتقييم السياسات العمومية، ومركز دعم شركة «Arrow ECS» بالمغرب. تهدف هذه الشراكة إلى «دعم مشروع مركز الدعم لتوسيع مركز الخدمات المشتركة في جهة الدار البيضاء- سطات»، وتنص على «إنشاء مراكز جديدة للمهارات التقنية والإدارية في المجال الرقمي»، و«سيوفر هذا المشروع 700 فرصة عمل مباشرة بحلول عام 2029»، حسب المعطيات المعلنة.
نوافذ
صدمة لقطاع يشغل أكثر من 90.000 شخص عبر 800 مؤسسة وتعتمد غالبية عائداته على السوق الفرنسية
40 في المائة من وظائف ترحيل الخدمات التجارية وخدمات تكنولوجيا المعلومات في إفريقيا معرضة لخطر الأتمتة
يحتل المغرب المرتبة الثانية إفريقيا والمرتبة 28 عالميا في مجال ترحيل الخدمات، ما يعكس موقعه المتقدم على الساحة الدولية





