شوف تشوف

الرأيالرئيسيةرياضة

«قطاع» التذاكر

لا أعتقد أن اختيار يوم 11 يناير، بكل حمولته التاريخية، للكشف عن منفذي عملية خدش وجه الكرة المغربية في قطر، والوقوف على من سولت لهم أنفسهم لعب دور «قطاع» التذاكر على وزن «قطاع الطرق»، في عز النهار وبوجوه مكشوفة، كان اختيارا اعتباطيا.

مقالات ذات صلة

في ذكرى 11 يناير 1944، تم تقديم وثيقة الاستقلال، وهي مناسبة يحتفي المغاربة فيها وفاء برجالات الحركة الوطنية والمقاومة وجيش التحرير، وتمجيدا للبطولات العظيمة التي صنعها أبناء هذا الوطن بروح وطنية عالية وإيمان عميق، بنفس الروح التي ميزت أداء المنتخب المغربي في مونديال قطر.

في 11 يناير 2023، تقرر تقديم وثيقة إدانة معمرين بسطوا سيطرتهم على المشهد الكروي وأحكموا قبضتهم على الكرة، عاثوا في ملاعبها فسادا.

فوزي لقجع، رئيس جامعة كرة القدم الوطنية، قال في اجتماع لتقييم المشاركة المغربية في المونديال إن التلاعبات أفسدت فرحة الشعب وتوهج الجماهير، «إنها سلوكات تتسم بالبؤس والجشع، كان أبطالها فئة من المحسوبين على كرة القدم المغربية».

كان لا بد من القطع مع مرحلة «البيع والشراء والكراء»، بيعت فيها مباريات دون حسيب ولا رقيب، وتم في جموعها كراء أصوات للتصويت كما يكترى مكبر الصوت في الحفلات، واشترى «التعساء» ذمم أشخاص يتعاطون للصحافة فحولوهم إلى شعراء صعاليك يقضون وقتهم في نظم قوافي المديح للرئيس ورمي خصومه بالجمرات.

لكن إذا كانت الجامعة قد عبرت عن رغبة صريحة في قطع دابر المفسدين، والتصدي للاغتناء السريع لمسيرين قذفت بهم السياسة في معترك عمليات الكرة، فإن الحاجة اليوم إلى عملية تطهير كبرى من مسيرين اختاروا جسر الكرة للعبور إلى الوجاهة باتت ضرورة، لأن مال الكرة سائب والشهرة فيها تأشيرة عبور إلى قلوب الجماهير وجيوبهم.

كثير من رؤساء الفرق كانوا مجرد أسماء نكرة، قبل أن يجلسوا على كراسي المسؤولية في فرق لها قاعدة جماهيرية، لتصبح تحركاتهم في الشارع العام كافية لاستنفار الأمن الخاص والعام. وحين تغرق أقدام الفريق في الوحل يهربون تاركين الجمل بما حمل، بعد أن يرسلوا نداءات استغاثة بدون صدى.

حين تحكم بعض مسؤولي الفرق المغربية في سوق التذاكر، خلال رحلة المنتخب الوطني إلى قطر، فإنهم لم يمارسوا سوى هواية قديمة، أبلوا فيها البلاء الحسن على امتداد مباريات البطولة الوطنية. في فترة رئاستهم يتحكمون في سوق التذاكر يروجونها على هواهم، لا أحد يجرؤ على محاسبتهم على عدد التذاكر التي تزيد على عدد المقاعد، وحين تنشط السوق السوداء ويجلد المشجع الأعزل بنيرانها، يكتفون ببيان مكتوب بماء.

ولأنهم تمرسوا في الجمع بين مهام سياسية ورياضية، فإنهم يملكون ما يكفي من الخبرة والنباهة للإفلات من العقاب، رغم أنه بفضل كاميرات الهواتف الذكية أصبح مخولا للمواطن ممارسة القصاص ومعاقبة المجرم في الشارع العام، لمجرد تلقي إشارة «راه راه والغوت وراه»، حينها يتحول المشهد إلى ساحة جلد تطبيقا لشريعة أخرى.

لقد أثبت المونديال قدرة مروجي التذاكر المحليين على دخول العالمية من أوسع أبوابها، وتبين أن «قطاع» التذاكر لا يختلفون كثيرا عن قطاع الطرق، إلا في قساوة تقاسيم وجوههم والسلاح الذي يتأبطونه.

لقد أنهى قضاة الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم تحرياتهم، وأصبح الملف جاهزا للنطق بالأحكام، ضد من تاجروا في التذاكر، وحولوا سوق واقف في الدوحة إلى «جوطية» لترويج سلعة «المارشي نوار».

اليوم تأكد أن ترويج التذاكر «رقميا» لا يعفينا من ويلات السوق السوداء، وأن بطائق الاشتراك السنوي لا تلغي فوضى الملاعب، وأن الغفلة بين البائع والمشتري هي كلمة السر قبل كل مباراة وبعدها.

اليوم المتهم بريء إلى أن تثبت «كرامته»، وبريء أيضا إلى أن يثبت غياب مظلة واقية.

حسن البصري

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى