الرأي

كاكتوس

«الحب والموت قصيدتان لشاعر واحد أتقن الحب وأدمن الألم» تيبولوس
عندما فكرت في كتابة هذه السطور، حضرتني العديد من الصور التي غالبا ما كنت أبحث عنها في قطعة دافئة بقلبك، كنت أومن بأن صورة هنالك للصدق ظلت تسكنني بلا هوادة، بل صدقت فعلا بأننا وجهان لعملة نادرة، وبأننا نؤدي فواتير لا حصر لها ثمنا للصدق الساكن فينا.
في أحد الصباحات أفقت على ألم حاد يمزق خيوط عشق تعبنا كثيرا في تطريزها على ثوب اللغة كما غشاء الروح، حيث جرفتني التربة التي تلفني وتؤويني، وسافرت بي إلى زمن لم يحن أوانه، فما عدت أرى إلا البياض يبتلع كل شيء، وما عدت أرى إلا سيقان الضمائر المبتورة والمبنية للمجهول.
وبالرغم من كثرة ما ينام بداخلي من ألم، ما زلت لا أقوى على التفكير أو التعبير، ما عدت تعبّ العبارات من كأسي.. صحيح أنني صدقت أشياء لا تصدق، فاستودعتك قلبا له اسم أشبه بـ»يُوريديكي» الخالدة في عيني القدر.. أحببت يوريديكي بقدر هروبي مما آلت إليه، لكنني لم أستطع إيقاف زحفك يا أوريفيوس لم أقو على تجاهلك، لأنك أتقنت كل شيء مر بأقدارك، وكنت أجمل أقدارك التي تشبهك، فعزفتَ سمفونيات بقيثارة لم أرها قط، لكنني سمعتها فصدقت معانيها، وزرعتَ كاكتوسا بقلبي دون عتق، لكنني لم أشعر بوخزه، وكنت أظن أن الشعراء لا يحسون بوخز الشوك ولا بألمه، وبأن الدم ينفجر قصائد لملحمة عشق خالدة.. أنت أوريفيوس الذي منحني القوة والأمل وكل مستلزمات الحياة لكي أفتح عيني في وجه الشمس، فلا أرى غير الزيف، وشوكة كاكتوس وحيدة تذكرني بالأشواك التي ابتلعت، وأنا أنتشي بسوناتا القمر، لم أكن أجرؤ على ملامسة جلدي، حيث أراك منثورا فوق مسامي، فقط أبتسم، وأفتح بابا للأسطورة، الواقع أسطورة، حتى وإن نامت كل الشجيرات التي كبرت في رأسي.
هل أخبرك بشيء من بقايا الأسرار؟ عندما كنت أجلس أمام صفحة البوغاز لأتأمل العبور، وأغوص في دواخلي، كنت أرمي بطرفي إلى الضفة الأخرى، لأرى العالم صغيرا جدا، وأصدق أن العبور بين الحياة والموت ليس إلا هاتين الضفتين، ثم أشيح بوجهي جهة الغرب، وأتذكر عبارة كنتَ ترددها فلا أصدقها لكنني أنتهي عند أعتابها من روعتها:
ــ سوف أحبك حتى أرى هذا المحيط وقد غدا بركة تجففها شمس الظهيرة.
فأبتسم لروعة المشهد ثم أجيبك بلهجة لا تخلو من يأس:
ــ سوف أحبك حتى أذيب شروق الشمس في كأس الحقيقة.
الحقيقة مازالت هناك، وكأسي فارغة تغني للعطش وللجدب، وتسأل بين الحين والحين: لماذا عشقتَ أشعار صافو، وما الذي دفعك لزيارة طوق الحمامة بعد كل هاته السنين، ولمن تركت مثنويات جلال الدين؟
أنا في حاجة لبعض النسيان، ولنومة هادئة فوق الماء، وأحتاج لأن أغمض عيني فلا أرى إلا كاكتوسة صغيرة بشرفتك، وقلب امرأة يذيبه احتراق يوم أول.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى