شوف تشوف

الرأيالرئيسية

كلاوديو برافو.. الآخر

إذا سألت أحدا ما عن «كلاوديو برافو»، فالمرجح أن يعرفه على أنه حارس مرمى فريق ريال بيتيس الإسباني لكرة القدم ولاعب منتخب الشيلي.

لكن «كلاوديو برافو» الذي يستحق أن يسأل عنه المغاربة، وهو من الشيلي أيضا، رسام أحب المغرب وأقام فيه ومات فيه، يوجد قبره الآن في مدينة تارودانت، التي قضى فيها السنوات الأخيرة من حياته وتوفي فيها سنة 2011.

في خمسينيات القرن الماضي أقام أول معرض فني للوحاته، لتكون تلك أول انطلاقة فعلية له في عالم الفن. وعندما انتقل إلى إسبانيا واصل أعماله الفنية سنة 1960، وبعدها بعشر سنوات وصل إلى العالمية عندما نجح في فرض اسمه بمدينة نيويورك الأمريكية، وباع لوحاته هناك بملايين الدولارات.

وفي سنة 1972 زار المغرب لأول مرة في حياته، وقرر أن يقتني مسكنا في مدينة طنجة. فيلا في حي هادئ، ولا شيء يوحي أن الفيلا ملك لهذا الفنان العالمي، لولا أن اسمه حُفر على الجدار. وبعد ثلاثين سنة من الإقامة في المغرب وتنظيم معارض في أوروبا وأمريكا، راكم خلالها ثروة بالملايين، تبرع سنة 2000 بمجموعة من التحف النادرة والمنحوتات الرومانية إلى متحف «برادو» الشهير. حتى أن ملك إسبانيا السابق، خوان كارلوس، وشحه بوسام.

لماذا لم يغادر «كلاوديو برافو» المغرب أبدا، إلا لسفريات قصيرة بحكم عمله؟

علاقة «كلاوديو برافو» بالمغرب لم تجد لها تفسيرا حتى بين أصدقائه المقربين، الذين تعرفوا عليه منذ سنواته الأولى في إسبانيا. بحكم أن الرجل كان يعبر عن أفكاره بالرسم، فقد كان المغرب حاضرا بقوة في كل أعماله منذ السبعينيات. حضور اللون الأبيض وتفاصيل الحياة المغربية لا تُخطئه العين.

انتقل مرة في رحلة إلى جنوب المغرب، واكتشف أن مدينة تارودانت، بألوانها وشمسها، لا تُقهر. فقرر اقتناء عقار هناك، اتخذه مسكنا ومرسما، وصممه بنفسه ليمزج في جدرانه وغرفه بين المعمار المغربي والطراز الأمريكي، ليصبح المسكن الفخم والواسع إنزالا لفيلات «بيفرلي هيلز»، موطن فناني هوليوود وأثرياء أمريكا في قلب تارودانت.

واعتاد أن يستقبل فيه أصدقاءه من المشاهير.

في تارودانت، أصبح «كلاوديو برافو» صديقا لزوجة شاه إيران التي اعتادت أن تزور المدينة بانتظام، وهكذا حوّل «برافو» تارودانت إلى عاصمة عالمية للقاء أشهر فناني العالم ووجوه «نيويورك» الشهيرة في عالم المعارض.

نجحت تارودانت في اختطاف «برافو» من طنجة، رغم قرب الأخيرة من إسبانيا وأجواء أمريكا اللاتينية.

وحسب ما يردده الذين عملوا في قصره من أبناء تارودانت المحليين، فإن «كلاوديو برافو» رغم تربيته المسيحية، إلا أنه أعلن إسلامه في آخر حياته، وجمع حوله خدمه وعمال إقامته الفخمة، وأنهى الإجراءات القانونية لكي يهبهم قصره ويضمنوا بقاءهم فيه حتى بعد رحيله.

لم تكن «فرح ديبا»، زوجة الشاه، وإمبراطورة إيران، حاضرة في المغرب وقت وفاة صديقها الشيلي، إلا أنها فور زيارتها إلى مدينة تارودانت، وقفت طويلا عند قبره وبكت، حسب ما أكده من حضروا في لحظة زيارتها إلى المقبرة، على الأيام الخوالي التي حوّل فيها هذا الثري القادم من وراء المحيط الأطلسي، مدينة تارودانت إلى عاصمة للفن العالمي.

بين قصري الرجل الآن، ما بين طنجة وتارودانت، مسار طويل جدا لقصة هذا الثري الذي حول زيارة عابرة للمغرب قبل إحدى وخمسين سنة، إلى نقطة تحول في حياته، لكي يستقر بين المغاربة، ويعرف المغرب أكثر من بعضهم.

بلحيته البيضاء وابتسامته التي تُخفي أكثر مما تُظهره، وأناقته رغم تخليه الدائم عن ربطة العنق، تستقبل صورة «كلاوديو برافو» زوار قصره، لكي يشاهدوا اللوحات الفنية التي ترك في كل واحدة منها، قطعة منه. لكن القليلين فقط يعرفون من يكون هذا الرجل الذي جاب الدنيا، ورأى في تارودانت كل العالم.

يونس جنوحي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى