
يونس جنوحي
تجارة مربحة جدا تأسست في الجزائر خلال النصف الأخير من التسعينيات على وجه الخصوص. أطلق عليها هشام عبود صفة «إرهاب الشعب باسم الإسلام». أي أن الجنرالات كانوا يمارسون إرهابا أمنيا ونفسيا على الجزائريين مستغلين وجود الإسلاميين في الساحة لكي يعلقوا عليهم كل تلك الجرائم التي ارتُكبت.
استعان الجنرالات بعدد كبير من الأعوان، عسكريين في الغالب، ثم تخلصوا منهم، لكن بإثارة الكثير من الضجيج و«الجلبة». هذه الجلبة وصلت أحايين كثيرة إلى مرحلة لفت الانتباه، مثلما وقع أثناء اغتيال شخصيات مرموقة.
ثقب أمني
كانت بعض العمليات التي نُفذت في حق شخصيات جزائرية معروفة، تطرقنا إلى أغلبها في الحلقات السابقة، تمثل فضيحة مدوية للنظام. إذ إن الجزائريين، ومعهم الرأي العام الدولي، كانوا يدركون جيدا أن النظام كان يحرك الخيوط، وأن الجزائر كانت قادرة من الناحية الأمنية على توفير الأمن للأسماء التي تمثل السلطة العسكرية، لكنها قتلتهم بدل أن تحميهم. في بلاد الجنرالات.. لا أحد يجب أن يمتلك المعلومة.
أثار هشام عبود اسم الكوماندان عمار الگطوشي. كلف بمهمة من طرف الجزائريين، لكنه ارتكب خطأ كبيرا عندما اعتبر أن المهمة التي كلف بها تشبه المهام السابقة التي قام بها خلال مساره العسكري. ونسي، كما يصفه عبود، أن الجنرالات لا يتركون وراءهم أبدا شهودا على الجرائم التي أعطوا الأمر لتنفيذها.
باسم محاربة الإرهاب تمت الاستعانة بهذا العسكري المشهود له بخبرة في المجال الأمني، ثم أرسل إلى فرنسا. وهناك جرى التخلص منه. إذ أصيب بطلقة في الفخذ، كانت مدروسة بعناية. ولا يحتاج الأمر إلى كثير من التحليل أو الذكاء لإدراك أن الطلقة كانت احترافية جدا.
إذ بدا الحادث في البداية كما لو أنه إصابة في الشارع بطلقة طائشة من مسدس، ما دام أن الرصاصة استقرت في فخذه. لكنها في الحقيقة كانت طلقة مدروسة جدا، ولا يطلقها إلا المُدربون جيدا في المخابرات على التصفيات الجسدية. إذ إنها مزقت الشريان الرئيسي، ولم يصمد الگطوشي خلال المسافة الفاصلة بين مكان الحادث الذي تلقى فيه الطلقة، وبين المستشفى الذي نُقل إليه في باريس، لكي يُعطى الانطباع بأن الجنرالات والدولة الجزائرية حاولوا فعلا إنقاذه بكل الطرق. يقول هشام عبود: «في فرنسا، لم يتبق سوى إعلان خبر وفاته».
هذه العملية كانت مُربكة، لكن المتابعين للشأن الجزائري كانوا يعرفون أن الأمر يتعلق بتنظيف آخر من عمليات التنظيف التي باشرها الجنرالات في الجزائر.
هشام عبود التقى مع مسؤول عسكري كلف بتسلم جثمان عمار الگطوشي. وهذا المسؤول بقي في فرنسا ولم يعد للجزائر. والواضح أنه نجا بأعجوبة في خضم تلك الفوضى العارمة والصاخبة، حيث التقاه عبود هناك عندما هرب بدوره من الجنرالات إلى باريس، وحكى له عن الواقعة.
شاهد منسي
هل يعقل أن يكون الجنرالات نسوا فعلا التخلص من مسؤول عسكري آخر، كان شاهدا على ملف اغتيال الگطوشي؟ يتعلق الأمر برجل اسمه الكوماندان محمد بوزيت، ويُلقب بـ«يوسف». حيث كان يشغل منصب المدير الإقليمي للأمن العسكري في المنطقة الخامسة. وكان مكلفا من طرف الجنرالات بتسلم جثمان الگطوشي والعودة به إلى الجزائر للدفن. لكن الواقع أن «يوسف» لم يعد أبدا إلى البلاد وبقي في فرنسا. فقد أدرك أن الدور سوف يأتي عليه لا محالة، خصوصا وأنه كان يعرف معلومات حساسة جدا على اعتبار المركز الأمني الحساس الذي كان يشغله. يقول هشام عبود إن «يوسف» شرح له كيف خطط الجنرالات لتبرير عملية إصابة الگطوشي في الفخذ. يقول هشام عبود: «لتبرير تلك العملية الغامضة، قام الجنرال إسماعيل وأعوانه بإطلاق إشاعة مفادها أن الكوماندان الگطوشي كان يعاني من مرض السكري.
وبما أنني كنت أعرفه جيدا، بحكم أنه كان جاري في منطقة الرغاية، يمكنني أن أؤكد أنه لم يكن يعاني أبدا من هذا المرض».





