شوف تشوف

الرأيالرئيسيةمجتمع

لغز اسمه «ابن بطوطة»

يونس جنوحي

مقالات ذات صلة

التمثال الذي تم إعداده أخيرا لتخليد ذكرى ابن بطوطة، كان قِبلة للآلاف خلال العطلة الصيفية. وبعض الذين عانقوه والتقطوا الصور بقربه، لا يعرفون أن ضريح صاحبه يبعد مسافة مشي لدقائق فقط.

هل تصالحت الأماكن العمومية المغربية مع التماثيل؟ لأن العادة جرت ألا توضع تماثيل في الأماكن العمومية في المغرب. حتى التمثال الوحيد الذي أقيم للملك الراحل محمد الخامس، ظل حبيس أسوار عقار بمدينة الرباط، وتمثال المقيم العام ليوطي، الذي رُفع عنه الستار بحضور المقيم العام، خلال حفل حضره العسكريون الفرنسيون في فترة الحماية، وأُدخل بدوره مباشرة بعد مغادرة الفرنسيين إلى مقر البناية، التي بقيت كآخر ما يُديره الفرنسيون في المغرب بعد الاستقلال.

ولم تنجح محاولات كثيرة لشخصيات أجنبية في إحضار تماثيل، أو نحتها لشخصيات دولية لتخليد ذكراها في المغرب. كانت القاعدة واضحة، إذا أردت صُنع تمثال، ضعه في بيتك.

حتى أن إدريس البصري سنة 1983 دخل في حرب مباشرة مع سليل أسرة فاسية، أراد وضع تمثال خارج الفيلا التي يملكها في عين الذئاب بالدار البيضاء، ولم تفلح علاقاته ولا مكالماته الهاتفية مع «الرباط»، في الحصول على الموافقة لوضع التمثال في الزنقة المُفضية إلى إقامته الفخمة. إذ كان أعوان السلطة قد تلقوا تعليمات مباشرة من إدريس البصري، بمصادرة التمثال، حال وضعه في الشارع العام.

حتى في زمن «الغفلة»، الذي أراد خلاله الأثرياء المغاربة إدخال التحف إلى المغرب لتزيين إقاماتهم بها، أدخلوا تقريبا كل شيء، بدءا من الزرابي الإيرانية، وصولا إلى كؤوس البلور التي تعود إلى القرن التاسع عشر، لكنهم لم يُجربوا أبدا إدخال التماثيل.

وعلى الضفة الأخرى أيضا، هناك وثائق في الأرشيف الفرنسي تؤكد أن باحثين فرنسيين في علم الآثار قد أخذوا تماثيل مغربية عثروا عليها، خلال عمليات التنقيب في المواقع الأثرية، التي ما زالت موجودة إلى اليوم، وشحنوها بحرا إلى فرنسا، ولا أحد هنا فكر في استردادها، في الوقت الذي استرجع فيه المغرب رسميا مستحاثات ديناصورات وصخور عليها رسومات للحضارات التي عاشت بالمغرب، لكن لا أحد تحدث عن التماثيل الرومانية.

من المحير فعلا تأمل هذه المفارقة التي قد تكون مرتبطة بالوازع الديني بالأساس، على اعتبار أن المذهب المالكي لم يكن أبدا في صف إباحة استعمال التماثيل.

وبالعودة إلى تمثال ابن بطوطة، لا بأس أيضا أن يقام صرح بنفس طول التمثال، يشرح للمغاربة تفاصيل رحلة هذا الرجل، الذي صدرت عنه مؤلفات بعدد الكيلومترات التي قطعها بشكل متواصل لقرابة ثلاثة عقود متواصلة، قبل قرابة ثمانية قرون من اليوم.

جد الرحالة العالميين مغربي، وكل الذين لديهم شغف باكتشاف العالم يعرفون ابن بطوطة، تماما كما يعرفون مخترع التيار الكهربائي، أو الهاتف. ورغم محاولات التشكيك في شخصية ابن بطوطة واعتبارها أسطورية، إلا أن المخطوط القديم لرحلته، وعشرات الدراسات العلمية الجادة التي قام بها أكاديميون مغاربة ومسلمون وأجانب، كلها تؤكد أن ابن بطوطة عاش فعلا. بل هناك من يدعي بكل وقاحة أن الضريح الموجود اليوم في قلب المدينة القديمة، ليس لابن بطوطة.

أسهل وأتفه تيار يوجد اليوم، هذا الذي يطعن في كل المصادر التاريخية ويشكك في الشخصيات بسهولة، خصوصا إذا كان وهج تلك الشخوص، لا يخدم مصالح أولئك. أما التماثيل، فتظهر وتختفي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى