الرئيسية

مرحبا و ألف مرحبا بدرسك، يا رولاندو

  • عاصم يوسف

 صدقوني إذا قلت لكم أنه لم يسبق لي أن شاهدت في حياتي مبارة لكرة القدم يلعب فيها كريسيانو رولاندو و لم يحصل لي أن اهتممت به من قبل و لا بغيره من اللاعبين و المشاهير و ذلك لأنني أومن بأن لا أحد يملك الكمال حتى لو كان له المال و السلطة و المجد و الشهرة. و عندما أكون جالسا مع أصدقائي و يناقشون الكرة و مقابلاتها، فغالبا ما ألزم الصمت ليس لأنني لا أفضلها كموضوع بل لأنني أحب ممارستها أكثر من مشاهدتها. لكن أن يقدم اللاعب البرتغالي كريسيانو رولاندو درسا أخلاقيا للناس في مدى نفاقهم و حرصهم على التقرب من الأقوياء و المشاهير و نبدهم للضعفاء و “المحا قير” فهذا يجعلني أشاهد الفيديو الذي صوره و هو متنكر في زي متسول ملتحي يلعب بالكرة و يضع إطارا بجانبه ليفوز ببعض النقود التي قد يجود بها عليه المارون من أمامه. و لهذا لم يكترث له أحد إلا طفل صغير و بريء لم يصاب بعد بأمراض المجتمع المعدية ليحكم على الظاهر أكثر من الباطن و ليحقره و ليتجنب التقرب منه. لم يمتلك الطفل نفسه و هو يشاهد الكرة ليركلها مع “المتسول”. و لما خرج هذا الأخير من تنكره و كشف عن وجهه، إندهش الصبي و رحب به و إذا بالناس يحتشدون من أجل أخد الصور…من الذي تغير فجأة؟

يمارس التسول كظاهرة بالداربيضاء بأكثر من شكل و بأكثر من لغة. و أنت تتأهب لركوب سيارتك قد يقف عليك أحدهم يستعطفك و يرجوك أن تقدم له درهما ولن يتوانى في شتمك في سره إذا لم تجبه و إذا جدت عليه سيذهب عند أخر و هكذا حتى يجمع قدرا من المال لا باس به. لذلك لا يخلوا شارع من شوارع الداربيضاء بدون أن ترى متسولا يجوب الطرقات ذهابا و إيابا يطلب هذا و ذاك. وقد يقف أمامك أخر و أنت تتناول الطعام في إحدى المطاعم، و سينعلك في نفسه إذا لم تدعوه ليشاركك الطعام كما تفعل كل مرة مع صديقاتك عندما تنوي استمالتهن لشيء. و كثيرا من الأحيان ما يقف أمامك أحدهم و يمد يده إليك و هو يظهر أقوى و أشيك منك في هندامه الذي يظهر موضة مسجلة. لقد أصبحت الداربيضاء في السنوات الأخيرة قبلة للكثير من الأفارقة الذين يمارسون التسول يوميا بدون خجل. “وي مون فرير” و “بليز” من أكثر العبارات المستعملة في إسترجاء الناس. و هذا لا يعني أن المغاربة لا يتسولون فهم متسولون و يتفننون في صناعة “قوالب السكر” في كل شيء. فأنت، مثلا، عندما تصعد الحافلة “بأولاد زيان” و تجلس في مقعدك، يبدأ المتسولون يتوافدون بكل ألاعيبهم و حيلهم. فهذا يوزع كتاب “الحصين الحصين” الصغيرعلى كل المسافرين و يبدأ في خطبته وفي “زابوره” و كيف أن “الحصن الحصين” يحفظك و يجلب لك الرزق و القبول و العريس و العتروس إلخ… وهذا اخر يحبك سيناريو جيد جدا، و جدير بأن يستعين به بعض المخرجين لدينا حتى يطوروا سينماتهم، يتفق هو و امرأة أو امرأتين ضعن أو سرقن و بأنه يتأسف لحالهن و لذلك يستعطف المسافرين بأن يساعدهن ليغادرن في اتجاه مدينتهن. وبمجرد أن ينزلن معه من الحافلة، يبدأ الشجار.

في عالم كاذب و خادع كهذا الذي نعيش فيه الآن، الكل يولي اهتمام أكبر للمظاهر لأن الناس تنبهر بالأشياء و بما تملك. فالناس تشيئت و أصبحت كالسلع. فقيمتك و ما تساويه أنت هو ما تملك من سلطة و مال وجاه و”وشكون باباك”. و لذلك الناس يتقاتلون على السلطة و نفوذها. و لن يعترف بك أحد إلا إذا كنت قويا. ـ أما إذا كنت ضعيفا، فإنك ستدك و تهمش وتعيش خارج المجتمع و التاريخ. و بحكم المظاهر الخداعة، يبقى المجتمع المغربي مثلا، مريضا بالأنانية و بالنفاق وحب المصالح الشخصية و الضحكات الصفراء. والناس تفعل كل شيء لتبدو محترمة بين أقرانها. والمغرب من المجتمعات المتخلفة التي تعيش التناقض و الانفصام في “شخصيتها” لأن الناس تكذب على بعضها البعض و تتفاخر فيما بينها لتتميز و تكون أجدر بالأسبقية في كل شيء. الناس ليست متساوية في المحكمة و لا في المستشفى و لا في الإدارة ولا في الطريق، فأصحاب السيارات اليابانية الصنع من نوع طويوطا و شيفرولي لا يسئلهم شرطي المرور عن أوراقهم الثبوثية حتى و لو حرقوا الضوء الأحمر و داسوا عباد الله و كانوا من أكبر المجرمين “الوطنيين”. و لأن الناس تعي هذا و تعرفه جيدا، فإنها قد تأتي كل شيء لتبدو بمظهر حسن و قد تقترض من بعضها البعض و من الأبناك و تغرق في الديون كل شهر. و لأن الناس تعيش اللحظة ولا تؤمن إلا بها، تجتهد في تحصيل كل شيء من شأنه أن يرفع من قدرهم و منزلتهم و يجعلهم مقبولين و مرغوبين حتى يشعروا بشيء من التوازن. فالناس لا تنظر إليك كإنسان بحكم أنك فان و هالك مثلهم بل انت ميت، بدون مال، و لا تحتاج إلا للتشييع و للدفن . الناس تنخدع بالمظاهر و قالو: سمي المال مالا لأن الناس تميل إليه.

في عالم فارغ من المعاني و المثاليات، يبدو الفقراء و الضعفاء من الناس و حتى الدول العربية المتخلفة و المتسولة من البنك الدولي و الدول الكبرى بمثابة أنمل (جمع نملة) مداسة و مسحوقة تحت أحدية و أقدام حكامها و أنظمتها و أسيادها الذين لا يعملون من أجل إيجاد حلول ناجعة و سريعة تحفظ كرامة الناس الفقراء و الدول الفقيرة من مد يدها للغير الذي قد ينهرها و يذلها و يجعلها تخضع رغما عن نفسها لسطوته و بسطته حتى و لو كان جائرأو مستغلا. فالناس كلهم يولدون فقراء، لكن من الذي يجعل بعضهم يغتني و البعض الأخر يفتقر؟ خلال سنين عديدة صنعت أمريكا ثروتها من خلال استغلالها للدول العربية و نهب خيراتها وبالتالي أخضتعها لسياساتها و اقتصادها الذي بنته على الافتراس الرأسمالي باكتساح الأسواق العربية وإغراقها بمنتجاتها و موادها حتى لا تكون للعرب قائمة و حتى يصبحوا مجرد مستهلكين وهالكين بل بالأخرى متسولين للطعام و الشراب و الكولا و البيبسي و أو لويز و الألبسة الداخلية لنسائهم و للحماية و السلاح لمواجهة بعضهم البعض و لضرب شعوبهم بيد من حديد إذا ما أرادوا العيش بكل كرامة كمواطنين. العرب يحترمون أمريكا و يحسبون لها ألف حساب لأنها قوية وأمريكا تحتقرهم لأنهم متسولون و يحتقرون أنفسهم. والمتسول يحتقر المتسول. لم يعد في الأرض شيء يسمى فلسطين، ولم يعد ينظر إلى اليمن على أنه جزء من الوطن العربي لأن اليمن ضعيف و متسول.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى