شوف تشوف

الرئيسيةملف الأسبوع

مشجعو زمان قادة المدرجات قبل ظهور فصائل «الألتراس»

يعرض على أنظار محكمة الاستئناف بالرباط أزيد من سبعين شابا متهما في ملف أحداث الشغب، التي أعقبت مباراة الجيش الملكي والمغرب الفاسي، الأحد المنصرم، والتي كانت أرضية المجمع الرياضي الأمير مولاي عبد الله بالعاصمة الرباط مسرحا لها.

أمام المحكمة يرابط أولياء أمور المتهمين في عنف الملاعب، كلهم تحت وقع الصدمة، خاصة وأن التهم ثقيلة، إذ يتابع فلذات أكبادهم بجناية «تكوين عصابة إجرامية والتخريب وتعييب شيء مخصص للمنفعة العامة، ومحاولة الاغتصاب، والسرقة الموصوفة، وإهانة موظفين عموميين»، ما يجعلهم ينتظرون أقسى العقوبات، لكنهم يمنون النفس بظروف التخفيف للقاصرين منهم.

أعادت أحداث «الأحد الأسود» إلى دائرة النقاش، موضوع «جمهور الكرة»، وتبين أن المدرجات أضحت بؤرة صراع تضرب لها القوات الأمنية ألف حساب، بعد أن كانت الملاعب تنتج الفرجة، وتتيح للمتفرجين فرصة اللقاء ولمة التآخي والوئام.

اليوم تغيرت البنية البشرية للمدرجات، فقد ظهرت فصائل «الألتراس» كحركة مناصرة متطرفة، تصنع الفرجة وتستهلكها في الوقت نفسه، ولم يعد الاهتمام بالكرة مقتصرا على الكبار، بل تقلص معدل سن مرتادي الملاعب التي أصبحت عنصر جذب للفتيات.

فصائل المشجعين اختارت رقعة في جغرافية الملعب، كما اختارت ملابس الفرجة وأهازيجها، وانتدبت قائدا للأوركسترا، وعينت شعراء وكتابا لتبليغ رسائل مشفرة لا يفهمها إلا الراسخون في علم حركة «الألتراس».

في ظل هذه المتغيرات أصبح للمدرجات نجوم لا يقلون شهرة عن نجوم الكرة، وأضحى وجود الأمن فرض عين، بسبب الفكر المتطرف لمشجعي الجيل الجديد، وصعوبة تنظيم مباراة بين فريقين.

بين الأمس واليوم، تحولات عديدة في بنية التشجيع وعقلية المشجعين، لكن يوجد إجماع على أن المتفرج أصبح مع مرور الأيام كيانا قابلا للاشتعال في أي لحظة.

في الملف الأسبوعي لـ«الأخبار»، نبش في أبرز نجوم المدرجات أيام زمان، وتفاصيل صغيرة لشخصيات لا تكتمل «الفرجة الحلال» إلا بوجودها.

 

حسن البصري

+++++++

 

كاباطاس.. المشجع المرجعي الساخر للوداد الرياضي

غاب عبد الكريم كاباطاس عن مباريات فريق الوداد الرياضي لكرة القدم فترة طويلة، قبل أن يغادرنا إلى دار البقاء مع بداية سنة 2009، انطفأت شعلة كبير مشجعي النادي الأحمر فجأة إثر نوبة قلبية، لا أحد كان يعتقد أن الموكب الجنائزي الكبير بمقبرة «الشهداء»، هو لفقيد المدرجات الودادية. مات عبد الكريم الذي لا يعشق إلا الأحمر، شيعته الأسرة الودادية وكثير من المتتبعين الرياضيين، الذين ودعوا الراحل إلى مثواه الأخير، خاصة أصدقاؤه من اللاعبين والمسيرين القدامى الذين استمعوا لعبارات التأبين الدامعة في حق مشجع فقد بصره، دون أن يفقد بصيرته على حد قول المشيعين.

كان كاباطاس معروفا في الأوساط الرياضية البيضاوية بالدعابة والنكتة وحضور البديهة، وظل يشكل إلى جانب رفيقه المرحوم عبد القادر لحريشي ثنائيا عاشقا للوداد في السراء والضراء. بل إنه كان يرابط خلف المرمى في مكان محدد.

لم يكتف عبد الكريم بدور المشجع، بل كان يحرص على استقطاب بعض نجوم الأحياء إلى قلعة الوداد، يقول عزيز بودربالة في هذا الصدد، إن دور عبد الكريم لا يبدأ ولا ينتهي في المدرجات، بل يمتد إلى خارج الملعب: «أنا من أبناء المدينة القديمة، معقل الوداديين، لا يمكن إطلاقا أن أنسى يد المساعدة التي قدمها لي الثنائي أحمد الكميري، وعبد الكريم كاباطاس، حيث عرفا بعشقهما الجنوني للوداد، لقد رافقاني في بداية مشواري الكروي، وحين علما أنني وقعت لصغار الرجاء الرياضي أصرا على انتزاع أوراقي من الرجاء، وسلماها إلى مسؤولي فريق الوداد الرياضي، بعد أن افتعل كاباطاس حيلة ادعى فيها أن أسرتي سترحل للعيش خارج الدار البيضاء، فصدقه مدرب الرجاء ورخص لي بمغادرة الفريق».

ومن الطرائف التي ارتبطت بعبد الكريم، حكاية نجاة مشجع رجاوي من الموت، بعد أن داهمته سيارة تسير بسرعة جنونية، قبل أن ينقض عليه رزق الله عبد الحق ويخلصه من الكارثة، حينها غضب كاباطاس من «ماندوزا» وقال له: «بالأمس رأيت في منامي عزرائيل، فسألني عن سر فضولك، لقد كنت أريد أن أقبض روح مناصر رجاوي، لكنه تدخل، أرجوك حذره من التدخل في ما لا يعنيه».

في سنواته الأخيرة ارتبط عبد الكريم بعلاقة صداقة متينة مع محمد المديوري، رئيس الكوكب المراكشي، وظل يتردد على مدرجات ملعب الحارثي ويحجز للفريق المراكشي مساحة في قلبه، وحين سئل عن سر الانتماء المزدوج، قال بنبرة ساخرة: «كل من يحمل اللون الأحمر أنا مناصره».

 

«دودو».. مشجع مات وهو ينصت لنبض الوداد

قبل سنة عن رحيل عبد الكريم، فقدت الأسرة الودادية المشجع نور الدين لحريشي، المعروف في الأوساط الودادية بلقب «دودو»، إثر مرض القصور الكلوي الذي ألزمه الفراش بالمستشفى العسكري للرباط، دون أن يبعده عن الوداد، دفن الفقيد في موكب جنائزي كبير بمقبرة «الرحمة». وكان الراحل من أكبر مشجعي الوداد، حيث ظل طيلة حياته عاشقا للفريق، مصرا على مواكبة جميع مبارياته، داخل الدار البيضاء وخارجها، بل كان قريبا من اللاعبين والمدربين والمسيرين، الذين تعاقبوا على النادي الأحمر بفضل روح الدعابة التي ميزته، وشكل إلى جانب كاباطاس ثنائيا عاشقا بجرعات حب زائدة للنادي. وعرف عن الراحل أيضا فضلا عن حبه للوداد، تقنياته العالية في مداعبة الكرة، وقفشاته مع مجموعة من الرياضيين البيضاويين الذين يتبادلون نوادره، لكنه ظل قيد حياته مرتبطا بعلاقات جيدة مع الرجاويين.

هناك العديد من المشجعين القدامى الذين واكبوا زمن الحمراء، يوم كان شعار «شجع فريقك واحترم ضيوفك» ساري المفعول، قبل أن ينتهي بنا زمن الكرة في مدرجات دامية وطبول لا تتكلم إلا بتعليمات من النواة الصلبة لـ«الألتراس»، وحناجر لا تنشد إلا أشعار العداء.

كان مصطفى عبد الخالق الملقب بـ«شاقورة» يقطن في درب السلطان، معقل الرجاويين، لكنه حمل لقب عميد مشجعي الوداد، وظل يركب الأهوال من أجل الفريق الأحمر. يقول عبد الرحيم عزمي، أحد أقدم مناصري الوداد، «أتذكر أول طبول للمشجعين كانت من إسبانيا، بفضل مجهودات كل من شاقورة والشاكي، أنا أول من قرع الطبل في المدرجات وحمله في رحلات الوداد، ابتداء من سنة 1984، كنت أتحمل مصاريف أسفار كثير من المشجعين، بصفتي منظم رحلات أولا، ومناصرا وداديا ثانيا، في هذه الفترة عشنا الحب الأصيل بدون أطماع».

في تلك الفترة تناوب على تأطير المدرجات كل من «شاقورة» وعبد العالي الشاكي وجواد والحسين عزمي، الرئيس الحالي لجمعية البيت الأحمر، وحسن ولد الحي وسالم لكحل وحمودة الطاليان والحاج صالح وعبد اللطيف بولفتيه ومصطفى خيرة وعبد الكريم واللائحة طويلة، بعض هؤلاء ذاقوا مرارة السجون من أجل الوداد، والبعض الآخر اعتزل المدرجات وخاض تجربة الاغتراب.

ومن المشجعين الأكثر حضورا في المدرجات، خلال رحلات الوداد الرياضي الخارجية والداخلية، هناك يحيى محمد الشهير بلقب «الصولدا»، العسكري الذي سقط في حب النادي الأحمر منذ 44 سنة خلت، وقضى جزءا من حياته يقرع الطبول ويحفز اللاعبين، قبل أن يعيش الاعتقال من أجل الوداد ويقضي أياما في سجن عكاشة، ومن شدة عشقه للاعبي الفريق البيضاوي أصر الرجل على أن يطلق أسماء لاعبين وداديين على فلذتي كبده، الزاكي وسعد.

 

الصابونجي.. بريسلي.. مانولو.. نجمي.. الشاحنة والآخرون   

لم تخل مدرجات الرجاء من المشجعين الأوفياء للأخضر، لقد كان أنصارها الأولون هم مدعموها، وظل كثير منهم يطاردون الفريق في حله وترحاله، ويجعلون من مقهى «بويا صالح» و«الوطن» مقرا لتجمعاتهم، كان أنصار الوداد والرجاء يجلسون جنبا إلى جنب «كل يغني على ليلاه»، دون حواجز أمنية أو متاريس.

في مدرجات مركب محمد الخامس أو ملعب «الأب جيكو» أو ملاعب المملكة قاطبة، يحرص أنصار الرجاء الرياضي على التماهي مع الفرجة، وحين تجود قريحة مشجع بموشحات يردد الباقون «ديما ديما راجا»، فالفرجة هي المبدأ والمنتهى، وفي لحظة تصنع قنطرة صغيرة ما تعجز عنه الأهداف.

هي قمة النشوة، ومع كل تمريرة قصيرة يخترق صمت المدرجات صوت محمد رحيمي، الملقب بـ«يوعري»، بلازمته الشهيرة «إيييييييييييي». في زمن كانت جمعيات المحبين هي التي تؤطر المشجعين، وهي التي ترعاهم، وكان اسحيتة والبرنوصي وغيرهما من رؤساء الجمعيات يوفرون وسائل التشجيع في حدود المستطاع.

لمدرجات الرجاء نجومها الذين ينفخون في اللاعبين نفحة الحماس، نذكر عبد الإله الصابونجي، ابن درب الشرفاء، الذي كان يشتري من ماله وسائل التشجيع ويصر على أن يوزع على المتفرجين الأعلام والشعارات، بل وكان منزله الذي يصر على طلائه باللون الأخضر قبلة للاعبين، قبل أن يرث ابنه الحرفة، لكن في صفوف «الألتراس».

منذ سنة 1978 دخل مصطفى رشيق المدرجات وأدخل معه طبلا، فنال لقب «مانولو»، إسوة بالمشجع الإسباني الشهير مانولو إيل ديل بومبو. يلف مصطفى ولد البرنوصي جسده باللون الأخضر، ويشرع في قرع الطبل، حين تطأ قدماه المدرجات المكشوفة، في ما يعرف بـ«الدار»، يؤكد رشيق لـ«الأخبار» بأن التشجيع في نهاية السبعينيات كان يتم دون فوارق «نجلس جنبا إلى جنب وكل مشجع يساند فريقه المحبوب، كان رجل اسمه الحاج يغني للرجاء على إيقاع دربوكته، قبل أن يلتحق بالمجموعة عبد الرحيم بازين، بائع المظلات. وفي رحلة الرجاء إلى الجزائر لخوض إياب نهائي كأس إفريقيا للأندية البطلة ضد فريق مولودية وهران الجزائري، تغيرت ملامح التشجيع، حيث بدأ من الدار البيضاء إلى وهران في حافلات، وظهر مشجعون جدد على غرار «حوتة»، هناك احتجزت السلطات الجزائرية طبلي وعدت بدونه قبل أن يصر اللاعبون على عدم ركوب الطائرة إلا والطبل معهم، حيث أعاده إلي اللاعب المعطاوي التيجاني. ومع مرور الأيام بدأ الانفصال بين جمهور الفريقين وظهرت أسماء جديدة كالمشجع أحمد نجمي، ابن درب الكبير، الذي كان يناصر رجاء كرة القدم وكرة السلة، وكون أجيالا كالشطراوي الذي بدأ التشجيع وهو صغير السن.

قليل من محبي الرجاء يعرفون اسمه الحقيقي، فقد طغى لقب «بريسلي» على كل الأسماء، وزحف على اسم عمر بلحفيان المسجل في دفتر الحالة المدنية، هو من جعل «الفيراج» نقطة استقطاب للجماهير الرجاوية، حين كان قائد الأوركسترا داخل أوساط المشجعين، فهو يدخل الملعب محمولا على الأكتاف وكأنه عريس المناصرين، فيقضي ساعات في تنظيم الفصائل التي تذوب في فصيل واحد، بمجرد إعلان الحكم عن صافرة البداية.

قد يضيق المجال للنبش في ذاكرة المدرجات الخضراء، لكن الرجاويين يتأسفون للرحيل المفاجئ للمشجع الرجاوي عبد الحفيظ، الملقب بـ«الشاحنة»، الذي عرف بالنوطة الشهيرة: «جيبو القعدة وافيا الرعدة».

 

فاطمة لعويسي.. المرأة التي فتحت المدرجات أمام الدكاليات

تعيش فاطمة لعويسي وضعا صحيا مقلقا، لكنها حين تستفيق من غفوتها تسأل عن الدفاع الحسني الجديدي، قبل أن تسأل عن حالها، في بيتها بحي القلعة الشعبي بمدينة الجديدة تتمدد الحاجة على فراش المرض، تحفها صور فريقها المحبوب.

ولدت فاطمة سنة 1951 بالجديدة، ومنذ أن اكتملت أنوثتها سقطت في عشق الدفاع الجديدي، في زمن كانت فيه مدرجات الملاعب حكرا على الرجال، فقد قررت وهي شابة صغيرة أن تغادر بيتها في حي القلعة، وسط عاصمة دكالة، وترافق مجموعة من المشجعين إلى ملعب «فيليب» بالدار البيضاء، من أجل مساندة الدفاع الحسني الجديدي في مباراة السد ضد اليوسفية الرباطية لموسم 1965/1966، بحثا عن تأشيرة الصعود إلى الدرجة الأولى.

وجودها في ملعب «فيليب» بدا غريبا، من خلال نظرات الحاضرين وتساؤلاتهم الصامتة. بل أكثر من ذلك اقتحمت أرضية الملعب، بعد انتهاء المواجهة، وتحقيق فريق مدينتها الصعود إلى قسم الكبار، غير مبالية بتساؤلات أنصار اليوسفية، وفي بيتها تحملت كل صنوف وألوان العقاب.

منذ ذلك التاريخ ظلت فاطمة حاضرة بقوة في المدرجات، بأعلى صوتها بين الذكور، لم تتخلف عن أي موعد لمباريات الفريق الجديدي. بل إنها لم تتردد في حضور مباريات الفئات الصغرى والفريق النسوي للمدينة، الذي كانت تتحمل في مكتبه مهمة نائبة الرئيس.

ومن المفارقات العجيبة في حياة فاطمة، أنها ظلت تنشغل بالفريق وبرحلاته بأفراحه وأقراحه، دون أن تلتفت إلى وضعيتها في ما يشبه الإيثار، بل إنها رفضت وهي في عز شبابها الارتباط بعقد زواج، خوفا من قضبان قفص الزوجية، لينتهى بها المطاف بدون زوج تقتسم معه الحلو والمر، لأنها اختارت الدفاع شريكا لحياتها.

أنعم عليها الملك محمد السادس برخصة للنقل، قالت الحاجة فاطمة لعويسي إن هذه الالتفاتة المولوية الكريمة أنقذتها من الضياع، سيما وأنها كانت تعاني خلال المدة الأخيرة من ضائقة مادية صعبة، بالإضافة إلى المرض الذي أقعدها الفراش.

يحكي أحد المقربين من لعويسي بأنها لا تذوق طعم النوم، عندما ينهزم الدفاع الحسني الجديدي أو المنتخب الوطني، بل الأكثر من هذا أنها أصيبت في العديد من المناسبات بوعكات صحية في حالة الإخفاق، وتغيب عن الأنظار لمدة طويلة إذ تلازم الفراش.

بكت فاطمة طويلا حين بلغها خبر وفاة محمد نجدي، الملقب بـ«بن صالح»، المشجع الذي تقاسم معها المدرجات وعشق الدفاع الحسني الجديدي، كان من الرعيل الأول لمناصري الفريق الدكالي، مات ملفوفا بقميص الدفاع.

 

«خاي أحمد».. مشجع المغرب التطواني الذي مات قبل أن يتحقق حلمه

فقدت كرة القدم التطوانية واحدا من مناصري المغرب التطواني الأوفياء، ظل وفيا للفريق إلى أن استبد به المرض وأصبح مقعدا لا يتحرك إلا على كرسيه المتحرك، رغم ذلك أصر على أن يقوده أبناؤه إلى ملعب «سانية الرمل»، لمتابعة نادي المدينة الأول.

في غفلة من الجميع مات أحمد الصنهاجي، أقدم وأبرز مشجع لنادي المغرب التطواني لكرة القدم، تدهورت حالته الصحية بعد نزول الفريق إلى القسم الوطني الثاني، نعاه مسؤولو الفريق وأنصار النادي، لأن «خاي أحمد» وهذا هو لقبه، ظل حريصا على التنقل مع جماهير «الماط» خارج تطوان، بالرغم من إعاقته الجسدية، وكان في تنقلاته يحث الجماهير على التحلي بالروح الرياضية، بل إنه رافق فريق «الحمامة البيضاء» في رحلاته الطويلة إلى العيون، وإلى أبعد المدن دون كلل.

وعرف عن الراحل الصنهاجي عشقه اللامحدود لنادي أتلتيك تطوان لكرة القدم، حيث ظل مشجعا له منذ سنوات السبعينيات، وإلى أن لفظ أنفاسه الأخيرة.

لم يكن أحمد من فصيلة الجماهير التي تعمد إلى توجيه العديد من الرسائل خلال المباريات، سواء للمكتب المسير أو اللاعبين أو جامعة كرة القدم الوطنية أو القائمين على الشأن السياسي بمدينة تطوان، بل كان يحث على التسامح بين الجماهير الوطنية، ونسج خيوط الوئام بينها.

قال «خاي» قبل رحيله: «جمهور تطوان جمهور حضاري، يضرب به المثل في احترام الآخر واحترام نفسه، يعطي لفريقه ما يستحقه من تشجيع، داخل ميدانه وخارجه». لكنه ظل يمني النفس بتشجيع فريقه، من مدرجات ملعب كبير يليق بمدينة تطوان، لكنه مات قبل أن يتحقق حلمه.

 

حادثة سير تنهي حياة أشهر مشجعي الكوكب المراكشي

أنهت حادثة سير مميتة سنة 1998، حياة مشجعي الكوكب المراكشي لكرة القدم، عبد العزيز القنسولي، ورفيق دربه الإيطالي جيلبيرتو مارياني، كانا عائدين من ملعب محمد الخامس بالدار البيضاء، بعد أن تابعا مباراة للمنتخب المغربي، برسم كأس محمد السادس. القنسولي الذي عرف بلقب «مول الثوب»، ظل حريصا على تشجيع الكوكب والفرق المغربية في منافساتها الخارجية، والمنتخب الوطني، لذا نال باستحقاق لقب ثالث أحسن مشجع في العالم.

في حادث مروري مات القنسولي وصديقه جيلبيرتو ملفوفين في ألوان المنتخب المغربي، دفن الأول في مقبرة «باب دكالة»، ونقل جثمان الثاني إلى إيطاليا، حيث دفن هناك، ومن المفارقات الغريبة أن يدفن مشجع مراكشي آخر يدعى عبد الله البزيوي، الذي عايش القنسولي داخل الوطن وخارجه، وطريقته العجيبة في مناصرة الكوكب و«الأسود»، بالقرب منه، وكأنه يرافق الحاج القنسولي في الحياة وفي الموت.

اعترافا بدور هذا المشجع أطلق المراكشيون اسم «القنسولي» على مركز التكوين بباب دكالة، لكنهم سرعان ما أزالوا اللوحة وأسقطوا اسمه من فضاء للتكوين دون مبرر.

ولد الحاج عبد العزيز القنسولي بمدينة مراكش في التاسع من مارس 1957، نشأ وترعرع مع أفراد أسرته في منزل بشارع محمد الخامس، وبالضبط أمام مسجد الكتبية، دخل عالم التجارة مبكرا من محل «بزار» في ملكية والده، وفي أوقات فراغه كان يتوجه إلى ملعب «الحارثي»، لمتابعة مباريات فريق الكوكب المراكشي لكرة القدم.

بعد وفاة والده، أنشأ محله التجاري الكائن بشارع مولاي إسماعيل لبيع الأثواب، وكان يحتوي على قبو يضع فيه معدات التشجيع، من لافتات ورايات وطبول وصور تذكارية.

كان يولي اهتماما للكوكب أكثر من تجارته، وظل قيد حياته يوزع الشعارات التي تشيد بعظمة النادي، كما يلقن الشباب الأهازيج الكوكبية، والتي تبدأ بابتهالات ربانية تستهوي المشجعين.

 

هل كان «أحمد الغول» مشجعا للرجاء؟

يقول عبد العليم بينيني، النجم السابق لفريق الرجاء الرياضي لكرة القدم، إن أحمد راكع الشهير بلقب «أحمد الغول» كان عاشقا للرجاء، وكانت تربطه علاقات وطيدة مع نجوم الفريق الأخضر، بل إن ابنه كان يمارس هواية الكرة ضمن الفئات العمرية للرجاء، وتدرج عبر جميع أصنافها.

شوهد «أحمد الغول» مرارا في ملعب «تيسيما»، وهو يتابع حصصا تدريبية لفريق الرجاء الرياضي، حين كان ابنه ضمن فئة الشبان، لكنه لم يكن بالمشجع المتعصب، بل ربطته علاقات وطيدة بلاعبي الوداد السابقين، لكن قد يكون انتماء أحمد لحي الفرع، التابع لمقاطعة الفداء، المتاخم لدرب السلطان، وراء هذا الانتماء الأخضر.

يتحدر «أحمد الغول» من منطقة أولاد زيان ضواحي مدينة الدار البيضاء، عاش منذ ولادته سنة 1942 حياة صعبة، حيث انتقل والده من الضاحية إلى المدينة، واستقر في مجموعة من أحياء الدار البيضاء والتي كانت حديثة البناء آنذاك، سيما أحياء درب السلطان، وتحديدا حي الفرح.

اشتد عود أحمد وأصبح صيته يتجاوز الحي إلى كل أحياء العاصمة الاقتصادية والمدن المجاورة، بعد أن أعلن نفسه قوة عظمى، يكفي حضوره لاستعادة الأمن، لإيمانه بأن القوة الخارقة التي وهبها الله إياه قادرة على تحقيق الأمن وتهدئة الأوضاع، لذا ظل التهديد باسمه كافيا لإعادة الأمور إلى نصابها، لكن لم يسجل عليه استخدام قوته الجسدية في الملاعب.

سيطر «أحمد الغول» على جزء كبير من الدار البيضاء، وأصبح مسيطرا على «مارشي كريو» الذي كان يتردد عليه بشكل يومي، حيث شهد معارك ضارية مع خصومه الذين يحاولون دخول «مملكته»، إضافة إلى غارته على ميناء الدار البيضاء، وحضوره القوي في أغلب المعارك التي عرفها درب السلطان.

بعد تقاعده من متاعب «الفتونة»، وجد الرجل نفسه بدون معاش، وهو الذي رفض الحصول على رخصة سيارة أجرة من أحمد مطيع، الوالي الأسبق للدار البيضاء، ومن شخصيات نافذة في السلطة، واكتفى بمدخول مقهى شعبي بسيط في حي درب ميلان، سعيدا بنجاحه في تربية أبنائه وقدرته على قيادتهم إلى ضفة الأمان. وفي مارس 2016 لفظ أحمد أنفاسه الأخيرة.

 

موحى الشلح.. مشجع الوداد الفاسي وأشهر فتوات باب بوجلود

في العاصمة العلمية للبلاد، كان هناك صراع أبدي بين فتوات فاس البالي وفاس الجديد، بين رجال شجعان نابوا عن الشرطة في الحفاظ على أرواح وممتلكات ساكنة المدينة، التي تتكلم لغة العلم والعنف في تعارض غريب.

في بداية الستينيات إلى بداية الثمانينيات ظلت أحياء فاس تحت رحمة فتوات، يؤكدون في معاركهم أن الفاسي ليس مسالما بالضرورة، وأنه خلافا للانطباع السائد الذي يجعل من الفاسي مرادفا للمهادنة والخنوع. ففي فاس الجديد ظل اسم بوشتة لعور، يثير الرعب في الحي وهو الذي يطوف الدروب برفقة مساعديه، بل إن مولاي أحمد العلوي، الوزير السابق والمتيم بفريق الوداد الفاسي لكرة القدم، كان لا يتردد في كل زيارة إلى مسقط رأسه بفاس الجديد في الاستماع إلى مغامراته، ومنحه ما تيسر من إعانات، تؤكد حرص أبناء فاس الأقدمين على صيانة تراث «الفتونة»، وحين دب الوهن إلى جسد الفتى اختار حراسة سينما «أبولو» ومتابعة مباريات «الواف»، قبل أن يسدل الستار على دار العرض وعلى فتوة فاس الجديد.

لكن أشهر فتوات فاس على الإطلاق هو موحى الشلح، تقول الروايات إن اسمه الشخصي محمد، لكن لا أحد يذكر اسمه العائلي، كل ما جمعه الرواة حول والده الأمازيغي، انتماؤه لقبائل زيان وتشبهه بموحى وحمو الزياني. في حومة «واندو» بعمق فاس العتيقة، كان اسم موحى مرادفا للعنف، ولكنه لا يتردد على غرار فتوات زمانه في حماية حومته من غارات خارجية، حين كانت «واندو» مجرد تجمع سكني للبسطاء من الحرفيين، منفتح على باب الفتوح ومقبرتها، قبل أن يصبح سوقا لبيع التمور والفواكه الجافة وتموين الأسواق المجاورة.

كانت غرفة عمليات موحى هي أنقاض فندق «حجيرة»، نسبة إلى مالكه، هناك كان الرجل يحط الرحال ويراقب الوضع في الحي عن كثب، ويحرص على متابعة نبض الكرة. وفي المكان ذاته كان يتلقى عروضا للدفاع عن متضرر، ويتم التفاوض حول التسعيرة، حسب طبيعة العملية، وحسب نوع العنف المستخدم، وقوة الترهيب والتخويف والتأديب التي يستخدمها الآخر.

في آخر حياته، ظل الشلح عنوانا للقوة والإقدام والبسالة بمفهومها العامي، لذا استنجد به حزب الاستقلال في الانتخابات التشريعية سنة 1977، حيث ظل يتقدم الحملات التي كان يقوم بها المرشحون، سيما محمد الدويري وعبد الكريم غلاب، في صراع مع حزب الأحرار والاتحاد الوطني للقوات الشعبية. فقد كان الاعتماد على قوة وبطش موحى ضروريا، في خضم الاعتماد على فتوات نقابة الاتحاد العام للشغالين، التي كان يرأسها الدويري.

في جنازة موحى بمقبرة «باب الفتوح»، كان الموكب الجنائزي كبيرا يتقدمه امحمد بوستة، الأمين العام الأسبق لحزب الاستقلال، أما جريدة «العلم»، لسان الحزب، فخصصت حيزا هاما للجنازة، ووصفت موحى بالمناضل الشهيد.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى