الرأي

منظمة سياسية للصحة العالمية

خالد فتحي

كان مستغربا جدا تصريح المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، بأنه لا ينبغي أن ننتظر حلا سحريا لكورونا، ولربما كان أغرب منه وأشد وقعا قوله بنبرة تكاد تكون جازمة، إنه لن يكون هناك حل أبدا. فقد بدت تلك التصريحات متنافرة كليا مع سيل الأخبار المفرحة التي تتقاطر هذه الأيام من بريطانيا، روسيا، ومن الولايات المتحدة الأمريكية على وجه الخصوص، حول التقدم الكبير في الأبحاث الجارية للتوصل إلى لقاح يعول عليه الجميع لكي ينقذ البشرية. مما يدفعنا إلى التساؤل حول براءة الخرجة الإعلامية لتيدروس أدهانوم، وحول ما إذا كانت تعبر فعلا عن حقيقة علمية أو بحثية توصل إليها خبراء المنظمة، بعد شهور عديدة من التعامل مع الفيروس، أم أنها تعكس خلفيات وتخفي نوايا وأهدافا محددة، خصوصا بعدما أصبحت المنظمة موضع تجاذبات قوية بين الغريمين الصيني والأمريكي حول مسؤوليتها في تفشي الداء عالميا.
التصريح يتزامن مع إعلان رغبة الرئيس الأمريكي ترامب في تأجيل الانتخابات الرئاسية، وإطلاقه أخيرا لبالون اختبار لاستكشاف حظوظ هذه الفرضية، وكذلك مع الحماس اللافت للنظر للعالم منصف السلاوي، عراب اللقاحات لدى ترامب، و»مدير» حملته الخفي للرئاسة، والذي وعد العالم والأمريكيين بلقاح قريب قد يعلن في الأمتار الأخيرة للانتخابات الأمريكية.
من الواضح جدا أنه إذا أخذنا بعين الاعتبار هجومات ترامب المتكررة على المدير العام الإثيوبي، والتي وصلت أحيانا حد السخرية والاستهزاء والاتهام بالتواطؤ والعمالة للصين، فإنه يمكننا أن نرى أن المنظمة بصدد رد الصاع صاعين للرئيس الأمريكي، الذي تحاول أن تنتزع من يده ورقة اكتشاف اللقاح التي يغري بها قطاعات واسعة من الناخبين الأمريكيين.
تيدروس الذي عقد أخيرا ببريطانيا قمة اللقاح، حيث رصدت الدول المشاركة أموالا طائلة لتمويل الأبحاث، أعجز من أن يسفه جامعة ذات صيت عالمي كجامعة أكسفورد تقول إنها قاب قوسين أو أدنى من التوصل إلى لقاح. وليس بوسعه أيضا أن يعاكس علنا كل هذا العدد الكبير من معاهد الأبحاث، التي تشتغل على ما يفوق 150 لقاحا.
الحقيقة الساطعة أنه كان يطلق فقط كلاما سياسيا مدروسا ومعدا بعناية فائقة في الدهاليز الدولية للسياسة العالمية، إذ ظهر وكأنه يتوجه إلى العالم، فيما هو في العمق لم يكن يقصد إلا الناخبين من الشعب الأمريكي.
لم تختلط السياسة بالطب أبدا كما اختلطت بمناسبة كورونا. لذلك لا نستبعد أن المدير العام للمنظمة ينفذ الآن خطة صينية أخرى، للإطاحة بترامب وتصفية الحسابات معه. فهو الرئيس المغرور الذي وصف «كوفيد- 19» بالفيروس الصيني، وحرم المنظمة من الاعتمادات الأمريكية الحيوية لحسن أدائها، واستمراره على رأس الإدارة الأمريكية يعني المزيد من المتاعب لمنظمة الصحة العالمية.
المنظمة تعرف أن أيام ترامب قد صارت معدودة في البيت الأبيض، وهي تغرس الآن المسمار الأخير في نعشه، إنها تنتقم منه في توقيت محكم، معتقدة أنه في الرمق الأخير في حياته السياسية. فالانتقام يتم طبخه على نار هادئة. لكنها وهي تحاول أن تتدخل بطريقتها في الانتخابات الأمريكية، تؤكد مرة أخرى الاتهامات الموجهة إليها من ترامب نفسه، بأنها منظمة مسيسة.
بالنسبة إلينا نحن في العالم الثالث، أعتقد أن قراءة ما يصدر عن منظمة الصحة العالمية من تصريحات في المستقبل، يجب علينا أن نقرأه بمنظار السياسة قبل منظار العلم. واللبيب هو من يميز متى يكون بلاغ المنظمة علميا أو سياسيا إيديولوجيا، يدخل ضمن لعبة النظام الدولي الجديد الذي ما زال في مخاض. وقد تكون الصحة العالمية هي من يعرف بالتدقيق جنس الجنين، الذي ستزفه في المسقبل مديرا جديدا للعالم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى