شوف تشوف

الرأيالرئيسيةسياسية

نحو مناورات عسكرية عربية مشتركة

عبد الإله بلقزيز

 

في بقاع العالم كافة، وعلى مدار العام، تجري مناورات عسكرية لدول عدة لأسباب مختلفة: لوجود أخطار داهمة يُخشى من أن تنال من أمنها القومي؛ أو للتلويح بالقوة وإشهار الأُهبة قصد تبليغ رسالة سياسية للخصم أو العدو لردعه، أو لاتصال ذلك باستراتيجيات دفاعية كبرى لدول عظمى ذات نفوذ في مناطق عدة من العالم. وكثيرا ما تقع مناورات عسكرية مشتركة بين دولتين أو دول عدة تجمع بينها مصالح مشتركة، إما إقليمية – كما في حالة البلدان المشترِكة في الجوار – وإما دولية عابرة للقارات.

لهذه المناورات، في الأحوال جميعها، فوائد من زاوية تعزيز القدرات الدفاعية للقوى التي تُجريها أو تشترك فيها. إنها الحقل الفعلي لاختبار فعالية الأسلحة، والكفاءات البشرية القتالية، ناهيك عن اختبار الخُطط الحربية الموضوعة نظريا من قِبل مهندسي الحرب. هذا عَدَا عن الارتياض على جغرافيا أخرى مختلفة عن تلك التي تعمل فيها الجيوش، بما تُضمِره عبارة الجغرافيا من بنيات فضائية أو مكانية (تضاريس: جبال، سهول، صحارى، مناخ، درجات حرارة…)، وتجريب تأقلم الجنود والآليات معها. وإلى ذلك تستفيد الجيوش الأقل خبرة وتجهيزا من خبرات جيوش أخرى مشترِكة معها في المناورات، ويتدرب فيها ضباطها وجنودها على أسلحة جديدة وتُطور آليات التنسيق بين فرقها المختلفة والجيوش الشريكة معها في المناورات.

مع هذا التسابق المحموم من الدول على إجراء المناورات العسكرية، والمناورات المشتركة خاصة، لم نشهد بعد على مناورات عسكرية عربية مشتركة مع شدة حاجتنا إليها لتطوير المنظومة الدفاعية، وتنمية التنسيق الأمني والعسكري بين الشركاء في النظام الإقليمي العربي! المناورات العسكرية المشتركة الوحيدة في انتظام برنامجها هي تلك التي تجريها دول الخليج العربي، في نطاق منظومتها العسكرية «درع الجزيرة». ولقد كان يمكن أن يُبْنَى على نجاحات هذه التجربة الخليجية ليُصار إلى إنتاج نسخة عربية جماعية منها، لكن ذلك لم يحصل ولا وَقَع حتى التفكير في شأنه والتخطيط له لسبب معلوم: فقدان الإرادة الجماعية!

في مقابل التنكب عن النهوض بمثل هذه الحاجة الدفاعية الحيوية، بالنسبة إلى الوطن العربي ودوله وجيوشه، تميل كل دولة من المنظومة العربية إلى اختيار سبل أخرى هي المشاركة في مناورات تشرف عليها دول كبرى من خارج الإقليم؛ وفي مثل هذه المناورات المشتركة مع دول أجنبية، تَذهل الجيوش العربية عن الحقيقة التي لا يجوز إهمال أخذها في الحسبان: هي أنها تكشف نفسها وقدراتها ومستوى استعداداتها لدول يُخشى من أن تستفيد من هذا الانكشاف لمَوَاطن القوة والضعف: إما لنفسها وإما لحلفاء لها في الإقليم. وهذا مما يعرض أمن الدول العربية تلك لخطر محتمل.

ومع أن النظام العربي الرسمي وفر الأطر المؤسسية للعمل المشترك في المجال الدفاعي، بمقتضى أحكام المعاهدات التي أقرتها جامعة الدول العربية – من قبيل «معاهدة الدفاع المشترك»- فأنشأ لذلك مجلسا خاصا هو مجلس الدفاع المشترك، ثم لجنة عسكرية دائمة نُص عليها في المادة الخامسة من معاهدة الدفاع المشترك والتعاون الاقتصادي (وهي تُعِدّ تقارير عسكرية مفصلة ترفعها إلى مجلس الدفاع المشترك)، إلا أن دول الجامعة العربية لم تنصرف إلى تفعيل أحكام ما تعاهدت عليه، بما في ذلك ترجمة التنسيق العسكري بينها في شكل مناورات عسكرية مشتركة. وكان يمكن لمثل هذه المناورات أن تصبح دورية، فتُجرى كل مرة في بلد من بلدان الجامعة، وبإشراف اللجنة العسكرية أو اللجنة الاستشارية المرتبطة بها، والمؤلفة من رؤساء أركان الجيوش العربية. وكم كان النظام الدفاعي العربي سيستفيد، قطعا، من مثل هذه المناورات المشتركة – لو أُجريت – وسيعزز علاقات التنسيق وتبادل الخبرات بين الجيوش العربية، ويرسخ الثقة المتبادلة بينها، ناهيك بما سيكون لذلك من آثار في رفع المعنويات القتالية لدى الجنود العرب، والشعور الجماعي بالأمن لدى الشعوب العربية.

وغني عن البيان أن حاجة البلاد العربية إلى مثل هذه المناورات العسكرية المشتركة كبيرة وماسة؛ فهي توفر مناسبة اختبار حقيقي للتعاون البيني العربي في المجال الدفاعي؛ وهي تعزز منظومة الأمن القومي في مواجهة مصادر التهديد الخارجية وما أكثرها في الإقليم؛ وهي توجه رسالة سياسية واضحة ورادعة لكل مغامرة عسكرية خارجية؛ كما أنها توطيد لمبدأ السيادة القومية وللقرار العربي المستقل؛ وهي – أخيرا- السبيل الوحيد نحو تحقيق أمن جماعي عربي في عالم مزدحم بالمشكلات والأزمات التي تهز الأمن والاستقرار في العالم وفي الإقليم.

نافذة:

حاجة البلاد العربية إلى مثل هذه المناورات العسكرية المشتركة كبيرة وماسة فهي توفر مناسبة اختبار حقيقي للتعاون البيني العربي في المجال الدفاعي وهي تعزز منظومة الأمن القومي في مواجهة مصادر التهديد الخارجية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى