اقتصادالرئيسيةخاص

هكذا رفع مخطط “أليوتيس” إنتاج وصادرات الصيد البحري

يتوفر المغرب على منطقة بحرية تمتد على حوالي 1.12 مليون كيلومتر مربع، وتعد من أغنى المناطق عالميا في ما يتعلق بالثروة السمكية. وبفضل هذه الثروة البحرية، يساهم قطاع الصيد البحري بشكل مهم في الاقتصاد الوطني، حيث بلغت صادرات المنتجات البحرية 22 مليار درهم سنة 2017، وهو ما يمثل حوالي 50 في المائة من صادرات المواد الغذائية والفلاحية و10 في المائة من مجموع الصادرات، وذلك بفضل الاستراتيجية الجديدة للصيد البحري «أليوتيس» التي أشرف على إطلاقها الملك محمد السادس في شتنبر 2009، والتي تهدف إلى تحقيق تنمية وتنافسية في قطاع الصيد البحري وتثمين الموارد البحرية بكيفية مستدامة وزيادة الناتج الداخلي بثلاثة أضعاف في أفق 2020.

أكد المجلس الأعلى للحسابات، في تقريره السنوي الأخير، أن تنفيذ مخطط «أليوتيس» كان له أثر ملحوظ على قطاع الصيد البحري، حيث انتقل الناتج الداخلي الخام لهذا القطاع بين سنتين 2007 و2015 من 8.3 ملايير إلى 15 مليار درهم، مع ارتفاع حجم الإنتاج الوطني بنسبة 3.75 في المائة، فيما تزايدت قيمته بنسبة 8.7 في المائة خلال الفترة الممتدة من 2009 إلى 2016، إذ بلغ الإنتاج خلال سنة 2016 حوالي 1.46 مليون طن، بقيمة ناهزت 11.5 مليار درهم. وبدورها، تضاعفت قيمة صادرات المنتجات البحرية بانتقالها بين سنتي 2007 و2015 من 9.26 مليارات إلى 19.81 مليار درهم، وهو ما يعادل 64.5 في المائة من الهدف المتوخى بلوغه سنة 2020 والمحدد في 30.71 مليار درهم.

وأصدر المجلس الأعلى للحسابات عدداً من التوصيات بهدف تتبع الاستراتيجيات في قطاع الصيد البحري واستدامة الموارد والرفع من تنافسية القطاع والمراقبة وتقوية القدرات. وأكدت وزارة الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، في ردها على التقرير، أن 19 توصية من أصل 21 التي وردت في التقرير تم إنجازها أو في طور الإنجاز.

قبل «أليوتيس»

جاء مخطط «أليوتيس» في وقت كان قطاع الصيد البحري يفقد فيه أهميته الاقتصادية، حيث تراكمت عدة عوامل هددت القطاع بالشلل التام، وذلك جراء الاستغلال المفرط للموارد، والذي كاد أن يؤدي إلى توقف تام للنشاط في عدة مناطق، لأن القطاع كان يعيش على وقع الفوضى، لذلك كان الهدف هو التحول من اقتصاد ريعي إلى اقتصاد مربح وعادل، وكانت فيه المصايد التجارية الرئيسية تعاني من الاستغلال المفرط المقلق، وهو وضع كارثي كان يهدد استدامة القطاع وأنشطة الصيد في المغرب.

وكانت وضعية الصيد البحري عند إطلاق مخطط «أليوتيس» تتميز بمعرفة محدودة للإمكانيات الحقيقية للمنطقة الاقتصادية الخالصة المغربية، بسبب محدودية الموارد المخصصة للبحث العلمي (ميزانية تبلغ حوالي 90 مليون درهم في 2007). فيما تضاعفت الميزانية الاستثمارية للمعهد الوطني للبحث في الصيد البحري من متوسط سنوي قدره 54 مليون درهم بين عامي 2007 و2009 إلى 109 ملايين درهم بين عامي 2010 و2018، بزيادة قدرها 101 في المائة، بالإضافة إلى عدم وجود إدارة مستدامة للموارد من قبيل مخطط تهيئة مصيد وحيد (الأخطبوط)، واستخدام الصناديق الخشبية بشكل موحد، والتي تسبب تدهورًا في جودة المصطادات، كما أن البنيات التحتية للتفريغ كانت تشهد ظروفا صحية غير كافية، فضلا عن عدم انتظام توريد الوحدات الصناعية، وعدم انتظام وإحاطة نظام المراقبة بجميع الجوانب، وكذا عجز البنى التحتية للتفريغ في الصيد التقليدي، وعدم تنظيم مسار التسويق والتوزيع في السوق الداخلية.

وعند إطلاق المخطط كان هناك استهلاك وطني ضعيف (10 إلى 12 كلغ في 2007)، وعدم وجود استراتيجية للتسويق للمنتجات البحرية محليًا ودوليًا، وتم تسجيل نمو ضعيف للناتج المحلي الخام لهذا القطاع: 1.3 في المائة في السنة، ما بين عامي 2000 و2007 – بمتوسط قيمة بلغ 7.9 مليارات درهم، وانخفاض في نمو صادرات المنتجات السمكية: 1.6 في المائة في السنة – بقيمة بلغت 11.4 مليار درهم في عام 2007، وركود حجم المصطادات خلال هذه الفترة بمتوسط سنوي قدره 940 كيلو طن.

بعد إطلاق أليوتيس

بعد إطلاق المخطط، تم تحسين وضعية الصيد البحري من خلال تثمين أفضل لنشاط الصيد، حيث ارتفع سعر قوارب الصيد التقليدية في الجنوب من 40 ألف درهم إلى مليون درهم، كما ارتفع رقم معاملات البيع الأولي في الصيد التقليدي والساحلي من 4 ملايين درهم في عام 2010 إلى 6.4 ملايين درهم في عام 2018، أي + 60 في المائة ، وتم تسجيل تطور على مستوى استهلاك الأسماك بين عامي 2009 و2014 (تاريخ آخر إحصاء) من 11 كيلوغراما / للفرد إلى 13.6 كيلوغراما / للفرد، أي 85 في المائة من هدف أليوتيس لعام 2020، وهو المستوى الذي أوصت به منظمة الصحة العالمية والمتمثل في 11.7 كيلوغراما. وأكدت الوزارة أن هذا المستوى يتماشى مع الاستهلاك العالمي الذي يصل إلى 13 كيلوغراما لكل فرد في السنة، كما أشارت إلى أن معدل الاستهلاك الفردي في أستراليا سنة 2017 بلغ 13.9 كيلوغراما، مع العلم أنها تتوفر على ثالث أكبر منطقة اقتصادية خالصة على الصعيد العالمي تبلغ 1.8 مليون كيلومتر مربع.

وكشفت معطيات صادرة عن الوزارة، أنه تم استثمار مبلغ 3.6 ملايين درهم في صناعة الصيد البحري منذ 2009، كما أن معدل الالتزام المالي لمجمل المشاريع التي تم إطلاقها بموجب المخطط هو 80 في المائة حتى عام 2018، كما أن 70 في المائة من التكلفة الإجمالية المقدرة لتنفيذ الاستراتيجية إلى متم السنة (أي 3,3 مليارات درهم)، همت مشاريع تفوق نسبة التزاماتها 82 في المائة وهو ما يتوافق مع التقدم الزمني لتنفيذ الاستراتيجية، ويعكس معدلا جيدا لتنفيذ مشاريع هذا المخطط.

وأشارت معطيات الوزارة إلى تطوير آليات الاشتغال بالقطاع، حيث تمت إزالة استعمال الصناديق الخشبية وتعميم الصناديق البلاستيكية الموحدة، وتجهيز أسطولي الصيد الساحلي والبحري بمعدات الرصد عبر الساتل، وتجهيز أسطول الصيد التقليدي ببطاقات تحديد الهوية (رفيد)، وكذلك تجهيز أسطول الصيد التقليدي بالصناديق العازلة للحرارة، وإدخال مكون (التبريد) كجزء لا يتجزأ من جميع المشاريع، كما ارتفعت غرف التبريد من 15 إلى 61، أما مصانع الثلج فقد ارتفع عددها من 10 إلى 88.

وبفضل المنشآت التي تم بناؤها، ارتفعت كميات الأسماك التي جرى بيعها بأسواق بيع السمك بالجملة بنسبة 5 في المائة، وتحسن معدل رقم المعاملات خلال السنوات العشر الماضية، بنسبة 7 في المائة. وتجدر الإشارة إلى أنه في الموانئ الجنوبية، يتم بيع سمك السردين، أكثر الأسماك صيدا، عبر الشباك المعتمد للصيد الصناعي، وبفضل المخطط، تمت إعادة هيكلة مهنة تجارة بيع السمك من أجل تنظيم هذه المهنة ووضع معايير تحكم شروط ممارسة هذا النشاط. وفي هذا السياق، فرض القانون بطائق مهنية تمكن المشترين المستوفين للمعايير المطلوبة من ولوج المهنة، باستثناء بعض نقاط التفريغ المجهزة بالشمال، تستضيف مختلف أسواق بيع السمك بالجملة والشبابيك المعتمدة للسمك الصناعي عددًا كافيًا من تجار بيع السمك التي تمكن من بيع جميع المنتجات المعروضة للبيع وضمان تثمين أمثل.

وأطلق مخطط أليوتيس برنامجا غير مسبوق لبناء أسواق السمك بالجملة بهدف تقريب الأسماك من المستهلكين من خلال إنشاء شبكات توزيع جهوية، في حين توفر المغرب على سوق واحد للبيع بالجملة قبل إطلاق المخطط، فقد تم إنشاء 9 أسواق أخرى في ظل أليوتيس، ستة منها نشيطة (مراكش والرباط ومكناس وتازة ووجدة وبني ملال( وثلاثة أسواق أخرى تم استكمالهما (إنزكان وطنجة وتطوان)، وتعتبر محاربة البيع غير المصرح به محورا رئيسيًا لمخطط «أليوتيس» ويخضع لعملية تحسن مستمر، فقد تم إدماج أسواق السمك بالجملة، التي تعتبر حلقة مهمة في نظام تسويق الأسماك، في مسطرة التتبع التي وضعها مخطط «أليوتيس» في الواقع، لا يمكن تسويق المنتجات التي لا تحتوي على مستندات تثبت الأصل في أسواق السمك بالجملة التي يديرها المكتب الوطني للصيد. كذلك، تنص بنود الاتفاقيات الخاصة بمختلف أسواق السمك بالجملة على التنسيق مع السلطات المحلية لمحاربة البيع غير المصرح به ويتم القيام بالمراقبة مع السلطات المحلية، كما أن المادة 61 من القانون 12-104 المتعلق بحرية الأسعار والمنافسة، تفرض المرور عبر سوق الجملة عند البيع الثاني.

هذا ومكن إدراج تربية الأحياء البحرية كأولوية لتطوير قطاع الصيد البحري الوطني من تحديد المناطق البحرية التي تهم هذا النشاط، وكشفت مخططات التهيئة الناتجة عن الدراسات التي دامت ما بين 3 و4 سنوات لكل مخطط عن وجود إمكانات إنتاج سنوية تبلغ 380.000 طن، أي ضعف المستوى المقدّر عند إعداد المخطط، وستمكن المشاريع التي تم اختيارها بموجب طلبات عروض إبداء الاهتمام والتي يصل استثمارها الإجمالي إلى 1.3 مليار درهم، من تحقيق إنتاج سنوي يبلغ 156.000 طن وخلق أكثر من 3600 فرصة عمل، عند إنجازها، وستمكن هذه المشاريع من تعزيز مكانة المغرب في الأسواق الدولية.

وبتحفيز مخطط أليوتيس، نمت جاذبية تثمين منتجات الصيد بشكل ملحوظ، حيث إن هذه الأخيرة جلبت استثمارات مهمة بقيمة 3.6 مليارات درهم في الفترة ما بين 2010 و2018 سواء على مستوى توسيع الوحدات المتواجدة أو على مستوى إنشاء وحدات جديدة، ما يعادل 400 مليون درهم في السنة، مقابل 288 مليون درهم في السنة بين 2002 و2009 (+ 40 في المائة )وكذلك، تطورت الطاقة الإنتاجية بنسبة + 17 في المائة بين 2009 و2016، وارتفع عدد الوحدات الصناعية إلى 430 وحدة سنة 2016 و450 وحدة سنة 2018، دون احتساب 8 وحد ات في طور الإنجاز بالداخلة وبوجدور، تم انتقاؤها في إطار الإعلان عن طلبات العروض لإبداء الاهتمام التي أعلنت عنها إدارة الصيد البحري بين 2014 و2016.

اكتساح الأسواق العالمية

بخصوص تحقيق الأهداف الاستراتيجية للمخطط، تمكن المغرب من تحسين حصته في الأسواق العالمية للمنتجات البحرية، حيث انتقل من 1.8 في المائة سنة 2007 إلى 1.9 في المائة سنة 2015، بفضل تنويع الأسواق وتغطية 135 دولة مقابل 117 دولة سنة 2007، والانفتاح على أسواق مهمة مثل اليابان وفيتنام في آسيا أو الإكوادور وكوبا في أمريكا اللاتينية، حيث يتم تصدير حوالي 180 نوعًا من المنتجات، وتطورت قيمة الصادرات بنسبة 70 في المائة بين عامي 2010 و2018، وأحرز المغرب تقدماً ملحوظاً في التسويق الدولي للأسماك الطبيعية ولا يزال بإمكانه تطوير تربية الأحياء المائية، كما ارتفعت بين عامي 2010 و2018، صادرات الأسماك المعلبة بنسبة 28 في المائة وارتفعت بـ20 في المائة بالنسبة للأسماك نصف المعلبة وارتفعت بـ 10 في المائة للدقيق وزيت السمك.

وتهدف الإجراءات المبرمجة في إطار مشروع «التسويق المؤساستي» إلى الترويج للمنتجات المغربية بهدف ولوج أسواق جديدة، وتتجلى عائدات هذا المشروع في رقم المعاملات عند التصدير الذي ارتفع بنسبة 71 في المائة بين 2009 و2016 لبلوغ 21.2 مليار درهم و22 مليار درهم سنة 2017 و22.5 مليار درهم سنة 2018، وفي ما يتعلق بموقع المغرب في الأسواق الخارجية، فإن تحليل حجم الصادرات حسب الوجهة يظهر تنوعا مهما للوجهات إلى إفريقيا وآسيا بين 2010 و2015، ويعد الاتحاد الأوروبي، الذي يضم 26 دولة تباع فيها المنتجات البحرية المغربية، سوقا مربحا (أكبر سوق في العالم لمشتريات الأسماك وفقا لمنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية) وأكبر مشتر لمنتجات الصيد وتربية الأسماك البحرية في العالم. كذلك، سجل الاستهلاك 25.1 كلغ للفرد في السنة، مع معدل 56 كلغ للفرد في السنة في البرتغال و45 كلغ للفرد في السنة في إسبانيا، كما أن حجم الصادرات الإجمالية لإفريقيا في تحسن مستمر، حيث انتقل من نسبة 20 في المائة سنة 2010 إلى 23 في المائة سنة 2015، كما تم تسجيل تحسن الصادرات إلى السوق الآسيوي من نسبة 7 في المائة سنة 2010 إلى 15 في المائة سنة 2015، وفي المجموع، فقد صدر المغرب نحو 134 دولة سنة 2018 مقابل 117 سنة 2007 حسب مكتب الصرف.

مكتسبات اجتماعية للمهنيين

على المستوى الاجتماعي، حقق المخطط مجموعة من الأهداف، تتجلى في الحفاظ على مناصب الشغل، حيث كان أحد الإسهامات الرئيسية في استراتيجية «أليوتيس» هو الحفاظ على الوظائف من خلال حماية الموارد السمكية وتوافرها، وعلى سبيل المثال فقد ارتفع صيد الأخطبوط من 10000 طن عام 2004 إلى 55000 طن عام 2018، وشهد القطاع أيضًا تطوير نسيج صناعي ساهم بشكل كبير في تعزيز فرص العمل. وحسب أرقام وزارة الفلاحة فقد ارتفعت العمالة على الأرض من 61607 في عام 2007 إلى 98000 في عام 2018، بزيادة قدرها 60 في المائة، ورافق هذا التطور إطلاق وزارة الصيد البحري برنامجًا لتعميم انخراط البحارة في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، وحتى الآن، يستفيد جميع البحارة التقليديين النشطين على الساحل من تغطية الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي- التغطية الإجبارية على المرض التي تعد ضرورية للعمل في القوارب، وأيضا، فإن التأمين على الحوادث في العمل ضروري للاستفادة من رخصة الصيد الصادرة عن وزارة الصيد البحري، وتمكنت استراتيجية أليوتيس من تحقيق الاستقرار في النشاط وتثمين الصيد بالنسبة للصيادين الصغار من خلال نقاط التفريغ المهيأة وقرى الصيد، كما تم تجهيز هذه البنى التحتية للتفريغ والتسويق بمعدات تحترم سلسلة التبريد تصنيع الثلج، غرفة التبريد، وما إلى ذلك)، مما يوفر جودة أفضل للمنتجات وبالتالي قيمة أفضل، وتستفيد هذه البنى التحتية من المكاتب الإدارية المحلية ومحلات للصيادين لتخزين معدات الصيد، ومجموعة من المرافق الاجتماعية والاقتصادية بما في ذلك شبكة طبية وقاعة للتكوين وغيرها…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى