الرئيسيةخاص

هكذا صب البرلمان الأوروبي الزيت على نار الأزمة الدبلوماسية بين الرباط ومدريد

أصدر قرارا يدين المغرب في «استخدام ملف القاصرين» والبرلمان العربي والإفريقي استنكراه

النعمان اليعلاوي
صب البرلمان الأوروبي الزيت على نار الأزمة الدبلوماسية المستعرة بين الرباط ومدريد، بعد تصويته أول أمس (الخميس) على قرار يدين المغرب في مسألة «استخدام ملف القاصرين» في أزمة الهجرة بمدينة سبتة المحتلة، حيث حظي القرار المثير للجدل، الذي اعتبر ما وقع في مدينة سبتة بمثابة «ضغط سياسي من الرباط على مدريد»، بالإجماع، حيث وافق عليه 397 نائبا، فيما عارضه 85 نائبا، وامتنع 196 نائبا عن التصويت. وعبرت الوثيقة المقدمة من طرف بعض البرلمانيين اليمينيين الأوروبيين أمام البرلمان الأوروبي عن «رفضها لاستخدام المغرب ملف الهجرة، وعلى وجه الخصوص، للقصر غير المصحوبين بذويهم، كوسيلة لممارسة الضغط السياسي على دولة عضو في الاتحاد الأوروبي».
في المقابل، عبر أعضاء بالبرلمان الأوروبي من مختلف المجموعات السياسية في ستراسبورغ، عن رفضهم مبادرة بعض زملائهم لتمرير قرار معادٍ للمغرب، وقاطع هذا القرار المثير للجدل، الذي قسم البرلمان الأوروبي لأنه لم يحظ بالدعم المتوقع، حيث اعتبر أزيد من نصف أعضاء البرلمان «أنه من غير المناسب ومن التهور استعداء المغرب، الشريك المهم للاتحاد الأوروبي»، وفي هذا الصدد، قال النائب التشيكي توماش زديتشوفسكي، في بيان، «وجدت صعوبة في دعم هذا القرار وصوتت ضده. لست متأكدا من أنه يجب أن يؤخذ على محمل الجد لأنه يستند إلى مزيج من الأخبار المزيفة»، وأوضح أن «هذا القرار له نتائج عكسية بالنسبة للعلاقة بين المغرب وإسبانيا»، وأضاف أن المغرب «لطالما كان شريكنا الجاد والموثوق به. بالنسبة للاتحاد الأوروبي، كان من أفضل الشركاء في إفريقيا، ولهذا السبب لم أرغب في دعم هذا القرار».
من جانبها، أعربت النائبة الأوروبية، البلجيكية فريديريك ريس، عن رفضها لهذا القرار الذي «لا يخدم مصالح أوروبا»، وقالت، في بيان مماثل، «صوتت ضد هذا القرار، الذي يفعل كل شيء، باستثناء الدعوة إلى وقف التصعيد»، وأكدت أن «الحكمة تقتضي أن يدعو البرلمان إسبانيا والمغرب إلى تعزيز تعاونهما. وبدلا من ذلك، فإن القرار يدين شريكنا الاستراتيجي المغربي، ويلتزم الصمت بشأن مسؤوليات قوات النظام الإسباني في أعمال العنف التي أبلغت عنها المنظمات غير الحكومية، والتي فتح القضاء الإسباني تحقيقا بشأنها»، وأضافت أن «الدبلوماسية الفعالة والبراغماتية تعتمد كافة الأساليب إلا التصعيد. وهذا النص على العكس من ذلك، هو خطأ من عنوانه».
من جهته، انتقد عضو البرلمان الأوروبي إلهان كيوشيوك سياسة الهجرة في الاتحاد الأوروبي التي لا ترقى إلى مستوى التحديات الحالية، مشيرا إلى أنه «بدلا من البحث عن المواجهة، يتعين البحث عن سبل لتعزيز التعاون»، كما عبر النائب الفرنسي دومينيك ريكي، عن رفض القرار، مشيرا إلى «أنه ليس من شأن هذا القرار، الذي يأتي في وقت يستعيد فيه الوضع طبيعته، تهدئة الأمور»، وأنه «ليس هناك ما يبرر توتير العلاقات مع المغرب الذي يظل شريكا رئيسيا لأوروبا في إفريقيا على جميع المستويات: الهجرة والأمن والاقتصاد…»، مشددا على أن هذه العلاقة المتميزة «ينبغي على العكس تعميقها وتقويتها».

البرلمان المغربي.. استنكار واستهجان
في أول رد من الجانب المغربي على البرلمان الأوربي، عبر عدد من البرلمانيين عن استنكارهم لمضمون قرار البرلمان الأوروبي بشأن المغرب الذي ينطوي على العديد من الأكاذيب، وشددوا، خلال اجتماع طارئ عقد برئاسة الحبيب المالكي رئيس مجلس النواب، على أن سجل المغرب في مجال مكافحة الهجرة غير الشرعية حافل ومعترف به، ولعل أبرز دليل على ذلك الأرقام الموجودة حيث إن التعاون في مجال الهجرة مكن، منذ سنة 2017، من إجهاض أزيد من 14 ألف محاولة للهجرة غير الشرعية، وتفكيك 5 آلاف شبكة تهريب، ومنع محاولات اقتحام لا حصر لها.
وفي ما يتعلق بقضية القاصرين غير المرفوقين، يقول بلاغ لمجلس النواب، فقد شدد المكتب ورؤساء الفرق والمجموعة النيابية على أن المغرب كان في الطليعة بشأن هذه القضية مع العديد من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي المعنية، بالمطالبة بحلها منذ سنة 2018، مشيرين إلى أن «صاحب الجلالة الملك محمد السادس تفضل مؤخرا بتجديد التأكيد على تعليماته السامية للوزيرين المكلفين بالداخلية والشؤون الخارجية من أجل التسوية النهائية لهذه القضية، علما بأن المعوقات ترجع بشكل أساسي إلى تعقيد الإجراءات على مستوى الدول الأوروبية المعنية».
وسجلوا أن أي وكالة تابعة للأمم المتحدة (اليونيسف، المنظمة الدولية للهجرة، المفوضية السامية لحقوق الإنسان ، إلخ)، أو مقرر مستقل، لم يعلقوا على قضية القاصرين المغاربة أو على أي انتهاك للالتزامات الدولية للمملكة، كما عبر مكتب المجلس ورؤساء الفرق والمجموعة النيابية عن رفضهم للعديد من المقتضيات غير الملائمة المتضمنة في نص هذا القرار، ويستنكرون دوافعه الخفية، معتبرين أن هذه مناورة لصرف الانتباه عن أزمة سياسية بين المغرب وإسبانيا، ومحاولة فاشلة لإضفاء بعد أوروبي على أزمة ثنائية يعلم الجميع كيف تولدت، فضلا عن كون المسؤوليات محددة بشكل جيد.
واعتبروا أن الأزمة المغربية الإسبانية ترتبط بموقف وتصرفات إسبانيا بشأن قضية الصحراء المغربية، القضية المقدسة للأمة المغربية، بكل مؤسساتها وقواها الحية، معبرين عن أسفهم لكون البرلمان الأوروبي قد تم توظيفه من قبل عدد قليل من أعضائه الذين تنكروا للشراكة المهمة التي تجمع بين المغرب والاتحاد الأوروبي، وأن أدوات الشراكة وآليات التفاعل بين المؤسسات التشريعية الأوروبية والمغربية لم تجتمع أو تفعل، وفي ما يتعلق بالإشارة في نص القرار إلى مدينة سبتة، فإن مكتب مجلس النواب ورؤساء الفرق والمجموعة النيابية يجددون التأكيد على الوضع القانوني لهذه المدينة المغربية المحتلة، كما لفتوا الانتباه إلى أن البرلمان الأوروبي يقف ضد تيار الاعتراف بالإجماع بمكانة المغرب ودوره في التعاون في مجال الهجرة، معبرين عن إدانة تحرك بعض أعضاء البرلمان الأوروبي، ومؤكدين على مواصلة العمل مع شركائهم الأوروبيين في إطار الاحترام المتبادل والمصالح العليا للمغرب.

البرلمان العربي…تضامن مع المغرب
في مقابل القرار البرلماني الأوروبي، أشاد البرلمان العربي، أول أمس الخميس، بالجهود الكبيرة التي تبذلها المملكة المغربية، تحت قيادة الملك محمد السادس، في مجال مكافحة الهجرة غير الشرعية، خاصة في اتجاه أوروبا. وأوضح البرلمان العربي في بيان أن هذه الجهود أسهمت في تراجع معدلات هذه الظاهرة بشكل ملحوظ خلال السنوات الأخيرة، وأكد البرلمان العربي «تضامنه التام مع المملكة المغربية ضد كل ما يسيء إليها أو يمثل تدخلا في شؤونها الداخلية، وتأييدها في كل ما تتخذه من إجراءات في هذا الشأن»، وذلك تعليقا على المحاولات الإسبانية الرامية إلى تمرير قرار معاد للمغرب داخل البرلمان الأوروبي.
ودعا البرلمان العربي نظيره الأوروبي إلى «عدم إقحام نفسه في الأزمة الثنائية بين المملكة المغربية وإسبانيا، التي قد تجد طريقها للتسوية بالطرق الدبلوماسية والتفاوض المباشر بينهما، دون وجود أي داع إلى تحويلها إلى أزمة مع أوروبا»، وأكد أن المملكة المغربية «أثبتت حرصها الشديد على تهدئة هذا التوتر من خلال العديد من المبادرات البناءة، كان آخرها توجيهات صاحب الجلالة في الأول من شهر يونيو الجاري بعودة جميع القاصرين المغاربة الذين لا يوجد معهم مرافق ودخلوا الاتحاد الأوروبي بطريقة غير مشروعة».
وشدد البرلمان العربي على أن «الوقائع أثبتت أن المغرب يضطلع بدوره كاملا في مكافحة الإرهاب والهجرة غير القانونية والاتجار بالبشر، وفاء منه لمبادئ ومتطلبات الشراكة التي تجمعه بالاتحاد الأوروبي، ومحيطه الإقليمي».

البرلمان الأوروبي …خرق للاتفاق
من جانبه، دعا البرلمان الإفريقي، من خلال رئيسه المنتهية ولايته وسفير النوايا الحسنة، روجر انكودو دانج، البرلمان الأوروبي إلى عدم التدخل في الأزمة المغربية الإسبانية، مؤكداً أنه يمكن حلها (الأزمة) بالوسائل الدبلوماسية أو من خلال المفاوضات الثنائية المباشرة. ودعا البرلمان الإفريقي، في بيان له، نظيره الأوروبي، إلى الامتناع عن أي موقف من شأنه أن يؤدي إلى تفاقم التوترات، ويدعو الرباط ومدريد إلى حل الأزمة في إطار ثنائي بحت، مشددا على ضرورة الاحترام الصارم للالتزامات التي تعهد بها البرلمان الأوروبي والبرلمان الإفريقي خلال قمة رؤساء دول وحكومات الاتحاد الإفريقي والاتحاد الأوروبي المنعقدة في أبيدجان سنة 2017.
ومن بين الأمور التي تم الاتفاق عليها، يضيف المصدر ذاته، أن أي مشاكل بين دولتين يندرج ضمن العلاقات الثنائية بينهما ولا يمكن للبرلمانين التدخل إلا إذا تمت مناقشة المشكل المطروح مسبقا، فيما رحب البرلمان الإفريقي بقرار الملك محمد السادس بعودة جميع القصّر المغاربة غير المصحوبين بذويهم الذين دخلوا الاتحاد الأوروبي بشكل غير قانوني، وأضاف البيان «تثبت الحقائق أن المملكة المغربية تقوم بدورها في مكافحة الإرهاب والهجرة غير الشرعية والاتجار بالبشر، مع احترام مبادئ ومتطلبات الشراكة التي تجمعها مع الاتحاد الأوروبي ومحيطه الإقليمي»، مؤكدا أن «المغرب يلعب دورًا مهمًا في إدارة ملف الهجرة في إفريقيا، والذي تمت تهنئته مرات عديدة من قبل رؤساء الدول والحكومات الإفريقية، بعد أن تم تعيين الملك محمد السادس بطلاً للهجرة في إفريقيا»، مشيراً إلى أن المملكة بادرت باستضافة أول مركز إفريقي مخصص لدراسة وفحص هذه الآفة، والذي يسمى الآن «المرصد الإفريقي للهجرة».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى