حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

شوف تشوف

الرئيسيةخاص

وادي بوسكورة.. قصة خطر صامت يهدد الدار البيضاء

تاريخ أشهر غارات السيول على العاصمة الاقتصادية

حسن البصري
يقول أبناء الدار البيضاء القدامى إن المدينة بنيت فوق مجرى وادي بوسكورة، ويقول الباحثون في تاريخ المدينة إن إصرار الوادي على السير في مجراه مقابل إصرار القائمين على شأن البيضاء على تغييره كلف المدينة خسائر منذ بداية القرن الماضي.
ينام وادي بوسكورة عقودا ثم يستيقظ مع ارتفاع منسوب التساقطات المطرية ليعلن رحلته من نقطة انطلاقه ببوسكورة صوب المحيط الأطلسي مرورا بسيدي معروف وشارع الروداني فالجيش الملكي والحسن الثاني، قبل أن يأخذ طريقه المستقيم في شارع هوفيت بوانيي المفضي إلى المحيط الأطلسي بمحاذاة ضريح سيدي بليوط. صحيح أن أسماء هذه الشوارع لم تكن قد ظهرت إلى الوجود لكن وادي بوسكورة ظل حاضرا بقوة في أذهان ومخططات القائمين على الشأن العام للمدينة والمهندسين الفرنسيين، حيث يعلن غضبه تارة ويصمت تارة أخرى.

في كتاب «الدار البيضاء.. الهوية والمعمار من 1912 إلى 1960» والذي ألفه مهندسان معماريان وهما رشيد الأندلسي ويحيى بن الوليد، إشارات متناثرة إلى وادي بوسكورة وجهود الإقامة العامة الفرنسية في التصدي لغضباته. وقال الأندلسي إن المقيم العام المارشال ليوطي ومهندسه المعماري الفرنسي أندري بوست اهتما كثيرا بتعمير المدينة وفق أسس علمية برؤية وضعت في الحسبان موقع المدينة وطبيعة تضاريسها ووديانها الصغيرة. «ليوطي بالنسبة للمعماري جاء بتيار وفكر جديد. زحفه نحو المغرب ليس لتبيان العضلات فهو باني المؤسسات. وجميع الأشياء في المغرب الحديث بدأت معه».
في 1920 أرسل وادي بوسكورة أولى إشاراته للإقامة العامة الفرنسية التي كانت في طور التعرف واكتشاف المغرب، غضب الوادي واخترق مدينة لم تكن مكتملة المرافق، لم يخلف خسائر تذكر لكنه قال «أنا هنا»، لكنه عاد من جديد أعوام 1929 و1936 و1949، ولم تنفع محاولة الإقامة العامة في كبح تدفقه عام 1952 إذ أصبح قدرا ومكتوبا على البيضاويين.
وحسب زهير لزرك، الباحث في تاريخ الدار البيضاء، فإن منطقة بوسكورة في ضواحي الدار البيضاء كانت «مكانا هادئا تنتشر به مجموعة من البرك المائية التي احتضنت أنواعا كثيرة من الطيور والنباتات»، مضيفا أن سلطات الحماية أدخلت مجموعة من الإجراءات على مجال بوسكورة منذ توقيع معاهدة الحماية سنة 1912».
وحسب هاشم المعروفي، صاحب كتاب «عبير الزهور في تاريخ الدار البيضاء وما أضيف إليها من أخبار آنفا والشاوية عبر العصور»، فقد تطرق لبوسكورة وأكد أن الدار البيضاء كانت عبارة عن فضاء أخضر وبرك مائية «كانت تكسوها الغابات كغابة بوسكورة وغابة كاسكاد ووادي المالح وغابة وادي نفيفيخ والغابات الساحلية والداخلية وغيرها». بينما يرى الباحث زهير أن الموقع التاريخي ببوسكورة تم اكتشافه سنة 1927 من طرف الباحث أنطوان موريس، حيث وقف على خصائص الموقع وخاصة برك تجمع المياه قبل أن تأخذ طريقها صوب البحر. وتتغذى هذه النقطة من روافد صغيرة عبارة عن سيول قادمة من سطات وبرشيد مرورا بالنواصر.

عندما سمي بـ«الواد لحمر»
يقول الباحث المغربي نجيب تقي، في دراسته حول المجازر تحت عنوان «من الكرنة إلى الباطوار»، إن المسلخ بني في السنوات الأولى من الحماية في قطعة أرضية مقابلة لبوابة المدينة القديمة، وتحديدا في المكان الذي يوجد فيه الآن فندق إكسلسيور خارج أسوار المدينة في الموقع، «هناك على مقربة من مجرى وادي بوسكورة، كان البيضاويون يذبحون ويسلخون الأغنام والأبقار فيرمون بما تبقى من أحشاء في الوادي الذي كان يمر أمام المسلخ فسمي بالواد الأحمر لاختلاط مياهه بمخلفات المسلخ. لقد كانت العملية بسيطة وتعتمد على الذبح والسلخ التقليدي في غياب ثلاجات أو سيارات نقل مكيفة، بينما يتكلف الوادي بغسل الدماء وإيصال فضلات الذبح إلى البحر».
أمام التوسع العمراني الذي شهدته المدينة بدأ التفكير في بناء مقر جديد للمسلخ، والبحث عن موارد قارة لتمويل احتياجاته، لاسيما في ظل انتشار بنايات أوربية بالقرب من فضاء الذبيحة العلنية، لذا صادرت السلطات الاستعمارية هذا المكان الدموي واعتبرته خارج الشروط الصحية، ولم تسمح للمسلمين بنحر المواشي إلا في عيد الأضحى. بالمقابل خصص فضاء مجاور للذبيحة بالنسبة لليهود والنصارى، وكان فيضان «الواد لحمر» يدفع بقوة نحو تغيير مكان الذبيحة.
من هذا المنطلق فكرت بلدية الدار البيضاء في ترحيل هذا المحل الدامي إلى منطقة عين البرجة، ورصدت للمشروع غلافا ماليا قدره 11 مليون فرنك، عبارة عن قرض من البنك المخزني، لكن المشروع سرعان ما توقف بعد أن قدمت الشركة العامة للمجازر البلدية بفرنسا مقترحا يقضي بإنشاء وتدبير «المجازر البلدية للدار البيضاء» وهو المقترح الذي حالت الحرب العالية الأولى دون ترجمته على أرض الواقع. إلا أن التفاوض بين الشركة الفرنسية والسلطات الاستعمارية سرعان ما تم استئنافه بعد سنة ليخلص في نهاية المطاف إلى توقيع معاهدة منح إثرها امتياز استغلال الفضاء للشركة الفرنسية بشكل حصري، خلال الفترة ما بين 1917 و1948، وفق شروط تعاقدية تمنح للشركة حق استغلال الفضاء وسوق البهائم ومعمل التبريد ومصنع الجلود، مع منحها حق بناء ملاحق معامل للثلوج مع تقسيم الأرباح بين البلدية والشركة، وكلف المشروع الشركة الفرنسية في بدايته 6 ملايين فرنك فرنسي. بينما انكب المهندس المعماري جورج إيرنست على وضع تصور جديد للمرفق البلدي من خلال تصميم يراعي الأصالة المغربية مكن «الكسابة» المترددين عليه يوميا من الاستئناس بالفضاء، كما ترك وادي بوسكورة يستعيد مجراه بعيدا عن حمرة الدم.

غضب الوادي
رغم نقل مجموعة من المرافق العمرانية التي استوطنت مجرى الوادي، إلا أن بوسكورة ظلت تبعث الرعب في نفوس القائمين على الشأن العام على غرار مدن أخرى لها نهرها الصغير والمرعب في الوقت نفسه، كالجديدة التي يستعيد واد فليفل مجراه كلما ارتفع منسوب الأمطار والواد الواعر في تارودانت وواد نفيفيخ في المحمدية وسوس في أكادير وغيرها من الوديان الصغيرة التي كلما انتفضت إلا وأغرقت الأحياء والشوارع وعطلت الحركة.
لكن نقطة تجمع وادي بوسكورة لم تتحول إلى بركة تجلب هواة السياحة المحلية، لأن انتقال بوسكورة من منطقة عذراء إلى منطقة صناعية دفع العديد من المؤسسات الصناعية إلى تحويل البركة المائية لمنطلق الوادي إلى بؤرة تلوث تقلق سكان المنطقة وفلاحيها الذين كانت لهم في البركة مآرب شتى.
لكن هذا الوضع لم يمنع الوادي من الاستفاقة مع إصراره على سلك نفس المسار انطلاقا من بوسكورة مرورا بسيدي معروف وطريق الجديدة (الكليات)، وبوسيجور وشارع الروداني بالمعاريف وهو في طريقه إلى المحيط الأطلسي، شرق المدينة العتيقة في زاوية شارع هوفويت بوانيي وشارع الموحدين، بكل المخاطر التي تترتب عن سيوله الجارفة كلما قرر الهجرة نحو البحر.
وحين تبين للقائمين على الشأن المحلي للمدينة أن الوادي قدر الدار البيضاء المرعب، قرروا تشييد قناة لتصريف السيول القادمة من بوسكورة في اتجاه المحيط بغلاف مالي يفوق 1.1 مليار درهم والتي أشرف على تدشينها الملك محمد السادس لتخفيف الضغط عن القناة المجمعة الغربية التي أنشئت في سنوات الخمسينات من طرف الإقامة العامة الفرنسية دون أن تستطيع مجاراة حجم تدفق المياه.

فيضان يطرد سكان درب السلطان
في سنوات الخمسينات تم بناء القناة المجمعة الغربية، التي بدأت تستقبل مياه الوادي. لكن مع مرور الوقت تبين أن هذه القناة متجاوزة، فالطاقة الاستيعابية لمجرى الماء في شبكة التطهير السائل للمدينة لا تتجاوز مترين مكعبين في الثانية، في حين أن منسوب الوادي يتعدى 45 مترا مكعبا في الثانية، ما يفسر تأثيرات التساقطات المطرية، التي شهدتها الدار البيضاء يومي 21 يناير و18 دجنبر من سنة 1996، التي كانت لها تداعيات خطيرة على العاصمة الاقتصادية، إذ كانت مياه الأمطار المتدفقة من واد بوسكورة سببا في الفيضان على منطقة الكليات بأكملها، وفي المنطقة الصناعية في ليساسفة بمحاذاة الطريق الثلاثية والبنيات الواقعة قرب جنوب طريق الجديدة، ومعارض مكتب الصرف، قبل أن يغرق درب السلطان، وتحال العديد من الأسر المنكوبة على خيرية عين الشق بعد أن طردها الوادي القادم من بوسكورة من بيوتها.
لكن سلطات المدينة ظلت تصر على تحدي الوادي وإنشاء مرافق سكنية في مساره، إذ إنه عند بداية العقد الأخير من القرن الماضي أعلنت الوكالة الحضرية للدار البيضاء عن جعل منطقة النسيم الممتدة على مساحة 320 هكتارا منطقة ذات نفع عام وذلك بمقتضى المرسوم عدد 2.90.63 الصادر بتاريخ 23 يناير 1990، وخصصت في المشروع السكني 500 شقة للأسر المتضررة من فيضانات حي بوجدور بعمالة درب السلطان-الفداء، علاوة على 350 أسرة من قاطني أحياء الصفيح بموقع النسيم نفسه، و12850 وحدة سكنية لإعادة إيواء قاطني المدينة القديمة بالدرجة الأولى، وخصوصا أولئك المعنيين بإعداد المجال المحيط بمسجد الحسن الثاني، و1000 أسرة من قاطني مجال منارة العنق. لكن كيف يمكن البحث عن حل لضحايا فيضانات وادي بوسكورة بإيوائهم في حي النسيم مجرى الوادي نفسه؟ ولقد دق مسؤولو «ليديك» ناقوس الخطر في حينه حين أكدوا في اجتماع مع محمد ساجد عمدة الدار البيضاء حينها أن «المجرى الطبيعي لوادي بوسكورة لم يحترم، حيث اكتسحت البنايات السكنية مجراه، كما أن المجرى امتلأ بالأزبال وبمخلفات البناء، ما قد يتسبب في تغيير مساره إلى وجهة مجهولة، إنه مازال يهدد مدينة الدار البيضاء، خاصة إذا تجاوز صبيب المياه في الوادي 65 مترا مكعبا في الثانية».

الملك يدخل على خط نكبة الفيضانات
في سنة 2010 استفاق وادي بوسكورة من جديد، وضرب الأحياء السكنية الموجودة في مساره من قبل طريق الجديدة، كحي النسيم والكليات والدور السكنية التابعة للمكتب الوطني الشريف للفوسفاط، والأحياء المجاورة له، ولم يسلم حي النسيم من غضبته، كما تسببت البنايات المشيدة في مجرى الوادي والأزبال ومخلفات البناء في المنطقة في أن يغير مجراه في اتجاه أحياء ومناطق سكنية أخرى.
دخل الملك محمد السادس على خط نكبة البيضاويين بعد الخطر الذي يهدد المدينة بفعل التساقطات المطرية، ودشن في سنة 2014 مشروع إنجاز قناة وادي بوسكورة التي تصرف كميات هائلة من مياه الأمطار التي كانت ستواصل إغراق المدينة وتعيد شبح فيضانات 2010 التي أوقعت عدة ضحايا.
في خطاب تاريخي سنة 2013، بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية نبه ملك البلاد المسؤولين إلى التفاوتات الخطيرة بالدار البيضاء والأخطار المحدقة بها في ما يخص البنية التحتية: «إذا كانت كثير من الجماعات الترابية، تتمتع بنوع من التسيير المعقول، فإن هناك، مع الأسف، بعض الجماعات تعاني اختلالات في التدبير، من قبل هيئاتها المنتخبة. وهنا أستحضر المشاكل التي تعيشها بعض المدن كالدار البيضاء مثلا، التي أعرفها جيدا، وتربطني بأهلها مشاعر عاطفية من المحبة والوفاء، التي أكنها لجميع المغاربة».
بنيت القناة الغربية بعد فيضانات 2010، لكي تحمي مدينة الدار البيضاء من الفيضانات، وهي قناة ضخمة تحت أرضية تسير على طول 5.2 كيلومترات، ولها قطر كبير جدا، وعلوها يبلغ 5.5 أمتار، وتنطلق من نقطة مدار أزبان على مستوى الحي الحسني ليساسفة، حيث تجمع جميع المياه التي تأتي من وادي بوسكورة، وكذلك التي تأتي من ليساسفة ومنطقة الحي الحسني على مستوى المدخل الرئيسي لمدينة الدار البيضاء، وتحولها تحت الأرض إلى المحيط الأطلسي، في مصب على مستوى سيدي عبد الرحمان. كلف التصدي لوادي بوسكورة غلافا ماليا قدره 855 مليون درهم، والذي أنجزته شركة التنمية المحلية الدار البيضاء للتهيئة وليديك، لكن الدار البيضاء في حاجة الآن لقناة مماثلة لدرء الخطر القادم من الجهة الشرقية حتى تكتمل «منظومة حماية المدينة من الفيضانات».

حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى