شوف تشوف

الرأيالرئيسيةسياسية

ورطة الغاز الجزائري

 

مقالات ذات صلة

 

خالد فتحي

 

ستتمنى الجزائر كثيرا لو أنها ظلت مستورة، ولم تتسرع وتقرر في لحظة طيش إغلاق أنبوب الغاز المغاربي الأوروبي، الذي يمر عبر المغرب، بعد سلسلة اتهامات ملفقة وباطلة كالتها له. فهي توجد الآن بسبب هذه الرعونة وعمى البصيرة بين المطرقة والسندان، بعدما زارها وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية، قادما إليها من الرباط.

من المفهوم أن بلينكن، الذي يسعى إلى تهدئة روع أوروبا، والذي يهمه أن يقلل ارتهان أوروبا للغاز الروسي، قد بحث هناك إمكانية قيام الجزائر بزيادة ضخ غازها في الاقتصاد الأوروبي، للتقليص من الابتزاز الروسي للدول الأوروبية، خصوصا بعدما طلب بوتين من قادتها شراء الطاقة بالروبل. ومن الواضح أن البادرة المطلوبة من الجزائر تقتضي منها أساسا، تشغيل هذا الخط باستعجال.

الجزائر حليفة تقليدية لروسيا، ولكنها أيضا تدعي صداقة أمريكا، ولها علاقات تجارية معها، وبالتالي أي قرار ستتخذه بعد هذه الزيارة، سيجعلها تقع تحت نقمة واحد من الكبار على الساحة الدولية.

يعرف الكل أن الجزائر الرسمية تحنق على الولايات المتحدة اعترافها بسيادة المغرب على صحرائه، وهو القرار الجريء الذي كان له أثر الدومينو على مواقف العديد من الدول الأوروبية التي حذت تباعا حذو واشنطن، كما لم تعد سرا عزلة الجارة الشرقية عربيا، بخصوص هذا الملف المكلف جدا للجزائر وللمغرب وللمنطقة المغاربية برمتها، والآن قد صار مضرا بالمصالح الأوروبية نفسها.

تبدو كل الخيارات أمام الجزائر سيئة جدا، فالرؤية مشوشة تماما أمام قصر المرادية: التحالفات المقبلة ما زالت في طور المخاض، ونتائج عملية كسر العظام ما بين روسيا والحلف الأطلسي غير معروفة. واتفاقية فينيا قد تعيد الحليف الإيراني إلى الحضن الأمريكي، أو تؤدي على الأقل إلى تطويعه وإرغامه على الالتزام بالإقلاع عن مغامراته التي يوجه من خلالها أذرعه الإرهابية ضد الدول العربية، ومن ضمن ذلك دعمه لانفصاليي البوليساريو.

الولايات المتحدة الأمريكية تملك المعلومات الكافية عن نوايا الجزائر، وتستطيع توقع شطحاتها المقبلة، ولربما تحتاج الجزائر الآن إلى أن تبرهن عن سلامة طويتها للأوروبيين والأمريكيين على السواء، إذ من السذاجة أن نعتقد أن إغلاق الأنبوب المغاربي للغاز لم يكن بسبب رغبة الجزائر في تضييق الخناق على القارة العجوز، بشكل مسبق. وغزو روسيا لأوكرانيا لم يكن وليد الصدفة، أو قرارا اتخذ بين عشية وضحاها، بل هو مخطط له استراتيجيا، منذ شرع بوتين في مشروع استعادة أمجاد الاتحاد السوفياتي البائد .

مهما حاولت الجزائر أن تتنصل من هذا التواطؤ المحتمل مع الروس، فلن تصدقها الولايات المتحدة، ما لم تتجند لمد أوروبا بالغاز، متناسية عداءها للمغرب. لكن هذا القرار دونه خرط القتاد، فهي لن تستطيع إغضاب روسيا التي هي أكبر مزود لها بالسلاح، دون أن تودع حلمها في اقتطاع الأقاليم الجنوبية من المغرب. بل ليس بوسعها حتى أن تقايض هذا القرار المطلوب منها، بمراجعة الولايات المتحدة الأمريكية لقرارها الداعم لخطة الحكم الذاتي التي اقترحها المغرب على المجتمع الدولي.

ولعل الولايات المتحدة تعرف في قرارة نفسها جيدا حدود الصداقة والود، اللذين تكنهما الجزائر للصف الديمقراطي الليبرالي الحر، فلا تراهن عليها، بل تقيم عليها الحجة، فعقب مرحلة الحرب الباردة التي تلت موت الاتحاد السوفياتي، ظلت الجزائر وحدها ضمن شرذمة قليلة من الدول وفية لتلك المرحلة من التاريخ، ولذلك فهي بالنسبة إلى أمريكا وأوروبا بلد ميؤوس منه استراتيجيا.

نظن أن زيارة بلينكن إلى الجزائر كانت لأجل رفع العتب عن الولايات المتحدة، وسحب كل الأعذار التي قد تتعلل بها الجزائر غدا، بعد أن كشف بنفسه غبار المعركة أمام أوروبا التي تدعي حبها وشراكتها، فمن الصعب جدا أن يلتقط نظام متكلس الإشارات التي تنبعث من حواليه، ويقرر أن يتصرف وفق الهندسة الجديدة التي تتهيأ في العالم، بشكل يضمن مصالح شعبه.

بلينكن جعل من الجزائر آخر محطة له في جولته التي قادته إلى أربع دول، ومكث فيها فقط ست ساعات، وأنجز ندوته الصحفية من سفارته بالجزائر، كأنه جاء يتفقد موظفيه، وبالتالي لا مجال للمقارنة مع الزيارة المثمرة التي قام بها إلى الرباط.

لا نشك الآن أن الولايات المتحدة تعرف حاليا وبشكل جيد من هو حليفها الموثوق مغاربيا الذي ينبغي التعويل عليه، إلا أن الجديد هو أنها صارت الآن تجهر بهذه الشراكة الاستراتيجية مع المغرب، بل وتصدح بها في قلب الجزائر، حين دعت العسكر إلى مراجعة علاقتهم بروسيا والمغرب، وتبني المقاربة الدبلوماسية لحل الصراع المفتعل من قبلهم في الصحراء المغربية. هكذا تكون الجزائر قد ندمت على إغلاق أنبوب الغاز المغاربي الذي يعرضها لهذا الانكشاف، محولة نعمة حباها بها الله إلى نقمة. وفي الآية الكريمة: «لا يحيق المكر السيئ إلا بأهله». وهكذا ستتذكر أوروبا غدا أن الجزائر تنكرت لها خلال وقت الشدة، لأنها دولة تحب معانقة الأوهام. أما إذا حدثت المعجزة، وباعت الجزائر أوروبا غازا إضافيا عبر المغرب، فذلك يعني أن جزائر أخرى قد ولدت بعد زيارة بلينكن، جزائر مفيدة لنفسها ولمحيطها الإقليمي. وذلك ما نرجوه لها دائما.

 

نافذة:

مهما حاولت الجزائر أن تتنصل من هذا التواطؤ المحتمل مع الروس فلن تصدقها الولايات المتحدة ما لم تتجند لمد أوروبا بالغاز متناسية عداءها للمغرب

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى