
تحولت اجتماعات اللجان البرلمانية الدائمة، المخصصة لدراسة الميزانيات الفرعية لمختلف القطاعات الحكومية، إلى فرصة لبعض البرلمانيين لإثبات قدراتهم العجيبة على خلق «البوز»، خاصة أن هذه الاجتماعات تكون منقولة مباشرة عبر قنوات التواصل الاجتماعي لمجلس النواب.
وخلافا للسنوات الماضية، حيث كانت اللجان البرلمانية تنعقد بدون نقل مباشر، لاحظنا هذه السنة حضورا لافتا للسادة النواب الذين يتنقلون بين قاعات الاجتماعات لتسجيل أسمائهم ضمن لائحة المتدخلين في كل القطاعات، ويجتهدون في جلب أكبر عدد من المشاهدات، فشاهدنا رئيس فريق برلماني أطلق تصريحات خطيرة حول «طحن الورق مع الدقيق»، قبل أن يتراجع عن تصريحاته، وبرلمانيا استعمل قاموسا «زنقاوي» للتعبير عن إعجابه بمداخلة برلمانية «بوكوصة»، وآخر وظف «البيصارة» في الدبلوماسية البرلمانية، وأخرى أذرفت «دموع التماسيح» لنيل تعاطف الناخبين مع اقتراب موعد الانتخابات التشريعية.
ومنذ بداية الولاية التشريعية الحالية، بدأت تتفشى بعض السلوكات والممارسات التي تسيء لصورة المؤسسة البرلمانية، حيث يتسابق بعض البرلمانيين والبرلمانيات إلى خلق «البوز» بمواقع التواصل الاجتماعي، إما من خلال لباسهم المثير، أو بث «لايفات» لمداخلاتهم من داخل اجتماعات اللجان البرلمانية أو التقاط «سيلفيات» داخل قاعة الجلسات أثناء انعقاد الجلسات العمومية، فيما أصبح برلمانيون وبرلمانيات منشغلين بنقل كل تفاصيل تحركاتهم داخل البرلمان على غرار أصحاب «روتيني» اليومي بمواقع التواصل الاجتماعي.
وسبق لمكتب مجلس النواب أن تداول في بعض السلوكات والممارسات السلبية التي تسيء لصورة البرلمان، وقرر اتخاذ مجموعة من القرارات تدخل في إطار تفعيل مدونة السلوك والأخلاقيات، من بينها حث النواب على حضور الجلسات بلباس محترم ومنع استعمال الهاتف ومضغ العلكة داخل قاعة الجلسات.
ووجه رئيس مجلس النواب، راشيد الطالبي العلمي، مذكرة إلى رؤساء الفرق البرلمانية، تتعلق بفرض ضوابط حضور أشغال مجلس النواب. وجاءت هذه المذكرة، التي بقيت مجرد حبر على ورق، بعدما لوحظ أن عددا من النواب لا يلتزمون بالضوابط والواجبات المنصوص عليها في مقتضيات النظام الداخلي ومدونة السلوك وأخلاقيات العمل البرلماني وخصوصا على مستوى ارتداء الملابس المناسبة، وكذا جلب قنينات الماء إلى القاعة الكبرى للجلسات العمومية، ومضغ العلكة، واستعمال الهاتف أثناء انعقاد الجلسات.
وتمنع مدونة السلوك النواب البرلمانيين من القيام بمجموعة من المسلكيات المخلة، أثناء انعقاد الجلسات العامة وخلال اجتماعات اللجن البرلمانية الدائمة، وتنص على أنه يتعين على النائبات والنواب ارتداء لباس يتناسب مع الاحترام الواجب للمجلس، بحيث يحضر النواب والنائبات جلسة افتتاح دورة أكتوبر مرتدين اللباس الوطني، ويحضرون باقي الجلسات بلباس تقليدي كامل أو بلباس عصري كامل، كما يتعين على النائبات والنواب الامتناع عن التحدث عبر الهاتف أو الانشغال بقراءة الجرائد والصحف أو ما شابه ذلك أثناء سير الجلسات العامة وداخل جلسات اللجن الدائمة، كما تمنع المدونة التدخين وتناول الأطعمة والوجبات الغذائية داخل الجلسات العامة.
هذه السلوكات تؤثر على صورة السلطة التشريعية، وتمس القيمة الاعتبارية للنواب والنائبات باعتبارهم ممثلي الأمة ويضطلعون بأدوار دستورية وسياسية على أهمية قصوى، ما يفرض التقيد بالضوابط المنصوص عليها في النظام الداخلي ومدونة السلوك والأخلاقيات، وذلك تحت طائلة تطبيق العقوبات المنصوص عليها في حق كل المخالفين لهذه الضوابط.





