التازي: الفقيه البصري قال لي إن الاتحاد الاشتراكي الذي تركتُه أصبح أحزابا متعددة

يونس جنوحي
وجد وزير الداخلية السابق، ادريس البصري، نفسه في حرج كبير وهو يتبرأ مما نقله السفير محمد التازي إلى الملك الراحل الحسن الثاني سنة 1987، على لسان المعارض محمد الفقيه البصري، من وعود قال الفقيه إنه تلقاها من الوزير إثر اللقاء الشهير الذي جمعهما سابقا في فرنسا.
ويواصل التازي نقل ما سجّله عن الحسن الثاني أثناء لقائه به في الدار البيضاء، وهو اللقاء الذي خصصه الملك الراحل لتسوية ملف الفقيه البصري الذي كان وقتها يقيم في القاهرة، حيث كان التازي يشغل منصب سفير للمغرب.
بعد أن انتهى التازي من نقل مطالب الفقيه البصري والوعود التي قال إنه تلقاها من وزير الداخلية ادريس البصري، سأله الحسن الثاني. يقول:
«وسألني جلالته:
-وما كان تعليقك على ما قال؟
-لقد أكدت له وللسيد لطفي الخولي، وهو كاتب ومفكر له مركزه ومكانته المتميزة في الحياة السياسية والفكرية في مصر، ويستشار باستمرار قبل اتخاذ أي قرار، وعلى علاقة متينة بالفقيه البصري، أكدت لهم أن قربي من سيدنا الله ينصره، وزعمي بأني قريب من فكر جلالته، يجعلني أستبعد كل الاستبعاد أن يكون جلالته أعطاك وعودا كي تعود، أو أن يقبل منك أو من غيرك شروطا، أو يعقد معك صفقة، وقلت له أنت لست ندا أو شريكا، إذا رجعت لوطنك وكأي مواطن مغربي، فسيرحب بالحوار معك والاستماع إلى وجهة نظرك، أما أن تعتقد أنك ستربط عودتك بتنفيذ شروطك، وتغيير المسار السياسي والاقتصادي في البلاد، فأحسن لك أن تبقى حيث أنت.. ثم قصصت عليه موقف سيدنا الله ينصره في الستينات مع حزب الاستقلال حين طالب الحزب بإبعاد السيد رضا كديرة للتعاون مع سيدنا، وقصة القذافي حين رفض النزول من الطائرة التي أقلته لمؤتمر قمة في الدار البيضاء، حتى يتأكد من أنه لن يستعرض حرس الشرف أو يحيّي «العلم» وطلب جلالته منه أن يعود إلى بلاده، وقفل راجعا إلى صالون المطار في انتظار الرئيس القادم بعده.
ويبدو أن الفقيه استوعب الموقف، وأخبرني أنه سيأخذ جوازات السفر، وستدخل عائلته قبله للبحث عن مقر للسكنى وتجهيزه.
وختم جلالته الحديث في هذا الموضوع بقوله:
-أرجو أن يكون بالفعل قد استوعب الموقف.
ثم أعطى للسيد ادريس البصري تعليمات صريحة وواضحة ومحددة في عودة الفقيه البصري إلى المغرب.
عقب عودتي إلى القاهرة اتصل بي الفقيه البصري، فاستقبلته في المنزل رفقة السيدة الفاضلة عقيلته، ولها زمالة مدرسية مع زوجتي، يوم 25 شتنبر 1987 وإذا به يخبرني أن أحد أصدقائه، وهو الدكتور عبد اللطيف المنصوري، وأسمع بهذا الاسم لأول مرة، أستاذ قسم بمستشفيي ابن رشد وابن سينا، حضر لحفل زفاف كريمته، وأبلغه أن ادريس البصري أخبره أنه يبحث له عن منزل ليقيم فيه، وأن حوالي مليار سنتيم خصصت لشراء المنزل، حتى تتوفر فيه جميع وسائل الراحة من مسبح وملعب تنس، وسونا وحمام مغربي. وقال لي، هذه رشوة أو أنا سأدخل إلى المغرب كموظف سام من موظفي الدولة، وأنا أرفض ذلك، وهذا ما يقوي شكوكي من أن دخولي لن يغير من الواقع السياسي.
وقلت له:
-طبعا إن دخولك لن يغير من الواقع السياسي شيئا، هذه قضية محسومة، أما موضوع شراء المنزل، فلم يكن من تعليمات جلالة الملك، ولا إسناد أي وظيفة إليك، لأن ذلك غير معقول، وغير منطقي، ولا أدري كيف صدقته، ولا شك أن ما نقل إليك على لسان السيد ادريس البصري مدسوس عليه لأهداف سياسية، من بينها رفضك للعودة، وعليك الآن أن تحصر تفكيرك في العودة، وأن تتصل بأصدقائك في الاتحاد الاشتراكي.
فقاطعني قائلا:
-إن الاتحاد الاشتراكي الذي تركتُه أصبح أحزابا متعددة، ولا تجمعني مع بعض المسؤولين فيه سوى صداقة ومودة. المعطي بوعبيد كان في الاتحاد عند مغادرتي للمغرب، بن سعيد كان في الاتحاد، اتجاه إلى الأمام كان أعضاؤه في الاتحاد، فأين هو الاتحاد الذي كنت عضوا فيه؟
وقلت له: هذا ما حاولت في لقائنا السابق أن تعرفه، فالمغرب تغير تغييرا، ويصعب على الغائب عنه أن يعرف أغواره، حتى المناضلين الذين كنا نعرفهم شاخت أفكارهم قبل أن تشيخ أجسامهم».
طال موضوع عودة الفقيه البصري، من كواليس سنة 1987، ولم تتحقق العودة إلا سنة 1995.





