
يونس جنوحي
الزوبعة التي أطارت عددا من “الرؤوس” في صفوف مسؤولي قطاع الصحة بسوس، لا بد أن يصل “ريحها” إلى المستشفيات الإقليمية، التي تُحيط بمستشفى الحسن الثاني الذي تفجرت فيه فضيحة الوفيات المتتالية قبل أيام.
لولا الوضع الكارثي الذي يعشش في مستشفيات الجهة، لما تفاقم الوضع في مستشفى الحسن الثاني. كل المستشفيات الإقليمية تُرسل المرضى والحالات المستعجلة إلى “أكادير”، إلى درجة أن هذه المراكز الصحية أصبحت مثل وكالة نقل المسافرين. يأتي إليها المرضى إما على متن سيارات الإسعاف، أو السيارات المملوكة للمواطنين، ويحولها مسؤولو تلك المستشفيات إلى أكادير “على وجه السرعة”.. ولكم أن تتصوروا هذه السرعة التي يفترض أن يصل فيها مريض من نواحي ورززات، قاطعا الطريق الوطنية المملة، لما يزيد عن خمس ساعات قبل أن يصل إلى أكادير!
في مستشفى المختار السوسي في مدينة تارودانت، تفجرت عدد من المآسي، على امتداد السنوات الأخيرة. أقواها ما تسبب فيه أحد المسؤولين في قسم المستعجلات، والذي اشتهر بأنه “ينهر” المرضى على مجيئهم إلى المستشفى!
كأن الأمر يتعلق بمشهد من مسرحية هزلية. يأتي المصابون بالجروح والنزيف إلى قسم المستعجلات.. وبدل أن يستفيدوا من تدخل طبي عاجل لإنقاذ أرواحهم، يخرج إليهم المسؤول الكسول من وراء “الكونطوار”، ويصيح في وجه الجالسين في قاعة الانتظار: “لماذا تأتون فرادى؟”. ثم يخاطب الممرضين: “لا تتصلوا بي إلا بعد أن تجتمع حالتان أو أكثر!”.
وهكذا فإن سكان إقليم تارودانت، وليس المدينة فقط، مطالبون بتأسيس مكتب لتلقي طلبات دخول “قسم المستعجلات”، وليأخذوا موعدا مع “سعادته” حتى لا يوقظوه أكثر من مرة خلال “مُداومته”. كان الله في العون.
وطبعا، لا حاجة إلى تنظيم وقفات احتجاجية، لكي يعلم مسؤولو الصحة في الرباط، أن المستوصفات، بل وحتى المستشفيات الإقليمية في أكثر من مدينة مغربية، تفتقر إلى أبسط أدوات التطبيب.. إذا كان مستشفى في مدينة صغيرة لا يتجاوز عدد سكانها عشرة آلاف نسمة، لا يتوفر إلا على أقراص تهدئة آلام الرأس.. والآلة الوحيدة التي تشتغل داخل البناية هي آلة صُنع القهوة، علما أنها لا تقدم القهوة وإنما يستعملها حراس الأمن لتسخين الماء فقط، لغرض لا يعلمه إلا الله، فما هي الخدمات الصحية التي قد يقدمها هذا المستشفى لمواطن مصاب بمرض مزمن، أو يحتاج إلى تدخل جراحي؟ النتيجة أن الضغط كله يقع على المستشفيات الجهوية، وتمتد الفوضى لكي تسيح فوق الخريطة.
أما الحراس المكلفون بتأمين بناية المستشفى، فقد اتضح أنهم بدورهم خريجو كلية الطب، بدون عِلم “ابن سينا”، ويوجهون المواطنين حسب التخصصات، بعد أن يطالعوا نتائج التحاليل، وقد يصرفون مريضا بحُجة أنه جاء إلى المكان الغلط، بمجرد أن يرفع أحدهم صورة الأشعة السينية في الهواء، ويفهم منها ما يشكو منه المريض.
مستشفى الحسن الثاني في أكادير، ظل طيلة السنوات الأخيرة سببا في فقدان المواطنين للثقة في الصحة العمومية. وحتى بعد تعالي الاحتجاجات على المستوى المرعب الذي وصلت إليه أوضاع تدبير صحة المواطنين، لا يمكن أن يُحل المشكل بسلسلة إعفاءات.. نحتاج إلى خطة لإنقاذ ما تبقى من الصحة، وإنعاش المستشفيات الإقليمية وفك العُزلة عن عشرات آلاف المغاربة الذين يطلبون الله كل يوم أن يُبعد عنهم المرض.. حتى لا يُضطروا إلى وضع كرامتهم على عتبة المستشفى، أو في جيب مسؤولي المصحات الخاصة.





