التازي حضر لحظة تسليم الحسن الثاني أسرى حرب الرمال المصريين لجمال عبد الناصر

يونس جنوحي
الزوبعة التي أحدثتها حرب الرمال، التي اندلعت في نهاية الأسبوع الأول من شهر أكتوبر 1963، لم تقف تداعياتها في الميدان، وإنما امتدت إلى المكاتب وزادت من حرارة الهواتف والاتصالات بين الرباط وعدد من العواصم العربية.
كان محمد التازي، بداية سنة 1964، يشتغل في سفارة المغرب ببيروت، وجرى استدعاؤه على عجل، بحكم أن الحسن الثاني يعرف جيدا علاقاته في مصر التي عاش فيها عندما كان طالبا، قبل استقلال المغرب.. كانت المهمة، التي كلفه بها الملك الراحل، تتمثل في الإعداد لحضور المغرب اجتماعا، على مستوى القادة العرب، لدفن الخلاف.. ولم تكن مضت على حرب الرمال، وقتها، سوى بضعة أشهر.
كتب التازي، في أوراقه الشخصية، مستحضرا هذه المهمة وتفاصيلها:
«عقب وصولي للقاهرة اتصل بي السيد محمد حسنين هيكل، رئيس تحرير جريدة الأهرام، والمستشار الرئيسي للسيد جمال عبد الناصر، وتربطني به صداقة منذ الخمسينات.
وما كدنا نتصافح ونتحاضن حتى بادرني بالسؤال التالي:
-لماذا هذه الحالة المؤسفة في العلاقات بين البلدين؟ لقد آن أوان أن تعود إلى سابق عهدها كما كانت أيام الملك محمد الخامس. إن الرئيس عبد الناصر لم يكن على معرفة تامة بالملك الحسن الثاني، ولكنه، بعد اجتماع رؤساء مؤتمر الدار البيضاء في القاهرة عام 1961، وبعد اجتماع دول عدم الانحياز في بلغراد عام 1962، أصبح يقدره تقديرا خاصا ووجد فيه نموذجا فريدا للملوك.
وسألته بدوري:
-وإذن لماذا الموقف المتحيز السافر الذي وقفه الرئيس من النزاع المغربي- الجزائري؟
فقال هيكل:
-أود أن أوضح لك شينا هاما، وهو أن الجمهورية العربية المتحدة تحرص كل الحرص على حياد الجزائر، حتى يبقى التوازن محفوظا في الجانب الغربي من العالم العربي، ومن مصلحة المغرب أيضا أن نحافظ على حياد الجزائر، ولقد أقنعنا الرئيس بن بلة بأن المغرب، قبل الحوادث، كان يحشد قواته على طول الحدود، وكان يبدي مخاوفه من إمكان وجود اتفاق مع المعارضة الجزائرية للإطاحة به. وازداد الحشد العسكري بتضاعف الأزمة الداخلية بين الأجنحة العسكرية، فطمأنه الرئيس بأن المغرب لن يكون أبدا مصدر خطر على الجزائر.
ويضيف هيكل قائلا:
-ثم وقعت الأحداث، وتلقى الرئيس رسالة من بن بلة، يشرح فيها كيف تحققت تخوفاته، وأنه في حاجة إلى دبابات وطائرات، وإذا رفضت مصر إرسالها عاجلا فإنه سيطلبها من روسيا والصين الشعبية وكوبا.
ويواصل هيكل تبرير موقف بلاده بأن الرئيس عبد الناصر وجد نفسه أمام مسؤولية تاريخية بالنسبة للعالم العربي، وبالنسبة للمضاعفات الدولية التي قد تنجم عن تدخل شيوعي في الجزائر قد يحيل الخلاف المحلي إلى صراع جديد بين الشرق والغرب، فسارع إلى طمأنة بن بلة بإرسال بعض المعدات العسكرية، مع اشتراطه عدم طلب المساعدة من أي طرف آخر.
ثم بعث وفدا من الضباط لتقدير الموقف، ومعرفة الاحتياجات الحقيقية للجزائر، وعندما ضل الضباط طريقهم وتم اعتقالهم رفض الرئيس كل الاقتراحات المقدمة إليه للرد على المغرب، ملحا على ضرورة أن يبقى الباب مفتوحا مع المغرب.
وأنهى هيكل حديثه عن موضوع الجزائر بالأمل في أن يشارك جلالة الملك شخصيا في المؤتمر وتكون مشاركته فاتحة لعلاقة جديدة بين البلدين وأن تطوى صفحات الماضي بكل سلبياتها، وأن يعود الضباط الموقوفون إلى عائلاتهم.
وفي ما يتعلق بموضع مؤتمر الملوك والرؤساء العرب، أكدت له أن جلالة الملك سيشارك شخصيا في المؤتمر، من غير أن يكون حاملا معه عقدة فلسطين أو رواسب ضياعها، فعندما استقل المغرب كانت مضت على ضياع فلسطين ثماني سنوات، وقامت انقلابات عسكرية في عدد من الدول العربية باسم فلسطين.
بعثت كل هذه المعلومات إلى جلالة الملك ويوم وصول جلالته صعدت للطائرة للسلام عليه رضي الله عنه، وكان الرئيس جمال عبد الناصر بالقرب من سلم الطائرة، قال لي جلالته:
-أبلغ الرئيس أن طائرة خاصة ستصل بعد ساعة وعليها الضباط المصريون الذين كانوا في ضيافتنا.
وما علم الرئيس بهذا النبأ حتى تحول الاستقبال من استقبال رسمي بروتوكولي إلى استقبال حار، وعناق، فاجأ المستقبلين من المسؤولين المصريين الذين لم يعرفوا سره».





