
دخل القانون التنظيمي للإضراب حيز التنفيذ، وذلك بعدما نشر في الجريدة الرسمية ليكون بذلك ساري المفعول. وجاء إخراج القانون التنظيمي للإضراب، على عهد حكومة عزيز أخنوش، ليضع حدا لفراغ تشريعي امتد لعقود من الزمن. وتسبب عجز الحكومات السابقة عن إخراج هذا القانون إلى حيز الوجود في إجهاز حكومتي عبد الإله بنكيران وسعد الدين العثماني على حقوق المضربين، لكون الحكومتين كانتا تفسران الإضراب على أنه انقطاع عن العمل وبالتالي تطبيق مسطرة الاقتطاعات. وفي الوقت نفسه أدى هذا التفسير إلى تفاقم الاحتجاجات التي وصلت مستويات قياسية سنة 2023، وهي الاحتجاجات التي أدت لتعطيل حق من الحقوق الدستورية الأساسية لملايين الأطفال المغاربة، وهو الحق في التعليم.
الإضراب.. حق الموظف وحق المرتفق؟
يُعتبر الإضراب في المغرب حقاً دستورياً، حيث نص عليه دستور 2011 في فصله 29، إلا أن هذا الحق لازال يفتقر إلى قانون تنظيمي يُحدّد شروط وكيفية ممارسته. هذا الفراغ التشريعي يجعل الإضراب خاضعًا لتقديرات مختلفة، سواء من قبل الحكومة أو القضاء أو النقابات. ورغم محاولات سابقة لوضع قانون تنظيمي للإضراب، إلا أن الخلافات بين الفرقاء الاجتماعيين والسياسيين حالت دون ذلك، خاصة بسبب تخوّف النقابات من المسّ بحرية العمل النقابي أو فرض قيود تعتبرها تعسفية على حق الإضراب.
بعد زمن طويل من الفراغ التشريعي، الذي ترك حق الإضراب مفتوحاً لتأويلات متباينة، تم الإفراج عن مشروع القانون التنظيمي رقم 97.15 لممارسة حق الإضراب في إطارٍ ترى الحكومة أنه يسعى إلى «تحقيق التوازن، بين حقوق العمال ومصالح أصحاب المشاريع والمرافق العامة». وتم إقرار هذا التشريع منذ دستور عام 1962، وجرت إحالته إلى قانون تنظيمي، يحدد شروط وإجراءات وكيفيات ممارسة هذا الحق، بغية تعديله.. لكن هذا الأمر طال أمده وظل مؤجلاً، إلى أن جرى إعداده في إطار مشروع قانون، وعُرض بشكل رسمي على المجلس الحكومي، بتاريخ 28 يوليوز 2016، من دون إقراره.
ويرتقب أن يضع دخول القانون التنظيمي للإضراب حيز التنفيذ، بعد عقود من الانتظار، حدا لفراغ تشريعي امتد لعقود من الزمن.
ويُعرِّف هذا القانون الإضراب بأنه «توقف إرادي جماعي عن العمل للدفاع عن مطالب اقتصادية أو اجتماعية أو مهنية»، ويضع شروطاً وإجراءات دقيقة، يجب استيفاؤها قبل اللجوء إلى هذا الفعل. ويحمل بين طياته مواد عديدة، أبرزها أن الدعوة إلى الإضراب لم تعد حكراً على النقابات الكبرى الأكثر تمثيلاً للعمال والموظفين، إذ صار بإمكان النقابات ذات التمثيلية المحدودة على صعيد البلاد، أو تلك المُمثِلة لعمال مؤسسات القطاع الخاص أن تدعو إلى الإضراب، بما في ذلك فئات كانت سابقاً مهمّشة ومرفوضة، مثل العمال المنزليين والمهنيين في القطاعات الخاصة.
غرامات وعقوبات تنتظر التنسيقيين
يُلزِم القانون الجهات الداعية إلى الإضراب بتقديم إخطار كتابي إلى الجهات المعنية قبل بدء الإضراب بفترات زمنية محددة، تتراوح بين 7 و45 يوماً، بحسب طبيعة القضية وحجم المؤسسة، ما يمنح فرصة ممكنة للمفاوضات، ومحاولة التوصل إلى تسوية قبل اتخاذ خطوة الإضراب النهائية. ويشترط أيضاً وضع آليات لضمان عدم تعطّل الخدمات العامة الحيوية خلال فترات الإضراب، بحيث لا يؤثر ذلك سلباً على صحة وسلامة المواطنين، وهو ما يطرح تحدياً كبيراً أمام الجهات الداعية إلى الإضراب في القطاعات الحساسة، مثل الصحة والنقل.
بالموازاة، ينص هذا التشريع على غرامات مالية مشدَّدة على أرباب العمل والشركات، الذين يحاولون تنفيذ إجراءات انتقامية ضد العمال المضرِبين، إذ تصل قيمة هذه الجزاءات إلى ما بين 50 ألف درهم (حوالي 5 آلاف دولار) و100 ألف درهم (حوالي 10 آلاف دولار)، مع إمكانية مضاعفتها في حال استبدال العمال بعمال آخرين. ويعاقِب بغرامة من 1.200 إلى 8.000 درهم بحق العامل الذي يتسبب في عرقلة حرية العمل، ورفضه القيام بالأنشطة الضرورية وتوفير الحد الأدنى من الخدمة التي كُلِّفَ بها.
وتم تحديد «المرافق الحيوية»، إذ عُرِّفَتْ بأنها تلك «الأنشطة التي تقدِّم خدمات أساسية قد تُعرِّض صحة أو حياة المواطنين للخطر في حال توقفها». أما المواد المتعلقة بـ«عرقلة حرية العمل» و«احتلال أماكن العمل»، فحُذِف جزء منها. وهنا أوضح وزير الشغل والإدماج الاقتصادي أن «عرقلة حرية العمل» تعني منع العمال غير المضربين من أداء أعمالهم، في حين يُقصد بـ«احتلال أماكن العمل» منع سير العمل بشكل كامل، من خلال عرقلة وصول الأفراد أو السلع إلى أماكن العمل. ويبقى أن أهم مطلبين تمت الاستجابة لهما، هما التراجع عن منع أي «إضرابات لأهداف سياسية» وحذف «العقوبات الجنائية والسجنية» في حق الداعين إلى الإضراب.
ومن ضمن ما تعترض عليه الأصوات النقابية والعمالية تعريف الإضراب، الذي لم يشمل التنصيص على تنفيذه لأسباب معنوية، أو بشكل تضامني، أو رداً على سياسة حكومية تمس الحياة العامة للعمال. فضلا عن أنه لم تُعالَج إشكالية قواعد التفاوض والمصالحة، وشروط الحصول على النصاب القانوني، وعدم تدقيق شروط الإشعار/ الإخطار المسبق للإضراب، والتصويت بالأغلبية. وهذه إجراءات تعتبرها الأطر العمالية «تعجيزية»، ترمي إلى تقويض قدرة النقابات على الدفاع عن حقوق الشغيلة. وانتقدت هذه الأصوات أيضاً المواد المتعلقة بمنع الإضراب في «القطاعات الحيوية»، من دون تعريف واضح لهذا المصطلح، ما يترك مجالاً واسعاً لتقييد الإضراب بشكل غير موضوعي.
//////////////////////////////////////////////////////////////
هل سنفوت هذه الفرصة أيضا؟
سيضع الصدور الرسمي لقانون الإضراب الحكومة أمام اختيارين لا ثالث لهما: إما الحرص على تطبيقه بعدالة وإنصاف، ومن ثمة وضع حد لفوضى الاحتجاجات التي تعرفها بعض القطاعات، وعلى رأسها التعليم.. وهذا الاختيار سيعني مأسسة الحوارات الاجتماعية وتقوية العمل النقابي ودمقرطة النقابات، أما الاختيار الثاني فهو أن يكون مصير هذا القانون مثل مصير قوانين أخرى لا يتم تطبيقها إلا بشكل انتقائي ومناسباتي، كأن يتم تعطيلها مع المقربين وتفعيلها مع المناوئين، وبالتالي استمرار الفوضى ذاتها، التي حولت وزارة التعليم إلى ما يشبه «محلبة» يمكن لمرتاديها طلب «لبن العصفور» وعلى الوزارة جلبه لهم.
فالتطبيق الحرفي لهذا القانون سيعني عدم تفويت هذه الفرصة التاريخية لتنظيم العلاقة بين الحق والواجب، وأيضا وضع الحدود بين الحرية والفوضى. التنسيقيات التعليمية ستكون أمام امتحان حقيقي، حيث ستجد نفسها مضطرة إما لولوج النقابات التعليمية الموجودة على علاتها، أو التسبب في المزيد من البلقنة النقابية، خصوصا في قطاع يتجاوز عدد النقابات فيه 34 نقابة، موزعة بين نقابات تابعة لمركزيات نقابية تاريخية معروفة، وأخرى فئوية تحتكرها أحزاب مجهرية أو شخصيات تبحث عن النفوذ عن طريق المساومات.
فما حدث في أكادير في قطاع الصحة، وتفاعل الحكومة مع احتجاجات الساكنة، دون أن تكون هذه الاحتجاجات مؤطرة نقابيا أو حزبيا، سيعني أن قانون الإضراب الجديد سيضع النقابات التعليمة تحديدا أمام اختبار من نوع آخر، وهو قدرتها على إدماج واحتواء مطالب الشغيلة التعليمية، أولا باحترام قواعد الشفافية والديموقراطية الداخلية، وهي القواعد التي ستسمح بوجود أصوات التنسيقيين داخل الأجهزة النقابية، دون أن تكون هذه الأصوات ذات امتداد حزبي، وثانيا بتغليب مصالح الفئات التعليمية وتجنب محاولات احتكار الفئات لتوجيهها توجيها انتخابيا. بمعنى أن ظهور قانون الإضراب ينبغي النظر إليه على أنه مناسبة لتنظيم الحركات الاحتجاجية وتأطيرها بعيدا عن أشكال التسيب التي تعرفها بعض الاحتجاجات.
والسؤال هو: أيهما أفضل للوزارة، نقابات منضبطة وواضحة ومُمأسسة أم تنسيقيات لا أحد يعرف منشئيها ولا هوية من نصب «قادتها»؟
فالأساتذة، من جهتهم، يكرسون أزمة التعليم المغربي، عندما أضحت النزعة الحقوقية هي الأصل، ولا يزعجهم إطلاقا منظر تلاميذ أشباه أمّيين وضعاف المستوى خارج الفصول الدراسية. وهم بهذا يوفرون المناخ الطبيعي لانتعاش تيارات العدمية السياسية، سواء التيارات التي أفقدها تدبير الشأن العام في سنوات خلت «عذريتها» السياسية، أو التيارات الأخرى التي لم تملك «عذرية» قط، لكون الخلط لديها بين النقابي والسياسي والإيديولوجي وصل حد الاعتقاد بإمكانية استنساخ «ثورة» شيوعية تروتسكية أو «قومة منهاجية» خمينية.
أما في الطرف المقابل، فتتحمل الوزارة، في السنوات العشرين الماضية، مسؤولية إضعاف النقابات، سواء بدعم الفاسدين بالتفرغات والمساعدة على تنظيف صورهم لدى الموظفين في مختلف الإدارات، لحصولهم على مناصب القيادة في النقابات. والنتيجة ها هي عشرات التنسيقيات تتناسل بشكل غير منضبط، ولن نستغرب أن تظهر في الأيام القليلة القادمة تنسيقيات من قبيل «تنسيقية الأساتذة المتزوجين بالأستاذات»، و«تنسيقية الأساتذة المتزوجين بالمديرات» على غرار تنسيقية تم إنشاؤها قبل سنوات تحمل اسم «تنسيقية الأساتذة المتزوجين بربات البيوت».
ينبغي أن نكون أكثر وضوحا، إذ هناك فرق بين الإضراب والانقطاع عن العمل، والفرق بينهما كبير جدا. فالإضراب يجب أن يكون مؤطرا من طرف تنظيم معترف به قانونا، والمقصود منه هو تحقيق منفعة عامة ومشروعة. وهذا الإضراب لا أحد يعترض عليه شريطة أن يكون منفذه منخرطا في تنظيم معترف به قانونيا ويحمل بطاقة العضوية. في مقابل «إضراب» يمارسه موظفون لا ينتمون لأية جهة ولا يحملون أية بطاقة عضوية وهم الاكثرية وبذلك فإضرابهم يسمى قانونا الانقطاع عن العمل.
ما نريد قوله هو أن الإضراب حق، لكن يجب ان يكون مؤطرا ومحميا قانونيا لتجنب الوقوع في أضرار مماثلة للتي مست قطاع التعليم في السنوات الأخيرة، وعلى النقابات أن لا تتحمل مسؤولية انقطاع غير المنخرطين كما هو الشأن في جميع الدول المتقدمة.
رقم:10
تمكنت مجموعة من الباحثين المغاربة من حجز مكان لهم ضمن قائمة جامعة ستانفورد الأمريكية لأكثر من 2 في المائة من العلماء على مستوى العالم من حيث عدد الاستشهادات البحثية لعام 2025. ويأتي هذا الإنجاز المرموق في ظل تصنيف عالمي يضم حوالي 160 ألف باحث من 149 دولة و22 تخصصًا علميًا و176 تخصصًا فرعيًا. وتألقت الأسماء المغربية في هذا التصنيف العالمي، حيث ضمت القائمة 10 أساتذة وباحثين مغاربة من جامعات مختلفة. وتبرز في هذه القائمة أسماء بارزة، مثل عبد السلام حمادة من جامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، والمتخصص في الفيزياء النووية، وإدريس بن شقرون من جامعة الحسن الثاني عين الشق في مجال الفيزياء النووية والحوسبة الكمومية. وتضم القائمة، كذلك، فريدة الفاسي من جامعة محمد الخامس بالرباط المتخصصة في الحوسبة عالية الأداء وعلوم البيانات الفيزيائية، ورجاء شرقاوي المرسلي، المتخصصة في الفيزياء الطبية من الجامعة نفسها.
//////////////////////////////////////////////////////////////
تقرير:
مندوبية التخطيط تشيد بعمل الحكومة في تعميم التعليم ومحاربة الأمية
سجلت تقدماً في الولوج للمدرسة مع استمرار الفوارق الاجتماعية
كشفت بيانات حديثة للمندوبية السامية للتخطيط، ضمن تقرير «الأطلس السوسيو- ديمغرافي الإقليمي»، عن تحولات ملحوظة في مجال التعليم ومعدلات الأمية خلال العقد الأخير (2014 -2024)، حيث يسجل المغرب تقدماً على مستوى الولوج إلى المدرسة، إلى جانب تراجع ملموس في نسب الأمية، مع استمرار تفاوتات جغرافية واجتماعية واضحة.
وحسب الخرائط المصاحبة للتقرير، فإنه، خلال العقد الماضي، ارتفع معدل الالتحاق بالمدارس للأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 6 و11 سنة من 94.5 في المائة سنة 2014 إلى 95.8 في المائة سنة 2024. ويُعزى هذا التطور بالأساس إلى التحسن الكبير المسجل في الوسط القروي، حيث انتقل المعدل من 91.4 إلى 95.2 في المائة، وإلى التقدم الملحوظ في تعليم الفتيات، إذ ارتفع معدل التحاقهن بالمدرسة من 93.9 إلى 95.9 في المائة، فيما تبرز هذه الدينامية أكثر في صفوف الفتيات القرويات، حيث انتقلت النسبة من 90 إلى 95.1 في المائة خلال الفترة نفسها.
في الإطار ذاته سجّل معدل الأمية تراجعاً مهماً على الصعيد الوطني، من 32.2 في المائة سنة 2014 إلى 24.9 في المائة سنة 2024، إذ انخفض المعدل في الوسط القروي من 47.5 إلى 38.1 في المائة، أما في الوسط الحضري فتراجع من 22.6 إلى 17.4 في المائة؛ وعند النساء سجل انخفاضاً من 42.1 إلى 32.5 في المائة، مقابل تراجع لدى الرجال من 22.2 إلى 17.3 في المائة.
هذا التراجع، على أهميته، لا يلغي واقع الفوارق المجالية والاجتماعية، إذ مازالت نسب الأمية مرتفعة في بعض الأقاليم الجبلية والداخلية. وتسجل أعلى نسب الأمية بمعدل يفوق 34 في المائة في أقاليم الشرق (فجيج، جرادة، بولمان)، والأطلس (خنيفرة، أزيلال، ميدلت) والجنوب الشرقي (تنغير). وتسجل نسب مرتفعة ما بين 31 و34 في المائة، كذلك، في أقاليم مثل الحاجب، إفران، الرشيدية ووزان. ورصدت نسب متوسطة ما بين 25 و31 في المائة بأقاليم مثل تاونات، صفرو، شيشاوة وتارودانت. أما أدنى النسب، أي أقل من 18 في المائة، فتتركز في كبريات المدن (الرباط، الدار البيضاء، طنجة، مراكش)، وبعض أقاليم الصحراء (أوسرد، وادي الذهب).
وعلى صعيد التعليم العالي، يوضح التقرير أن أعلى نسب الحاصلين على مستوى تعليمي عالٍ (11 في المائة فأكثر) تتركز في المدن الكبرى مثل الرباط، الدار البيضاء، مراكش، فاس، طنجة، أكادير، إضافة إلى بعض الأقاليم الجنوبية مثل العيون والداخلة. بينما تسجل نسب متوسطة (9 – 11 بالمائة) في محيط مدن (سلا، تمارة، المحمدية وسطات)، وتنخفض إلى أقل من 6 بالمائة في الأقاليم الجبلية والداخلية.
وبخصوص لغات التواصل اليومي، أظهر المصدر ذاته أن 24.8 في المائة من السكان يستعملون إحدى اللغات الأمازيغية في حياتهم اليومية، بنسبة 33.3 في المائة بالمناطق القروية مقابل 19.9بالمائة في المناطق الحضرية.
مشروع قانون مالية 2026.. الأولوية لتقليص الفوارق المجالية بالتعليم
ركز على ثلاثة مبادئ: تكوين أفضل وتوجيه أدق وإدماج أمثل
ينتظر أن يشرع البرلمان بغرفتيه في مناقشة مشروع قانون المالية برسم سنة 2026، تنفيذا للتوجيهات الملكية السامية. وحددت المذكرة التوجيهية المرافقة للمشروع أربع أولويات منها «تقليص الفوارق الاجتماعية والمجالية، وفق رؤية تنموية متوازنة وشاملة على الصعيد الوطني». يأتي هذا بالتزامن مع تقرير لمندوبية التخطيط يتناول استمرار الفوارق المجالية والاجتماعية في قطاع التعليم ومحاربة الأمية، رغم التحسن الكبير الذي تم تسجيله في هذين الملفين الاجتماعيين الهامين.
مشروع بنفس اجتماعي واضح
كشف تقرير جديد للمندوبية السامية للتخطيط استمرار التفاوتات والفوارق المجالية الجغرافية والاجتماعية الواضحة في مجالي التعليم ومحاربة الأمية إذ مازالت نسب الأمية مرتفعة في بعض الأقاليم الجبلية والداخلية، وذلك بالرغم من التقدم على مستوى الولوج إلى المدرسة، والتراجع الملموس في نسب الأمية.
هذه المعطيات لم تكن غائبة عن الحكومة، حيث حرصت على وضعها ضمن أولوياتها الأربعة لمشروع قانون المالية، إذ تؤكد المذكرة التوجيهية، المرافقة للمشروع، على أن الولوج المنصف إلى التعليم والتشغيل من الأولويات الكبرى لمشروع قانون المالية لسنة 2026، باعتباره من الركائز الأساسية للدولة الاجتماعية، والتي تحرص بلادنا على تقويتها بشكل مستدام، حيث أنه، وتكريسا لمنطق إعادة توجيه السياسات الاجتماعية نحو الأثر والنجاعة، أطلقت المملكة برامج تضمن التحول العميق للرأسمال البشري، يقوم على ثلاثية متكاملة: تكوين أفضل، توجيه أدق وإدماج أمثل. وذلك لكسب رهان مزدوج يتمثل، من جهة، في الاستجابة للتطلعات الاجتماعية للمواطنين في التمكين عبر المعرفة والمشاركة في النشاط الإنتاجي، ومن جهة أخرى إعداد القاعدة البشرية المؤهلة لمواكبة مسار تعزيز مكانة بلادنا ضمن الدول الصاعدة.
ويشمل هذا التحول، حسب مشروع القانون، مختلف مراحل التأهيل، من التربية إلى التشغيل، مرورا بالتكوين المهني والتعليم العالي، وذلك في إطار منسجم ومهيكل، وسيتم تعزيز جسور الربط بين المسارات التربوية، وآليات التوجيه واحتياجات سوق الشغل بشكل تدريجي، وذلك للرفع من سلاسة المسارات، وتقليص حالات الهدر وتحقيق الملاءمة الفعلية بين الكفاءات المتوفرة والفرص المتاحة. ومن شأن الرأسمال البشري الذي يتم تكوينه وفق هذا النموذج المتكامل أن يكون جاهزا لمواكبة وتيرة الأوراش الوطنية الكبرى المتنامية، سواء في ما يخص البنيات التحتية الصحية، أو التجهيزات الرياضية، أو أنظمة التنقل أو الصناعات ذات القيمة المضافة العالية. وهي قطاعات تستدعي مهارات محلية جديدة، تستجيب للطموحات الاستراتيجية للمملكة.
وتنطلق هذه الدينامية من المدرسة، حسب مشروع الحكومة، حيث يشكل برنامج «مدارس الريادة»، الذي تم تعميمه على نطاق واسع منذ الموسم الدراسي 2024- 2025، أحد محاور الإصلاح الأساسية، مستهدفا قرابة مليون و310 آلاف تلميذة وتلميذ في أزيد من 2.600 مؤسسة تعليمية. ويكرس هذا البرنامج مقاربة متجددة للتعلم، تقوم على ثلاث ركائز متكاملة تتمثل في الارتقاء بالمستوى البيداغوجي، وتأهيل الأساتذة وتجهيز الفصول الدراسية بالوسائل الرقمية. وتجسد هذه الدينامية مرحلة التنزيل الفعلي الخارطة الطريق 2022-2026، وتعزيز العرض المدرسي، مع الطموح خلال سنة 2026 إلى تكريس المكتسبات ومواصلة تعميم نموذج مدارس الريادة.
مدارس الفرصة الثانية والتكوين المهني
يضيف مشروع قانون المالية أنه، وبالمنظور نفسه القائم على الإدماج والعدالة الاجتماعية، يعتبر النموذج المغربي مدارس الفرصة الثانية رافعة استراتيجية لمواجهة ظاهرة الهدر المدرسي ومحاربة إقصاء الشباب، حيث يستفيد من هذا البرنامج حالياً حوالي 23.000 شاب وشابة، موزعين على 227 مركزا عبر مختلف ربوع المملكة، وهو ما يجعل هذه الآلية أيضا ضمن أولويات خارطة الطريق الخاصة بالتشغيل. ويتمثل الهدف في بلوغ 35.000 مستفيد خلال سنة 2026، مع وضع الأسس لتعزيز التغطية الترابية، عبر توسيع الشبكة الوطنية لهذه المراكز لتبلغ 400 مركز في أفق سنة 2030. وتستكمل دعائم هذا المسار التربوي والاجتماعي من خلال توسيع عرض التعليم الأولي، باعتباره رافعة محورية لضمان تكافؤ الفرص منذ سن مبكرة.
وبدوره، صار التكوين المهني، حسب المشروع، بمثابة حلقة الوصل بين المنظومة التعليمية وسوق الشغل، ومكن الإصلاح، الذي تم إطلاقه بالقطاع، من تحقيق ارتفاع بنسبة 17 بالمائة في عدد المستفيدين خلال موسم 2024- 2025 678.605) متدربين)، إلى جانب افتتاح ثلاث (3) مدن جديدة للمهن والكفاءات، وبذلك بلغ عدد المدن التي تؤدي مهامها كاملة اليوم سبع (7) مدن، فيما توجد مدينتان في طور التجهيز بجهتي الداخلة وادي الذهب ومراكش – آسفي، في حين تسجل ثلاث (3) مدن أخرى بكل من درعة- تافيلالت، وفاس – مكناس وكلميم- واد نون نسبة تقدم في الأشغال تفوق 80 بالمائة.
وموازاة مع ذلك، تم الشروع في ورش التحديث العميق لعرض التكوين المهني، الذي يشمل إعادة هيكلة 444 شعبة، وإدماج المواكبة الفردية للمستفيدين من خلال منصة مختصة، و49 مركزا للتوجيه فضلاً عن تعزيز التكامل مع مسارات التميز، عبر شبكة من 14 معهداً تحت نظام التدبير المفوض. ومن جانب آخر، ضاعف التعليم العالي استجابته للأولويات الاقتصادية والتكنولوجية للمملكة بالاعتماد على المخطط الوطني لتسريع تحول نظام التعليم العالي والبحث العلمي 2030.. حيث أن الاستثمارات الموجهة نحو البحث العلمي، والمعاهد الموضوعاتية وتكوين جيل جديد من طلبة الدكتوراه تهدف مجتمعة إلى تحفيز الابتكار وتعزيز الكفاءات في قطاعات واعدة من قبيل الرقمنة، والانتقال الإيكولوجي والصحة. ويُعد تعزيز تكامل المسارات بين التكوين، والبحث العلمي وسوق الشغل محورا أساسيا لهذا التحول.
//////////////////////////////////////////////////////////////
أثار قرار وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، القاضي بإلغاء بحوث الإجازة واعتماد صيغ جديدة لإنجاز بحوث الماستر قائمة أساساً على التدريب الميداني، موجة جدل واسعة داخل الأوساط الجامعية والسياسية على حد سواء. القرار، الذي نُشر في الجريدة الرسمية، يرسم ملامح مرحلة جديدة في التكوين الجامعي، لكنه في الوقت ذاته يطرح تساؤلات عميقة حول مستقبل البحث العلمي في الجامعة المغربية..
المصطفى قريشي أستاذ التعليم العالي بالكلية متعددة التخصصات الناظور
مستجدات معايير الانتقاء لولوج الماستر
توازن بين معياري المسار الأكاديمي والكفاءة الشخصية والمعرفية
تعتبر مسالك الماستر إحدى أهم المحطات العلمية في المسار الجامعي للطلبة المغاربة، نظرا لما تتيحه من تعميق للمعرفة الأكاديمية، وإعداد للكفاءات المؤهلة للبحث العلمي أو ولوج سوق الشغل المتخصص. وظل ولوج هذه المسالك محل نقاش متواصل، سواء على مستوى المعايير المعتمدة أو آليات الانتقاء.
ملف أكاديمي ومقابلة شفوية بنسب متفاوتة
في هذا السياق، كشفت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار – على لسان الكاتب العام للوزارة في نشرة إخبارية متلفزة – وكذا ما رشح من أخبار بهذا الخصوص عن تفاصيل المعايير الجديدة للانتقاء الخاصة بولوج مسالك الماستر، وهي معايير تروم، حسب الوزارة، إرساء قدر أكبر من الموضوعية والشفافية، مع تقليص مساحة السلطة التقديرية للجان.
وبشأن المعايير الأساسية للانتقاء، أبرزت الوزارة أن عملية الانتقاء ستعتمد على مجموعة من المحددات الأكاديمية الموضوعية، وتتمثل بالأساس في:
-عدد سنوات الحصول على شهادة الإجازة، بحيث يُؤخذ بعين الاعتبار انتظام الطالب في مساره الجامعي دون تكرار أو تأخير مفرط.
-المعدل العام للإجازة باعتباره مؤشراً تراكمياً على الأداء الأكاديمي.
-عدد الميزات المحصلة خلال سنوات الدراسة مستحسن، حسن، حسن جداً، ممتاز.
-الميزة في الوحدات التخصصية الأساسية المرتبطة بمجال الماستر.
-مدى تقارب تخصص الإجازة مع تخصص الماستر، خصوصاً في المسالك التي تستقبل خريجين من تخصصات مختلفة.
ويتم تخصيص نقطة لكل معيار من هذه المعايير مثلا: 6 نقط للإجازة في ثلاث سنوات و5 للإجازة في أربع سنوات. أي يتم تنقيط كل تلك المعايير على 20.
هذه العناصر تشكل النواة الصلبة للانتقاء الأولي، مع إمكانية إضافة معايير أخرى تحددها اللجنة البيداغوجية عند الاقتضاء، مع التأكيد على عدم وجود اختبارات كتابية للولوج.
-الجديد إمكانية إجراء المقابلة الشفوية مع تحديد نسبة احتسابها من المعدل العام للولوج.
-الجديد هو إمكانية اعتماد مقاربة مزدوجة بين الانتقاء الأولي والمقابلة الشفوية، حيث يتم تخصيص:
75 بالمائة من النتيجة النهائية للمعايير الأكاديمية المذكورة أعلاه.
25 بالمائة من النتيجة للمقابلة الشفوية، باعتبارها آلية لقياس مؤهلات الطالب المعرفية والتواصلية ومدى انسجام مشروعه مع توجهات التكوين.
ولتقريب الصورة، إذا حصل طالب على معدل 16 /20 في معايير الانتقاء الأولي، فإنه ستحتسب له 12 نقطة (75 بالمائة)، وإذا حصل في المقابلة الشفوية على 10 /20 فستحتسب له 2.5 نقاط (25 بالمائة)، ليصبح معدله النهائي 14.5 /20.
وفي مثال آخر، إذا حصل طالب على 10 /20 في الانتقاء الأولي (أي 7 نقاط)، وحقق 16 /20 في المقابلة الشفوية (أي 4 نقاط)، فإن معدله النهائي سيكون 11 /20. وبالتالي سيكون لمعايير الانتقاء الخاصة بالمسار الأكاديمي قيمة أكبر من المقابلة الشفوية.
ونؤكد بأن هذه المستجدات والمعايير هي في طور التداول والنقاش على أن يتم الحسم فيها على مستوى الوزارة وكذا المؤسسات الجامعية حسب ما تراه مناسبا لكل مسلك. أما المستجد الثاني فهو اعتماد مسالك التوقيت الميسر الخاصة بالموظفين والأجراء وبالتالي سيمكن من رفع عدد الطلبة لولوج المسالك العادية للماستر.
الدلالات البيداغوجية والتنظيمية
إن اعتماد هذه الصيغة الجديدة يعكس حرص الوزارة على تحقيق توازن بين معيار المسار الأكاديمي الموضوعي ومعيار الكفاءة الشخصية والمعرفية التي قد تكشف عنها المقابلة الشفوية. فالمعايير الأولية ترسخ منطق الشفافية والعدالة عبر الاحتكام إلى النقط والميزات، بينما تتيح المقابلة للجان فرصة تقييم القدرات اللغوية والمنهجية والحوارية للطالب.
ومع ذلك تبقى الإشكالية المطروحة مرتبطة بمدى توحيد معايير المقابلات الشفوية وضبطها لتفادي أي انزلاق نحو التقدير الذاتي أو التفاوت بين المسالك والمؤسسات.
هذه المستجدات تعد خطوة مهمة نحو عقلنة معايير ولوج الماستر، وضمان قدر أكبر من الموضوعية والشفافية، مع تقليص الطابع الاعتباطي الذي كان يثار بشأن المقابلات الشفوية حينما كانت المعايير غير واضحة. كما أنها تفرض على الطلبة المقبلين على اجتياز مباريات الماستر التحضير المزدوج: الأكاديمي، من خلال تحسين معدلاتهم في سنوات الإجازة، والمهاري، عبر صقل قدراتهم التواصلية والتحليلية لمواجهة اختبار الشفوي.
//////////////////////////////////////////////////////////////////
متفرقات:
رفع سن التقاعد إلى 70 سنة في مهن التعليم أيضا
يُسجل جدل كبير في صفوف موظفي قطاع التعليم بسبب تقرير دولي يوصي برفع سن التقاعد إلى 70 سنة في التعليم. ففي وقت تتصاعد النقاشات بالمغرب حول مستقبل التقاعد وإصلاح أنظمته، أصدر البنك الدولي تقريرًا حديثًا يُحذر فيه من التبعات الخطيرة لتسارع وتيرة الشيخوخة، داعيًا الحكومة المغربية إلى رفع سن التقاعد تدريجيًا إلى 70 سنة كإجراء ضروري لضمان استدامة النظام الاجتماعي والاقتصادي.
ورسم التقرير، الصادر تحت عنوان «التنمية البشرية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في مرحلة التطور»، صورة مقلقة لمستقبل المغرب الديمغرافي والاجتماعي، مسلطًا الضوء على ارتفاع نسبة إعالة المسنين، وتدهور المؤشرات الصحية المرتبطة بكبار السن، إضافة إلى هشاشة البنيات الصحية والاجتماعية التي ستعجز، وفق التقرير، عن مواكبة هذا التحول دون إصلاحات جذرية.
أبرز ما جاء في التقرير الارتفاع المتوقع في نسبة إعالة المسنين، حيث وصلت هذه النسبة إلى 11 في المائة سنة 2020، ويتوقع أن تتجاوز 26 بالمائة في أفق 2050، ما يعني أن كل شخص في سن العمل سيكون مطالبًا بإعالة أكثر من ربع شخص مُسن، وهو ما يهدد التوازنات الاقتصادية والاجتماعية للمملكة.
في هذا السياق، أوصى البنك الدولي بضرورة رفع سن الإحالة على التقاعد إلى 70 عامًا، وتشجيع المواطنين على الاستمرار في العمل لفترة أطول، وهو ما يتطلب، حسب التقرير، بيئة تشريعية وتنظيمية جديدة تحفز على العمل في سن متقدم وتضمن، في الوقت ذاته، شروط العمل الكريم.
ميزانية الإطعام المدرسي فاقت 1.7 مليار درهم
كشف وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، محمد برادة، أن مصاريف داخليات المؤسسات التعليمية والمطاعم المدرسية بلغت ملياراً و700 مليون درهم، مبرزاً أن شروط السلامة الصحية لجميع الأطعمة المقدمة في المطاعم المدرسية تخضع لمراقبة الوزارة. وفي أحدث المعطيات الإحصائية، فإن عدد المستفيدات والمستفيدين من خدمة الإطعام المدرسي بلغ ما يفوق 288 ألف مستفيد وتمثل الإناث 54.7 في المائة من المجموع بينما يمثل الوسط القروي 78 في المائة، وأن الكلفة الإجمالية للداخليات والمطاعم المدرسية برسم 2024- 2025 بلغت حوالي مليار و700 مليون درهم. وأوضح الوزير ذاته أنه، من أجل تجويد الوجبات الغذائية، كما وكيفا، تم إدراج مجموعة من البنود في دفتر التحملات لضمان مراقبة مدى التزام نائل صفقة الإطعام المدرسي بالبرنامج الغذائي الأسبوعي المعد مسبقا في إطار اللجنة المكلفة بإعداد البرنامج الغذائي والمصادق عليه من طرف الطبيب المتعاقد معه.








