حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

شوف تشوف

الرأيالرئيسية

الكرة ومعرض الكتاب

 

 

حسن البصري

 

انتقل المعرض الدولي للكتاب من الدار البيضاء إلى الرباط، فقيل إن الانتقال «على سبيل الإعارة»، وقيل إن مكانه الطبيعي هو الرباط عاصمة الثقافة، وإن الدار البيضاء في طريقها لتصبح عاصمة للكرة.

حين تأخذك قدماك طوعا إلى معرض الكتاب، ستتزاحم في ذهنك مقارنات بين ملعب الفكر وملعب الكرة. في فضاء الكتب لا زحمة أمام أكشاك بيع التذاكر، ولا وجود ل «المارشي نوار» في جنبات المعرض، بل إن بعض الندوات الفكرية تجرى أمام مدرجات شبه فارغة، وكأن قرار «الويكلو» قد امتد إليها.

تنتهي هذه التظاهرة الفكرية كالعادة بلا غالب ولا مغلوب، وينتشر الكتاب في أرض الله الواسعة، ويظل الكتاب الرياضي خارج التشكيلة الأساسية للمؤلفات المعروضة، وكأن الجيل الحالي قد فقد شهية القراءة ومارس التخسيس الفكري طواعية، وأن الكتاب قد فقد مكانته كخير جليس في الحياة، وسلم هذه الصفة للهواتف الذكية.

سحبت مواقع العالم الافتراضي البساط من تحت الكتب، وهددت دور النشر بالإفلاس، وحولت المكتبات إلى مجرد دكاكين موسمية لبيع المقررات المدرسية، لكن المعرض يظل موعدا سنويا صامدا ضد عوادي الزمن، يحيي صلة الرحم مع ما تبقى من قراء.

وإذا كان العالم العربي يعاني من داء العزوف عن الكتب، ويجعلنا أمام جيل لا يقرأ إلا «ميساجات الهاتف»، فإن الإقبال على المعرض ليس مؤشرا للمصالحة مع الكتب في ظل التعامل مع الزيارة كفسحة سنوية، تؤرخ بـ«سيلفيات».

في ظل هذا الوضع، يتحول البحث عن كتاب رياضي إلى تنقيب عن معدن في جوف المعرض، وحتى الكتب القليلة التي تتحدث عن تاريخ بعض الأنواع الرياضية لم تغادر علبها وكأنها في وضعية نقاهة، رغم أن وزير الثقافة كان رئيسا لفريق الكرة بحي يعقوب المنصور.

في هذا الزمن، أصبح الإقبال على اقتناء قميص للنادي المحبوب أولى من شراء كتاب، وما يصرفه مشجع سنويا في اقتناء القمصان والتذاكر يكفي لإنشاء مكتبة. قيل زمان من بنى مدرسة أغلق سجنا، والحال أن من نظم مباراة بموازاة مع معرض الكتاب حكم عليه بالعزوف.

عانى المعرض في نسخته البيضاوية من داء العزوف الجماهيري، فقط لأنه تزامن مع أسبوع مباراة “الديربي” بين الوداد والرجاء، حيث سجل المعرض أضعف نسبة إقبال بسبب انشغال البيضاويين بمباراة الغريمين، فدارت أغلب المحاضرات أمام مقاعد احتلها أشخاص يكنون العداء للكرة، ومنها من تأجلت لغياب الجمهور.

اختفت كتب السير الذاتية لرموز الكرة المغربية، وحل محلها أدب الثورات وظهرت في الرفوف كتب الطب البديل وكتب الفطائر الشامية ومؤلفات التنمية الذاتية ومطبوعات مواجهة الأوبئة، حتى خيل للزائر أن من يفتح مكتبة يغلق عيادة.

لست من المتحمسين للقول المأثور «إلا مجابها القلم يجيبها القدم»، هذا القول الذي لطالما ركب الكسالى فوق صهوته وهم يركضون بعيدا عن الفصول الدراسية، ولا أنا ممن يرسخون في أذهان النشء صورة لعبة تقطر مالا.

لكن يبدو أن الخصام بين الكرة والكتاب قد وصل إلى حد لا يطاق، وأن مساعي المصالحة قد باءت بالفشل، ليس لأن الهدر المدرسي قد فعل فعلته في النشء الكروي، بل لأن سيرة ميسي ونيمار أكثر جاذبية من سيرة نيلسون مانديلا. 

صحيح أن من يحمل هم الكتاب الرياضي سيجد صعوبات في إقناع دور النشر بوجاهة مشروعه الفكري، وحين يقتنع الناشر لا يزيد نصيبه من الكتب على عشر مطبوعات يتوصل بها سرا كبضاعة مهربة.

أما الكتابة والتوثيق عند الفرق والعصب والجامعات، فتأتي في ذيل الاهتمامات، لأن الانتدابات والركض وراء كراسي المسؤولية وإبرام الصفقات، أولى من انتداب كاتب يزيل طبقات الغبار عن تاريخ يموت صناعه بالتقسيط.

أسفي على أمة «اقرأ» التي لا تقرأ.

 

حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى