حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

شوف تشوف

الرئيسيةتقاريردين و فكرفسحة الصيف

النبوات في التاريخ…. التاريخ والنصوص المقدسة

بقلم: خالص جلبي

 

تاريخ النصوص (ومنها التوراة والزبور والإنجيل والقرآن) تم بعد وصول الإنسان إلى اختراع الكتابة، ومنه يذكر القرآن (صحف) إبراهيم وموسى، أي أن كلاهما جاء بعد الكتابة، ولكن تاريخ الإنسان لم يبدأ منذ قبل خمسة آلاف سنة مع موعد اختراع الكتابة، بل يعود الرجعى إلى ملايين السنوات. وفي هذا الحقل بالذات،  يعمل علم آخر هو (الأنثروبولوجيا) علم الإنسان، فالتاريخ الإنساني الحديث نقل لنا بواسطة النصوص وبقايا الحضارة، التي اعتمدتها علوم التاريخ المساعدة مثل: اللغات ـ الفيلولوجيا، أو فقه اللغة (PHILOLOGY)ـ الخطوط ـ الوثائق ـ الأختام ـ الرنوك، وهي العلامات المميزة التي تظهر على الأختام والدروع أو على ملابس النبلاء والجند أو على الأعلام (HERALDRY) ـ النمنميات أو علم معرفة العملات وقطع النقود

(NUMISMATICS)ـ الجغرافياـ الاقتصادـ فنون الرسم والتصوير والنحت والعمارة، ولكن هل العثور على النصوص يحل الإشكالية التاريخية ويعطينا كل شيء عما حدث؟ للجواب عن هذا السؤال حاول العلماء القيام بعملية تفكيك ودراسة معمقة في محاولة للوصول إلى ما خلف السطور والكلمات، وهذا ما فعله الذين بحثوا تاريخ حضارات أمريكا الوسطى كما فعل المؤرخ تزفتيان تودوروف عندما حاول أن يستنطق النصوص الإسبانية لمعرفة ما خلفها في محاولة تعقب الحقيقة ومحاولة الاقتراب منها، للكشف عن هول المأساة التي حلت بشعوب القارتين، ومن هنا فإن ابن خلدون شق الطريق إلى علم جديد في الاتجاه التاريخي المقارن، في محاولة فهم ما خلف النصوص، ولم يعتمد على مجرد النقل مهما كان مصدره ثقيلا، وأحال الوقائع إلى الواقع حسب كلماته (أصول العادة وقواعد السياسة وطبائع العمران ومقارنة الذاهب بالحاضر والغائب بالشاهد)، فاعتمد بذلك الواقع مصدرا للمعرفة، وهي التي استفادت منه بعد ذلك الفلسفات الوجودية على طريقتها الخاصة؛ فصخرة أو شجرة أو جبلا أدل على نفسه من أي نص كتب عنه، لأن الواقع هو كلمة الله الحقيقة الأصلية التي لم تزور ولم تبدل حسب الهوى الإنساني وذيوله من التشيع والتحزب والضعف والقصور، الذي هو سمة مرافقة للنشاط الإنساني.

 

منهج البحث التاريخي

اعتمد المؤرخون منطقا صارما لتحري النصوص في محاولة للاقتراب من الحقيقة التاريخية، وفي هذا يقول الكاتب حسن عثمان في كتابه عن المنهج التاريخي ما يلي:

«منهج البحث التاريخي: هو المراحل التي يسير خلالها الباحث حتى يبلغ الحقيقة التاريخية ـ بقدر المستطاع ـ ويقدمها إلى المختصين والقراء، وتلخص هذه المراحل في جمع الأصول والمصادر، وإثبات صحتها، وتعيين شخصية المؤلف، وتحديد زمان التدوين ومكانه، وتحري نصوص الأصول، وتحديد العلاقة بينها، ونقدها نقدا باطنيا إيجابيا وسلبيا، وإثبات الحقائق التاريخية، وتنظيمها وتركيبها، والاجتهاد فيها وتعليلها، وإنشاء الصيغة التاريخية، ثم عرضها عرضا تاريخيا معقولا. وينبغي علينا أن نلاحظ أنه ليس المقصود بالحقيقة التاريخية الوصول إلى الحقيقة المطلقة، إذ إن هذا أمر غير مستطاع لعوامل مختلفة، مثل ضياع الأدلة وانطماس الآثار، وانحراف الأغراض والمصالح، ومن ذا الذي يمكنه أن يعرف الحقيقة المطلقة في الماضي، أو الحاضر؟ وهل يمكن للإنسان أن يعرف حقيقة ذاته تمام المعرفة؟ فالحقيقة التي يصل إليها المؤرخ هي حقيقة صحيحة نسبية، وكلما زادت نسبة الصدق فيه اقترب التاريخ من أن يصبح تاريخا بالمعنى الصحيح في حدود إمكانه». (كتاب منهج البحث التاريخي ـ تأليف الدكتور حسن عثمان ـ دار المعارف ـ ص: 216). وتاريخ الإنسان المكتوب الذي يمتد بضع آلاف من السنوات القليلة يمثل انفجارا نوعيا في حياة الإنسان، فكما بدأ الكون بالانفجار العظيم، قبل  13.6 مليارا من السنين، والانفجار البيولوجي على سطح الأرض قبل 530 مليون سنة؛ فإن الانفجار الحضاري بدأ قبل ستة آلاف سنة، ولحق بهذا انفجار العدد السكاني بذاته.

 

الانفجار الحضاري والانفجار السكاني

وهكذا فبعد أن كانت أعداد البشر قليلة على ظهر الأرض، قفزت إلى المليار الأول عام 1800 م، لتقفز إلى مليارين بعد 130 سنة فقط، ليسجل الإحصاء العالمي هذا الرقم عام 1930 م، أي أن الجنس البشري الذي يعيش على ظهر الأرض منذ ملايين السنين تكاثر عبر كل هذا الفترة الطويلة الممتدة من تاريخ الإنسان، ليحقق الرقم الملياري الأول في نهاية القرن السابع عشر، ولكن المليار الثاني اختصر عبر أقل من قرن ونصف القرن، أما المليار الثالث فقد أنجز بعد ثلاثين سنة فقط؛ فسجل هذا الرقم عام 1960 م، وقفز الرقم إلى أربعة مليارات بعد 15 سنة فقط (مؤتمر بودابست عام 1975 م) وتم الوصول إلى المليار الخامس بعد 13 سنة، فالجنس البشري يقذف بمعدل كل عقد ونيف اليوم مليارا من البشر (نحن حاليا دخلنا المليار التاسع). ومع كل شروق شمس تدفع الأرحام إلى الحياة مظاهرة صاخبة مرحة من صراخ 270 ألفا من الأجنة، ومع كل غروب شمس تبتلع القبور طابورا صامتا يلفه الحزن من البشر يقدر بـ140 ألفا، فيزداد الجنس البشري كل 24 ساعة أزيد من 130 ألف انسان جديد، وهذا التسارع ليس رقميا فقط، بل خلفه تكنولوجيا متطورة رهيبة (الذكاء الصناعي المخيف) فالجنس البشري يقلب ويقفز قفزة نوعية كاملة كل عقد من السنين في الوقت الراهن، في حين أنه بقي يعتمد القوة العضلية حتى بزوغ عصر الآلة، مما جعل المؤرخ البريطاني توينبي يرى أن الآلة كانت ستحرر الإنسان كما حرر الورق عقله، حتى لو لم تصدر قوانين إلغاء الرقيق، وهذا الكلام ينطبق على الأمم التي تمثل الطليعة الإنسانية. وقد يكون الرق ما زال يمارس في بعض بقاع الأرض بشكل محدود هامشي خجول لا يفصح عن نفسه، ولكن المسيرة الإنسانية استطاعت أن تنتهي من الرق ونظام العبودية، منذ أن بدأ الإسلام في حملة التجفيف الأولى لمستنقعاته، في هدف واضح لاستئصال هذا النظام الخبيث وشجرته من التاريخ، ولكن بكل أسف فإن المسلمين لم يكونوا الذين أعلنوا إلغاءه في العالم بنص قانوني نهائي، بل استطاع الأمريكيون أن يفخروا بهذا الإنجاز الذي تم في لهب ودموع ودماء الحرب الأهلية الأمريكية، في النصف الثاني من القرن التاسع عشر.  

 

نافذة:

الحقيقة التي يصل إليها المؤرخ هي حقيقة صحيحة نسبية وكلما زادت نسبة الصدق فيه اقترب التاريخ من أن يصبح تاريخا بالمعنى الصحيح في حدود إمكانه

 

 

حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى