حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

شوف تشوف

الرئيسيةتقاريرثقافة وفنفسحة الصيف

 تلك الاختراعات التي نحيا بها….. جول فيرن الروائي الذي ألهم المخترعين

(2) 

شهد تاريخ الاختراعات والابتكارات العلمية قصصا طريفة ومذهلة. قصص سجلت لنا تاريخ رجال ونساء اقتحموا مجال المجهول مكتشفين ومغامرين أحيانا، سنَدُهم الإيمان الشديد بأفكارهم الجريئة وعزمهم القوي على تحقيقها، مهما كلفهم الأمر من تضحيات جسام وصراعات قوية في مواجهة ذواتهم وعصرهم. هذه الاختراعات التي نحيا بها اليوم وتكاد أن نألفها وأن نعتبرها أنها كانت دائما موجودة بيننا، منذ أن كان الإنسان. قد يكون من الوفاء أن نعود إلى أصحابها وإلى هذه الاختراعات، التي ما زلنا نحيا بها اليوم.

 جول فيرن.. الروائي الذي ألهم المخترعين  

 

يعد جول فيرن (1828-1905) Jules Verne الروائي والأديب الفرنسي بإجماع مؤرخي الأدب، المؤسس الحقيقي والفعلي لأدب الخيال العلمي. الغريب في الأمر أن رواياته الخيالية تضمنت العديد من الأفكار التي سبق معاصريه إليها، فقد عرف عنه سعة الخيال والقدرة على التنبؤ باختراعات المستقبل بتفاصيل مذهلة. ولد جول فيرن في مدينة نانت الفرنسية، كان أبوه محاميا حرص على توجيهه إلى دراسة القانون، وبالفعل نجح جول فيرن في دراسته، لكنه سرعان ما غير رأيه في مهنة المحاماة وعمل في البورصة ليكسب عيشه.

 

أفكار سابقة لزمانها

منذ طفولته، كان يحب قراءة كتب المغامرات وقصص الرحالة الكبار. بدأت مبكرا محاولاته في كتابة قصص المغامرات، التي نسجها من خياله وأرسلها إلى صحيفة في باريس ففوجئ بنشرها وإقبال القراء، ما دفع الصحيفة إلى أن تطلب منه المزيد من القصص والحكايات، وبذلك بدأت الخطوات الأولى لمن يوصف عادة بمؤسس أدب الخيال العلمي.

إن أهم أفكاره التي تنبأ بها حدسه العلمي مثل صعود الإنسان إلى القمر واختراع الليزر، والغوص في أعماق المحيطات وغزو الفضاء، والارتفاع ببالونات الاختبار، وأكثر من ذلك أن له روايات وأفكارا لم يستطع العلم اللحاق بها حتى اليوم، مثل فكرة الحفر حتى مركز الأرض واكتشاف أعماقها، واختراع مادة مضادة للجاذبية، والسفر عبر الزمن، وبناء مدن في قيعان البحار.

ومن الأمور المثيرة للدهشة أن معظم روايات جول فيرن تطابقت بدقة كاملة مع الواقع الذي أتي بعدها، ففي روايته «رحلة من الأرض إلى القمر» على سبيل المثال رأى أن الأمريكيين هم الأكثر قدرة والأجدر على تحقيق هذا الإنجاز، بل ذهب إلى ترشيح مكان انطلاق الرحلة. أما فكرة روايته «خمسة أسابيع في منطاد» فتحققت على يد العالم والمكتشف السويسري، أوغست بيكارد، الذي ارتفع إلى حدود الغلاف الجوي ببالون هيليوم مغلق… كما تنبأ بفكرة الليزر في روايته «الشعاع الأخضر»، في حين يعترف مخترع الغواصة الحديثة، بأنه اقتبس بالكامل فكرة اختراعه من رواية جول فيرن الشهيرة «20 ألف فرسخ تحت البحر»، التي صور فيها بدقة غواصة تحمل اسم «نوتيلوس»، وقائدها الكابتن نيمو.

ولا تنحصر حكايات جول فيرن فقط في الزمن القريب، فهو على سبيل المثال يقفز من القرن التاسع عشر إلى القرن التاسع والعشرين في روايته المدهشة «يوميات صحفي أمريكي»، التي تصف مدينة نيويورك في ذلك الوقت البعيد، وكيف وصل علو ناطحات السحاب الشاهقة التي لم يكن لها أي وجود في زمنه، وكيف أمكن التحكم في الطقس وهطول الأمطار، وكيف تتحرك فيها حشود من البشر في الشوارع في كل اتجاه… أما بطل الرواية فيعمل مراسلا في جريدة توزع ثمانين مليون نسخة، ويقدم تقاريره الإخبارية من كوكب المشتري والمريخ وله علاقات جيدة مع سكان الكواكب الأخرى …ومن المؤكد هنا أن جول فيرن لا يملك فقط القدرة على التنبؤ بالمستقبل كما قد يزعم بعض النقاد وكتاب السير، ولكنه في المقابل يملك قوة أهم من ذلك، تتمثل في قدرته على تحفيز الخيال وإرشاد الأجيال التالية لما يمكنهم تحقيقه مستقبلا… فروايته «رحلة من الأرض إلى القمر» لم تكن فقط نبوءة بوضع أول رجل على سطح القمر، بقدر ما كانت ملهمة ومرشدة للمشروع الأمريكي أبولو في رحلة الصعود المثيرة إلى القمر. أخيرا شكلت كتابات جول فيرن حلقة مهمة في سلسلة من الاختراعات والاكتشافات، فمخترع جهاز الراديو الإيطالي ماركوني يقول عنه: «صوّر جول فيرن للناس رؤى محببة تمنوا أن يفعلوا مثلها وحفزتهم على محاكاتها». أما ريتشارد إِيفلين بيرد، مكتشف القطب الجنوبي، فيعترف: «لقد كانت مؤلفات جول فيرن فوق القطب الجنوبي ترشدني أثناء رحلتي».

 

خيال علمي واسع

لقد تحقق لجول فيرن وبلا منازع أن يكون رائدا لرواية الخيال العلمي في العالم قاطبة. لقد تأتى له ذلك بفضل قدرته على المزج بين المغامرات الشيقة والمحببة للقراء وخياله الواسع، الذي يستند إلى معرفته القوية بالتفاصيل الجغرافية والأسس العلمية، التي يبني بها خياله العلمي واستشرافه للمستقبل واطلاعه الكبير على المستجدات العلمية في عصره، التي أوحت له بالكثير من الابتكارات والاختراعات التي يمكن أن تتحقق في المستقبل البعيد. لذلك ما زال جول فيرن يذهل القارئ اليوم بالكم الكبير من توقعاته العلمية، التي تخيلها في القرن التاسع عشر ولم تتحقق بعضها، إلا في أواخر القرن العشرين، وأخرى ما زالت مرشحة للتحقق قريبا، أو بعيدا في المستقبل كما هو الشأن في روايته «رأس على عقب»، التي تناول فيها ظاهرة الاحتباس الحراري…

حياة جول فيرن، وخاصة في سنواته الأخيرة لم يكن راضيا تماما عن ما أنجزه من أعمال أدبية خالدة، فرغم شهرته الواسعة والإقبال الكبير للقراء على روايته ونيله وسامين تقديريين من الحكومة الفرنسية، فقد كان يرى أنه لم ينل التقدير الكافي من المجتمع والوسط الأدبي الفرنسي، الذي لم ينظر إليه كاتبا وأديبا في مصاف الكتاب الكبار أمثال فيكتور هوغو وغيره، حيث فشل في أن يصبح عضوا في الأكاديمية الفرنسية. كان جول فيرن يعتبر اهتمامه بالمخترعات تعبيرا عن روحه الإنسانية، فقد كان يعتقد في قرارة نفسه أنها ستسهم في إسعاد الإنسان وتقدم الإنسانية بصفة عامة، إلا أنه أدرك في ما بعد الوجه الآخر بهذا التقدم العلمي والتكنولوجي، ورأى من جانبه أن يحذر من المخاطر التي استشرفها بحدسه وقوة نظره، ففي روايته الأخيرة «منارة في آخر العالم» التي هي بمثابة وصية يكتب: «حسنا… الآن إذ يحل زمن التقاعد، لا أجدني أرغب لنفسي في شيء أفضل من أن أكون حارس منارة… وأي منارة! منارة في آخر العالم».

 نافذة:

من المؤكد هنا أن جول فيرن لا يملك فقط القدرة على التنبؤ بالمستقبل كما قد يزعم بعض النقاد وكتاب السير ولكنه في المقابل يملك قوة أهم من ذلك تتمثل في قدرته على تحفيز الخيال وإرشاد الأجيال التالية لما يمكنهم تحقيقه مستقبلا

 

 

حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى