حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

شوف تشوف

الرأيالرئيسية

انقلاب داخل الانقلاب

على رغم كل الوساطات التي بذلتها أطراف داخلية وخارجية، انفجرت المواجهة بين رئيس مجلس السيادة الذي يتولى قيادة الجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان، ونائبه الفريق أول محمد حمدان دقلو «حميدتي»، الذي يتولى قيادة قوات الدعم السريع. وتاليا غرق السودان في حرب أهلية جديدة لا أحد يمكنه التكهن بكم ستطول، نظرا إلى ما يتمتع به كل جانب من قوة وإمكانات.

ما يحدث في السودان الآن هو انقلاب داخل الانقلاب، بعدما وصلت الأمور إلى استحقاقات كانت توجب على كل من البرهان ودقلو تقديم تنازلات مؤلمة، في إطار الاتفاق الإطاري الذي كان من المفترض أن يتم التوقيع عليه في 6 أبريل الجاري، تمهيدا لمرحلة انتقالية تؤدي إلى انتخابات تفرز حكومة مدنية. لكن الخلافات بين الجنرالين بدت عصية على الاحتواء.

تصادم المصالح بين البرهان ودقلو أهدر الفرصة التي لاحت أمام السودانيين للانتقال بالبلاد إلى الحكم المدني، بعد سقوط نظام عمر البشير في مثل هذه الأيام من عام 2019. وأصلاً حال الجيش بمساندة قوات الدعم السريع، بعد إسقاط نظام البشير، دون الذهاب مباشرة إلى الانتخابات. واقتضت مصلحة البرهان والبشير أن يقفا معا ضد القوى المدنية التي تظاهرت مطالبة بحكومة مدنية فورية. وقادا معا الانقلاب على حكومة عبد الله حمدوك، في 25 أكتوبر 2021.

ومنذ الانقلاب على المكون المدني بمجلس السيادة في 2021، والسودان يُحكم برأسين. أي أن البرهان كان يتصرف كرئيس للسودان، داخليا وعلى صعيد العلاقات الخارجية. وأيضا، كان دقلو يتصرف على أنه الزعيم الفعلي للبلاد، يقوم بزيارات خارجية ويستقبل المسؤولين الذين يزورون الخرطوم.

لا شك في أن الاتفاق الإطاري كان نقطة مفصلية في المفاوضات نحو تحديد دور العسكريين في المرحلة المقبلة. وبدا أن ثمة تسليما من جانب البرهان بأن الأمور وصلت إلى نقطة حاسمة، ولا بد من تقديم تنازل معين أمام الضغوط الداخلية وضغوط القوى الخارجية، فكان قبوله بأن يتولى مدني رئاسة الحكومة في المرحلة الانتقالية، وأن يتراجع الجيش خطوة إلى الوراء. وتبقى آمال البرهان بلعب دور رئيسي في ما بعد الانتخابات أمرا واردا.

أما بالنسبة إلى دقلو فإن الإلحاح عليه بدمج قوات الدعم السريع في الجيش، خلال عامين، من شأنه أن يضعف من دوره مستقبلا، ولذلك طالب كضمانة للاستمرار في ممارسة النفوذ بأن تطول عملية الدمج إلى عشرة أعوام، فضلا عن اشتراطه تولي منصب كبير في ما بعد انتهاء المرحلة الانتقالية.

لم تعد المسألة في السودان محصورة بين جنرالات طامعين بالسلطة ومواطنين يطالبون بالحكم المدني، بل هو الصراع داخل القيادات العسكرية نفسها.

إن كلا من البرهان ودقلو قرر خوض مواجهة أخيرة لتثبيت مكاسبه في المرحلة التي تلت سقوط نظام البشير، وليس أي منهما غير مستعد للتنحي جانبا.

لكن المواطنين السودانيين العاديين هم الذين يدفعون مجددا الثمن، في وقت يمر الاقتصاد بأوقات صعبة جدا. وهذا ما يرتب مزيدا من الإنهاك للناس الذين عانوا كل صنوف المآسي والكوارث من الحروب الأهلية المتكررة، منذ استقلال السودان عام 1956.

ويتحمل المجتمع الدولي أيضا المسؤولية في ما آلت إليه الأمور بالسودان، لأن الدول القادرة على التأثير على الجنرالات بعد إسقاط البشير، تلكأت في ممارسة ما يكفي من ضغوط على العسكريين للانتقال إلى الحكم المدني في فترة معقولة، وعدم إتاحة المجال للمناورة وشراء الوقت كما حصل منذ أربعة أعوام وحتى الآن.

وخلاصة القول إن السودان عاد إلى الحرب الأهلية، فيما الانتقال إلى الحكم المدني بات أبعد كثيرا مما كان يُعتقد.

أسعد عبود

حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى