حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

شوف تشوف

الرأيالرئيسيةسياسية

تبرعات و«مُبرَّعون»..

 

 

يونس جنوحي

 

الله وحده يعلم ماذا وقع لمكتب في قلب مدينة نيويورك، كان المغرب يتخذه مقرا للتعريف بالقضية المغربية ما بين سنوات 1950 و1952.

منشورات هذا المكتب المغربي (المكتب المغربي للإعلام والتوثيق-Moroccan Office of Information and Documentation) صدرت باللغة الإنجليزية في تلك الفترة، موجودة كلها، اليوم، في أرشيف بلدية نيويورك، وهي عبارة عن «كتب» متوسطة الحجم، تحمل صور السلطان محمد بن يوسف -قبل اعتماد لقب الملك- وتضم في صفحاتها معلومات تعريفية بالمملكة الشريفة، وترتيب الملوك العلويين، وملامح من حياة السلطان داخل القصر الملكي في الرباط وما كان يواجهه من مضايقات من طرف الإقامة العامة الفرنسية.

هذه المنشورات تقدم رؤية مغايرة لبعض الوقائع التاريخية غير المطروقة عندنا في المغرب. وكلها تكشف أن العلاقة بين القصر والمقيم العام لم تكن ودية نهائيا.

لكن لماذا يتخذ المغرب مكتبا في مدينة «نيويورك» الأمريكية، منذ ذلك التاريخ، للتعريف بالقضية الوطنية، استقلال المغرب، عالميا؟

من بين الأسباب أن أغلب الدول العربية كانت إما مستعمرة وإما أنها خرجت من حالة الاستعمار إلى حالة مد القومية العربية. وهذا المد حال دون وصول قضية المغرب إلى الأمم المتحدة. حتى أن السياسي والمثقف المغربي الكبير محمد بن الحسن الوزاني، أول مغربي يحصل على دبلوم الدراسات في العلوم السياسية من السوربون في ثلاثينيات القرن الماضي، رافع بقوة لكي يصل مطلب المغرب بالاستقلال إلى منصة الأمم المتحدة.

استثمر الوزاني، مؤسس حزب الشورى والاستقلال، علاقته بزملائه الطلبة القدامى الذين درس معهم في فرنسا. وعندما أنهوا دراستهم عاد هو إلى المغرب لكي يكافح من أجل تأسيس حزب وطني انقسم حتى قبل تأسيسه، بينما زملاؤه المصريون وجدوا كراسي وزارة الخارجية ورئاسة الوزراء ورئاسة الجامعة العربية في انتظارهم.. وهكذا أقنعهم بضرورة تبني القضية المغربية وطرحها أمام الدول الأعضاء..

وفي تلك الفترة، نهاية الأربعينيات تحديدا، وُلدت فكرة هذا المكتب المنسي الذي يجب أن يكون اليوم جزءا من تاريخ المغاربة المشترك.

بعد أشهر من البحث، والاتصالات، اتضح أن المكتب تبخر ولم يعد هناك وجود لأي أثر يدل على نشاطه الوطني سابقا.. والحمد لله أن منشوراته وجدت طريقها نحو التوثيق لتصبح جزءا من أرشيف مدينة نيويورك، ورهن إشارة الباحثين، وحتى الفضوليين..

لماذا لم يتم الاهتمام بهذا المكتب بعد استقلال المغرب؟ خصوصا وأن سفارتنا في واشنطن كانت من بين السفارات الأولى التي فتحها المغرب سنة 1956. كان يتعين على الأقل أن تتكلف سفارة المغرب في واشنطن. والله يعلم الظروف التي حالت دون العناية بهذا المكتب.. سيما أن أول سفير مغربي في الولايات المتحدة هو الدكتور المهدي بن عبود، وهو أحد المثقفين المغاربة اللامعين.. ويُفترض أن تكون ثمة عناية بموضوع هذا المكتب في عهده.

يستحق المغاربة أن يعرفوا المزيد عن هذا الجزء المنسي من تاريخنا المشترك، وأن نعرف أيضا من كان وراء مبادرة من هذا النوع. إذ أن المغرب، في فترة بداية الخمسينيات، لم تكن لديه قناة رسمية مسؤولة لكي تفتح المكتب بشكل رسمي.. ولا بد أن الأمر يتعلق بمبادرة أدى الوطنيون ثمنها من مالهم الخاص. وهنا مربط الفرس.

هل تعرفون حجم المبادرات التي مُولت من التبرعات التي دفعها الذين آمنوا بالقضية الوطنية أيام الحماية؟ لقد شارك التجار والعمال المغاربة الأوائل الذين بنوا أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية، واقتطعوا من خبز أبنائهم ومدخراتهم الشخصية، وأرسلوا الحوالات تلو الأخرى لكي يجمعوا المال لشراء سلاح المقاومة وتذاكر طيران الوطنيين للتعريف بالقضية المغربية..

لقد تبرع المغاربة بجلود أضاحي العيد وباعوا أراضي العائلة، لتمويل الحركة الوطنية وخلايا المقاومة ما بين 1953 و1955. وبعد الاستقلال، اقتسم الذين حصلوا على التبرعات الكعكة، وأصبحوا هم «المْبرعين» الحقيقيون. وبقية القصة تعرفونها بكل تأكيد!

حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى