
زينب بنموسى
بمجرد أن يبدأ نقاش أو حرب أو خلاف على أرض الواقع، تبدأ بالموازاة معه حرب افتراضية أخرى، السلاح فيها هو الهاشتاغ، والخاسر فيها من يجمع عددا أقل من المشاركات والجيمات، أما الرابح، بالإضافة طبعا لمؤسسي مواقع التواصل، فهم أصحاب بعض المواقع مثل hashtagbattle التي تسجل نسبة دخول عالية في هذه الفترات من أجل الحصول على الإحصاءات الجديدة، ومعرفة الهاشتاغ المتصدر.
المخيف في حرب الهاشتاغات أكثر من الحرب نفسها هو أن ضحاياها لا يمكن حصرهم بالأعداد، ونتائجها لا يمكن تقدير امتدادها في الوقت، فإن كانت الحروب في السابق تقوم على المواجهة في الساحة من جهة والمواجهة الفكرية من جهة أخرى، ويشحذ لها كل طرف جيشا من الأفكار ضد غريمه بحيث يؤدي التبارز الفكري إلى خلق عدة تيارات، مساند، ومعارض، ومن يمسك العصا من النصف ويجمع بين أفكار هذا الطرف وذاك، وغالبا هو من يعول عليه لإيجاد أرضية مشتركة من أجل الوصول لحل يرضي الطرفين، فحرب الهاشتاغات على مواقع التواصل الاجتماعي لا تعترف بالحل الوسط، ولا يوجد في قاموسها إلا اللونان الأبيض والأسود، ولا يمكن لأي قضية ينصرها أصحابها بالهاشتاغ، إلا أن «تتسطح» وتقسم الجمهور كله بمن فيه المحايدون لي ما ليهم والو فهادشي كلو، إلى مناصر وخائن، دون الأخذ بعين الاعتبار اللون الرمادي الذي ربما يستطيع لو أعطيت له الفرصة أن يوحد بين الموقفين ويستطيع ربما أن يخلق فارقا حقيقيا على أرض الواقع.
إذا كنت شجاعا بما يكفي، جرب أن تعبر على تويتر أو على فيسبوك أو حتى على أنستغرام عن أي موقف آخر باستثناء أنك تدعم القضية الفلسطينية، وحماس وكتائب القسام دعما كاملا غير مشروط وستتم «هشتغتك» أنت الآخر، وكيل الضربات لك وكتابة ما تيسر من الستاتوهات ضدك، والغالب أن هذا ما يحصل لدى الطرف الثاني أيضا، فليجرب إسرائيلي أو مناصر لإسرائيل كتابة موقف يتخلله شيء من الحياد وسيتم وضعه هو الآخر بين علامتي الهاشتاغ حتى يندم علاش هضر كاع.
ما كان يعتبر في السابق تعصبا، وكان يتم رفضه وعزل أصحابه، أصبح الآن هو الطبيعي، فلا وجود لموقف
محايد إما أن تشارك هاشتاغ أنقذوا غزة، أو تشارك هاشتاغ أنقذوا إسرائيل أو تصمت وتتقي شر المعسكرين، أو تقدم على عملية انتحارية تعبر فيها عن رأي متزن تطالب فيه بإنقاذ المدنيين من الطرفين وحقن الدماء، وإيقاف هذه الحرب التي تأكل أبناءها منذ سنين، لا لأنك تتماهى مع ما تفعله إسرائيل، ولا لأنك توافق على إيديولوجيات حماس وكتائب القسام، ولكن فقط لأن الأصل هو الانتصار للإنسانية ولأرواح العزل أيا كان انتماؤهم، وستصبح بنقرة زر أنت هو الهاشتاغ الجديد. مبروك عليك!
ولكن كما يقول المثل المغربي «ما حاس بالمزود غير لي مضروب بيه»، وبالتالي فمن الطبيعي أن يواصل شخص يعيش في أمان، لا تحلق أي صواريخ فوق رأسه، ولا تهدد رصاصة طائشة حياته مشاركة الهاشتاغات، وتخوين من لا يساعده في إيصالها للطوندونس، وصعيب تقنعو بأن مشكل فلسطين لن يتم حله لا بالتضامن الافتراضي، ولا بتخوين المحايدين، بقدر ما يمكن حله بوساطة الدول المحايدة، وتشجيع الطرفين على تغليب الحوار والبحث عن السلام بدل احتراف الحرب والمتاجرة بأرواح المدنيين، وإضافة الحطب إلى النار.



