حوادث في معسكرات الكرة
بعيدا عن الملاعب.. فواجع في تجمعات الأندية والمنتخبات

يتوخى المدربون من معسكرات التدريب خلق مناخ الانسجام بين اللاعبين والأطر التقنية، وغالبا ما يكون نجاح التجمعات التدريبية مقرونا بقدرة القائمين عليها على تحويلها من مجرد فضاء للكرة يلقن فيه المدرب دروسه التقنية للاعبين إلى فضاء لنسج علاقات ود وتآزر بين مكونات الفريق من لاعبين وأطر تقنية وإدارية وطبية ومسيرين وإعلاميين، إلى فضاء عائلي يسكنه الانسجام والتآخي.
لكن أحيانا تتسلل إلى تجمعات الفرق طوارئ لا تكون في الحسبان، تنشر الحزن والألم وتجعل التركيز على المباريات مؤجلا. في تاريخ الكرة المغربية فواجع جديدة بسبب حوادث عرضية لم تكن في الحسبان.
ما زال بهو فندق سميراميس في بيروت يحتفظ بصور المنتخب المغربي، خلال أول تجمع خارجي لأول فريق وطني بعد حصول المغرب على استقلاله، ومشاركته في البطولة العربية التي احتضنتها لبنان. في هذا الفندق حصلت اصطدامات بين لاعبي الفريق الوطني وصل صداها إلى الصحافة اللبنانية، وكانت لها انعكاسات على مسار الفريق المغربي.
اليوم يخشى القائمون على تجمعات المنتخبات الوطنية من هروب اللاعبين واختفائهم، حين يتعلق الأمر بمعسكرات خارجية في أوروبا أو أمريكا. إلا أن الضربات الموجهة التي تهدد استقرار الفرق هي الحوادث التي لا تكون في الحسبان فتتحول إلى مادة دسمة للإعلام.
الملف الأسبوعي لـ”الأخبار” يسلط الضوء على أبرز الحوادث التي شهدتها تجمعات الأندية والمنتخبات، وانعكاساتها على المناخ العام لمعسكرات يراد منها رفع درجة الاستنفار وخلق جو يسوده الانسجام والتآزر.
حسن البصري
مدرب الوداد ومساعدوه في المستعجلات بسبب حادث مروري
تعرض محمد أمين بنهاشم، مدرب الوداد الرياضي لكرة القدم، بالإضافة إلى عبد الرزاق هيفتي، طبيب الفريق، وعلي العمري، المسؤول عن التنقيب عن المواهب، ويوسف الدباغ، المسؤول الرياضي، لحادث سير خطير في العاصمة الأمريكية واشنطن، في يوم راحة للاعبين وباقي مكونات البعثة الودادية المشاركة في مونديال الأندية بالولايات المتحدة الأمريكية.
لم يكن أحد يعتقد أن جولة في العاصمة الأمريكية للتسوق ستتحول إلى فاجعة كادت أن تنهي حياة أفراد الطاقم الودادي، بعد أن اصطدمت السيارة التي كانت تنقلهم، بشجرة في إحدى المنعرجات بفعل السرعة التي كانت تسير بها.
نقل المصابون على وجه السرعة إلى مستشفى سيريبين، في ولاية ماريلاند. ووفقا لمصادر مقربة من النادي الأحمر، فقد استعاد المدرب بنهاشم وعيه فور وصوله إلى غرفة الطوارئ، وخضع لسلسلة من الفحوصات الطبية لتقييم حالته، وهو الذي كان يجلس في المقعد الأمامي. أما الدكتور عبد الرزاق هيفتي، طبيب البعثة، فقد خرج سالما من الحادث، رغم خطورته إلى جانب كل من العمري والدباغ، وكانوا يجلسون في المقعد الخلفي، بينما تكبد السائق كدمات متفاوتة الخطورة.
ووفقا للتقارير الطبية، فإن كلا من هيفتي والدباغ تعرضا لخدوش بسيطة في القدم واليد اليسرى، مع إصابة في الظهر بالنسبة إلى طبيب نادي الوداد الرياضي، في حين أصيب العمري في اليد، وهو الأمر الذي دفعهم إلى مغادرة المستشفى في وقت وجيز، بعد أن أثبتت الفحوصات الطبية بالأشعة عدم خطورة الوضع، فتم الاكتفاء بالإسعافات الأولية وبعض الفحوصات.
أما بخصوص المدرب أمين بنهاشم فقد تعرض لغيبوبة مباشرة بعد الحادث، واستعاد وعيه عقب الدخول إلى المستشفى، بعد أن أصيب على مستوى الرأس كما تعرض لخدوش في الوجه وكدمات متفاوتة ما عجل بإخضاعه لفحوصات، وتم الاحتفاظ به في المستشفى إلى غاية حصول انفراج في حالته الصحية.
وكشفت مصادر “الأخبار” أنه بعد نقل المصابين إلى المستشفى الذي يبعد عن مكان إقامة الوداد بـ20 دقيقة، حل على وجه السرعة هشام أيت منا، رئيس الفريق، وأشعر من طرف إدارة المصحة بأن الاتحاد الدولي لكرة القدم هو الذي يتكلف بفاتورة هذا الحادث المروري.
وحل يوسف العمراني، سفير جلالة الملك بواشنطن، بالمستشفى للاطمئنان على الوضع الصحي للمصابين، كما قدمت سفارة المملكة المغربية بالولايات المتحدة الأمريكية كل الدعم لبعثة نادي الوداد الرياضي في هذا الحدث المؤسف.
ويأتي هذا الحدث المؤلم في وقت حساس للوداد، وفي جو يهيمن عليه الغضب الودادي بعد الخسارة أمام كل من مانشستر سيتي الإنجليزي وجوفنتوس الإيطالي.
بعد مرور دقائق على الحادث، تنقلت وسائل التواصل الاجتماعي خبر الحادث، لكن المكتب المسير للوداد استشعر الانفلات الإعلامي في معالجة هذا الطارئ، فاضطرت إدارة الوداد لإصدار بلاغ تصدى من خلاله للشائعات التي اخترقت وسائل الإعلام، إذ أعلن نادي الوداد الرياضي، عن وقوع حادث مروري خفيف كان من بين أطرافه مدرب الفريق الأول أمين بنهاشم، إلى جانب يوسف الدباغ، والدكتور هيفتي، والإطار التقني علي. وأكد النادي، في بلاغ رسمي، أن الحادث لم يسفر عن أي إصابات خطيرة، وأن جميع المعنيين في حالة صحية جيدة، ويتلقون العناية اللازمة.
وأشاد بلاغ نادي الوداد بالتدخل السريع والمهني للسلطات المختصة، مشيدا باستجابتها الفورية وتعاملها الفعال مع الحادث، كما نوه بالحضور الفوري لممثلي الاتحاد الدولي لكرة القدم “فيفا”.
وفي ختام بلاغه، دعا النادي جماهيره إلى عدم الانسياق وراء الشائعات أو تداول معلومات غير دقيقة، مؤكدا أن الوضع تحت السيطرة، ولا يدعو للقلق.
صيف 2018.. موسم حوادث لاعبي المنتخب المغربي
لم تكن إدارة المنتخب الوطني المغربي تظن أن معسكر مراكش سينتهي بفواجع، ولم يكن لاعب الفريق الوطني أمين حاريث سيتحول من لاعب أساسي في تشكيلة المدرب وحيد خاليلوزيتش إلى عنصر في محاضر الاتهام بالمحكمة الابتدائية بمدينة مراكش، التي أدانته بأربع سنوات سجنا موقوفة التنفيذ مع غرامة مالية مبلغها 8600 درهم، في قضية حادثة السير التي وقعت بشارع 11 يناير بالمدينة الحمراء وأودت بحياة شاب مراكشي.
تحول الصحافيون من معسكر المنتخب ومحيطه ورابطوا أمام الغرفة الجنحية المكلفة بحوادث السير بالمحكمة الابتدائية بمراكش، وهناك من لاحق أسرة اللاعب الذي تم الإفراج عنه بعد الحادثة بعد أداء كفالة مالية مقدرة في مليون ستنيم، لتتم متابعته في حالة سراح، كما تم تأجيل جلسة المحاكمة في أكثر من مرة قصد إتاحة الفرصة لشركة التأمين للاطلاع على المطالب المدنية لورثة الهالك الذين نصبوا أنفسهم كطرف مدني في القضية.
كان حاريث متابعا في حالة سراح لوجود جميع الضمانات التي يخولها القانون، بتهمة عدم احترام السرعة القانونية، وعدم اتخاذ الاحتياطات اللازمة لتقادي حادثة السير والقتل الخطأ، على اعتبار أنه كان يسير بسرعة جنونية. وعلى الفور طالبت المحكمة من اللاعب وضع جواز سفره لدى السلطات القضائية منعا لأي سفر خارجي ولو رفقة المنتخب المغربي الذي كان يعسكر في مراكش استعدادا للمنافسات القارية.
لم تصدر الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم أي بلاغ رسمي في النازلة، وبادرت عائلة اللاعب المغربي بتقديم فروض العزاء لعائلة الضحية، البالغ من العمر 28 سنة، والذي دهسته السيارة التي كان يقودها اللاعب الدولي بمدينة مراكش، بل إن بعض أفراد عائلة اللاعب حضروا عزاء الشاب رفقة محاميه. في المقابل، عبر نادي “شالكه” الألماني، عن دعمه ومساندته للاعب الأسود في محنته، كما تقدم بالتعازي أيضا لأسرة الضحية.
وكانت وكالة الأنباء الفرنسية أول من تحدث عن وجود مفاوضات بين عائلة اللاعب وعائلة الشاب القتيل، تقتضي بتقديم تعويض مقابل مادي مقابل صلح توافقي بين الطرفين، وهو ما نفاه الطرفان.
وكان أمين حاريث وعدد من لاعبي “الأسود”، قد اختاروا قضاء عطلتهم بالمدينة الحمراء مباشرة بعد إقصاء المغرب من دور مجموعات كأس العالم روسيا 2018، ويتعلق الأمر بكل من فيصل فجر وحكيم زياش..
سيتعرض متوسط ميدان المنتخب المغربي، امبارك بوصوفة إلى حادثة سير “متوسطة الخطورة”، بنفس المدينة، حين غادر بوصوفة معسكر الفريق الوطني بمراكش للتجوال رفقة أحد أقاربه بسيارته الخاصة، قبل أن يصطدم بدراجة نارية لعدم احترامها إشارات المرور.
لم يخلف الحادث أي خسائر مادية أو بشرية، ليتمكن اللاعب المغربي من حل المشكل وديا مع سائق الدراجة، استغربت إدارة المنتخب من وجود عميد الفريق الوطني في جولة خارج المعسكر ليلة التوجه نحو مصر لخوض نهائيات كأس أمم إفريقيا 2019، وهو ما صنف في خانة الانفلات.
حادثة سير تنهي حياة أسامة فلوح لاعب المنتخب الأولمبي والوداد
في 11 أكتوبر 2023، تعرض لاعب نادي الوداد الرياضي والمنتخب الأولمبي المغربي، أسامة فلوح، لحادثة سير خطيرة، جعلته أسير غرفة العناية المركزة بأحد المستشفيات الخصوصية بالدار البيضاء.
وقعت الحادثة بأحد شوارع الحي المحمدي بالدار البيضاء، إثر اصطدام سيارته بشاحنة كبيرة كانت متوقفة على جنبات الطريق وكانت الرؤية تحجبها عن العابرين. كان فلوح يستعد للسفر إلى الزمامرة للانضمام لمعسكر الفريق الدكالي بعد أن وضعته إدارة الوداد رهن إشارة الفريق السماوي على سبيل الإعارة.
بعد الاصطدام القوي، جرى نقل فلوح ومرافقه إلى أقرب مصحة من موقع الحادثة، ودخلا سويا غرفة العناية المركزة.
أسلم أسامة فلوح، لاعب الوداد الرياضي لكرة القدم، روحه إلى بارئها بعد ثلاثة أسابيع من تعرضه للحادثة، حيث خضع لعمليتين جراحيتين عقب إصابته بكسر في العنق والصدر، ونزيف في الرأس. وأعلن الطاقم الطبي للمستشفى أن فلوح توفي “رغم المحاولات المضنية لإنقاذ حياته، لكن جسم اللاعب لم يستجب للعلاج”.
حل عدد كبير من أنصار الوداد الرياضي، بالمستشفى بالإضافة إلى أعضاء من المكتب المسير للوداد، ومسؤولين ولاعبين من أندية وطنية، فضلا عن لاعبي الوداد الذين حلوا بالمستشفى مباشرة بعد عودة الفريق من تونس.
وكان فلوح صرح، خلال تقديمه رفقة الوافدين الجدد على الوداد، بأنه سيعمل مع أصدقائه من أجل التتويج بجميع المنافسات الممكنة ذاك الموسم.، وهو الأمر الذي وعد به لاعبو الوداد الذين أكدوا، في تصريحات مختلفة، على أنهم سيعملون من أجل التتويج وإهداء الألقاب إلى روح الفقيد.
وقال النادي المغربي في بيان عبر حسابه الرسمي “بأسى وأسف عميقين تلقى المكتب المديري لنادي الوداد الرياضي نبأ وفاة اللاعب الخلوق أسامة فلوح”.
أخميس.. غادر معسكر نهضة بركان فسقط في فج عميق
لقي لحسن أخميس، لاعب وسط فريق نهضة بركان لكرة القدم مصرعه، في الساعات الأولى من صباح الجمعة سادس يوليوز 2018، إثر حادثة سير ناتجة عن سقوط سيارته في فج عميق غير بعيد عن الجماعة القروية صاكا، التابعة إداريا لإقليم الدريوش.
وحسب محضر سرية الدرك بالمنطقة، فإن سائق السيارة التي هي في ملكية أخميس، وهو من جيرانه وأقرب أصدقائه، قد فقد التحكم في السيارة بسبب منعرج خطير يعتبر نقطة سوداء في المنطقة، فهوت في منحنى جبلي. وأضاف التقرير أن الحادثة وقعت في حدود الساعة العاشرة والنصف ليلا، وأن إشعار سرية الدرك بها لم يحصل إلا في حدود الساعة السابعة والربع صباحا من طرف أحد مستعملي الطريق، الذي اتصل هاتفيا بدرك صاكا وأخبره عن وجود سيارة في سفح هضبة.
وتبين من خلال المعاينة الأولية لفريق الإنقاذ بأن لحسن قد لفظ أنفاسه، وأن رفيقه في حالة غيبوبة، فتم نقلهما معا إلى المستشفى الإقليمي بالدريوش، حيث دخل الأول مصلحة التشريح، بينما أحيل الثاني على غرفة العناية المركزة.
ظل هاتف لحسن خارج الخدمة طيلة ساعات الفاجعة، فانتاب القلق أفراد أسرته، ولم تنفع محاولات الاتصال بأصدقائه وبمسؤولي نهضة بركان في الجواب عن سؤال الاختفاء، قبل أن يتم إبلاغ شقيقه محمد أخميس من طرف الدرك الملكي بالخبر الصادم.
وخلافا لما تردد عن وجوده في الطريق صوب الحسيمة لتوقيع عقد مع شباب الريف الحسيمي، فإن محمد أخميس أكد أنه تلقى مكالمة هاتفية من شقيقه لحسن، أخبره فيها عن عزمه القيام بجولة سياحية لمدة أربعة أيام شمال المملكة، تقوده رفقة صديق طفولته إلى تطوان والحسيمة والناظور، وهو ما حصل فعلا، “بعد أن تأثر كثيرا لإسقاط اسمه من لائحة الفريق البركاني، بالرغم من الدور الذي لعبه في المنافسات القارية”.
أسر الراحل لشقيقه بأنه تلقى عرضا من المولودية الوجدية، وأنه يفكر مليا في العرض، مشيرا إلى أنه كان يود إنهاء مشواره ضمن الفريق البركاني ويحلم بلقب قاري، إلا أن المدرب كان له رأي آخر.
قبل رحيله، تقدم أخميس وأفراد أسرته لخطبة فتاة، اختارها لتكون شريكة حياته، لكن القدر شاء أن تعيش هذه الفتاة فاجعة وفاة فارس أحلامها، وترتدي بياض النكبة قبل الزفاف، علما أن والدته المكلومة لم تتخلص من زي الحداد على وفاة زوجها أحمد أخميس إلا قبل أيام قليلة، لتحزن من جديد على ابنها.
كان أحمد أخميس، والد اللاعب لحسن، قد توفي بعد معاناة مع المرض، وكتب قبل وفاته تدوينة مؤثرة عبارة عن وصية لابنه اللاعب، ظلت تتردد على مواقع التواصل الاجتماعي، بل إن الفاجعة حصلت بسيارة في ملكية والده الفقيد، لذا شاء القدر أن يدفن لحسن في قبر جوار والده، بعد أن كانا رفيقين في الحياة وفي الموت.
جثة في مسبح مقر إقامة المنتخب المغربي بدكار
ما زال الغموض يلف حكاية وفاة مصطفى درويش، اللاعب الدولي السابق، ومهاجم الرجاء البيضاوي في منتصف السبعينيات والجيش الملكي في بداية الثمانينيات، الذي شاءت الأقدار أن يلقى حتفه في مسبح فندق بداكار، رغم مرور سنوات طويلة على رحيله.
في الثاني من نونبر سنة 1981، أجرى المنتخب المغربي لكرة القدم، تحت قيادة المدرب البرازيلي فلانتي، مباراة ودية إعدادية أمام نظيره السينغالي بملعب الصداقة بدكار، في إطار التحضير لإقصائيات كأس العالم بإسبانيا.
انتهت المباراة بفوز السينغاليين بهدفين لصفر، دون أن يكون للنتيجة أي تأثير على الجو السائد بين عناصر الفريق الوطني التي تعاملت مع المباراة كمحطة إعدادية ليس إلا، واعتبرتها استعدادا حقيقيا لمباراة الكاميرون.
عاد اللاعبون إلى فندق “رافل” في وسط العاصمة دكار مباشرة بعد المباراة، مباشرة بعد الاسترخاء من عناء مواجهة حارقة، فضلت مجموعة من اللاعبين مغادرة الفندق لاقتناء بعض المشتريات من المحلات التجارية القريبة من مقر إقامة المنتخب، وبعد أن تناول الجميع وجبة العشاء، ظل اللاعبون في غرفهم كل جماعة تتسامر في ما بينها وأغلب محاور النقاش تتناول بالتحليل وقائع المباراة. بل إن ضحكات اللاعبين كانت تخترق صمت الفضاء الهادئ، وحين تجاوزت عقارب الساعة منتصف الليل بدأ اللاعبون يلتحقون بغرفهم.
في حدود الساعة الثانية صباحا، استفاق الوفد المغربي على خبر وفاة اللاعب الدولي مصطفى درويش، بعد أن اكتشف مستخدمو الفندق جثته وهي تطفو فوق مياه مسبح الإقامة السياحية وعليها بقع من الدم. لم يصدق أحد مشهد لاعب كان قبل ساعة واحدة كتلة من الحماس، وتعددت الروايات حول لغز الوفاة وانتظر اللاعبون وأفراد الطاقم التقني والطبي نتيجة تشريح الجثة، بعد أن أخبرت إدارة الفندق السلطات الأمنية بدكار قصد معاينة المشهد التراجيدي.
كان جميع اللاعبين في حالة ذهول، وهم يتحلقون حول جثة زميلهم الهامدة، استبعد رفاقه فرضية الغرق في مسبح الفندق، أو حكاية السباحة في الساعات الأولى من الصباح، بل إن رجال الشرطة الذين حضروا إلى الفندق من أجل معاينة الحادث المأساوي ظلت الحيرة ترافق تحرياتهم، خاصة حين علموا من خلال شهادات اللاعبين أن زميلهم يجيد السباحة.
يحكى محمد رابح، الملقب بشيشا، والذي كان يتقاسم معه الغرفة في المعسكر السينغالي، “أنا من انتشل جثته من مسبح الفندق بعد أن طفت فوق الماء”، في ما يروي شقيقه عبد الحق ما تبقى في الذاكرة من أحداث مرتبطة بهذه الفاجعة وهو يرسل زفرات الحسرة: “توصلنا بالخبر في صباح اليوم الموالي، لكننا لم نصدق الوفاة لأننا نعرف أن مصطفى لا يمكن أن يغرق في مسبح وهو الذي يجيد السباحة، وفي اليوم الموالي توجهت إلى المطار لمعرفة ما حصل وفي لحظة وصول أفراد المنتخب الوطني، احتضنني ظلمي وجواد وشيشا وبعض اللاعبين البيضاويين الذين يعرفون أنني شقيق المرحوم وقدموا إلي العزاء، دون أن أصدق أن مصطفى قد مات”، مات عبد الحق قبل ثلاث سنوات دون أن يتوصل إلى فك اللغز.
عاد لاعبو المنتخب الوطني المغربي، أما الجثة فقد ظلت في داكار تنتظر إجراءات التشريح، بل إن الطاقم الطبي للمنتخب برئاسة الدكتور العراقي ظل ملازما لجثة الفقيد في المستشفى المركزي للعاصمة السينغالية، لتتبع الإجراءات الطبية في عين المكان.
بعد عشرة أيام تم شحن جثمان الفقيد صوب المغرب، كان في انتظاره بالمطار أفراد العائلة المكلومة. قررت إدارة الدرك دفن مصطفى عشية اليوم بأقصى سرعة، “طلبنا تأجيل الدفن إلى اليوم الموالي بعد صلاة الظهر بمقبرة الشهداء بالدار البيضاء، فاستجاب المسؤولون لمقترح العائلة بعد سلسلة من الاتصالات مع القيادة العليا، وفي اليوم الموالي تحول منزلنا بحي درب الكبير إلى مزار لآلاف الرياضيين ومئات المخبرين، بل إنه لم يسمح لنا بفتح النعش وإلقاء النظرة الأخيرة عليه”، يقول عبد الحق درويش.
مات مصطفى، دون أن تستفيد أسرة الفقيد من أي امتياز، رغم أن الراحل مات مدافعا عن الوطن، وهو ينتمي لسلك الدرك وللمنتخب الوطني.
الحسن الثاني يتكلف بعلاج مدرب المنتخب ضحية حادث مروري
كان المنتخب المغربي أمام اختبار عسير في فترة تحول، إذ كانت تنتظره دورة كأس أمم إفريقيا في نيجيريا 1980. شرع في التحضير لها، بالرباط من خلال مباريات ودية في مكناس وفي العاصمة وفي مراكش، تحت إشراف المدرب الفرنسي جيست فونتين بمساعدة جبران وحميدوش، حتى يتأقلم مع الأجواء المناخية التي كانت تنتظر الفريق الوطني.
يقول جيست في تصريح صحفي لمجلة فرنسية: “أثناء فترة التحضير لنهائيات كأس أمم إفريقيا التي نظمت في نيجيريا، حرصت على أن أنقل التداريب والمعسكرات من مدينة إلى أخرى وأبتعد قدر الإمكان عن المدن الساحلية، أعرف ما كان ينتظرنا في عمق نيجيريا حيث المناخ جاف، لكن شاءت الأقدار أن أغيب عن هذا التحدي الإفريقي، وألا أحضر نهائيات كأس أمم إفريقيا 1980 بنيجيريا بسبب حادثة سير تعرضت لها في الطريق الرابط بين مكناس والرباط. كنت في فرنسا وعدت إلى المغرب ومن مطار سلا انتقلت إلى مكناس لألتحق بالفريق الوطني المغربي الذي كان هناك، لكن في الطريق الوطنية الرابطة بين سلا ومكناس تعرضت لحادثة سير خطيرة.
بعد الحادثة مباشرة تم الاتصال بطبيب المنتخب الدكتور عثماني الذي كان في مدينة مكناس، فالتحق بمكان الفاجعة ورافق المدرب في رحلة علاج إلى فرنسا على متن طائرة خصصها الملك لنقل المصاب إلى فرنسا قصد العلاج. هناك تبين لي أن فترة العلاج ستطول وأن غيابه عن دورة نيجيريا أصبح أمرا لا جدال فيه، “من المصحة كنت على اتصال بالمدربين المساعدين حميدوش وجبران وبعض مسؤولي اللجنة المؤقتة، حيث زودتهم بالكثير من التعليمات حتى يكون المنتخب في مستوى الحدث” يضيف فونتين.
كان المنتخب المغربي يعيش فترة تحول، بل إن اتحاد الكرة قد عرف تحولا بدوره، من جامعة إلى لجنة مؤقتة، وكان العمود الفقري للمنتخب كان مكونا من لاعبين لهم خبرة وتجربة، أذكر منهم شيشا وسحيتة وجواد ودايدي وموح وأسماء أخرى ساهمت في تأطير عناصر شابة كالزاكي وبودربالة.
“عبر الصحافة والاتصالات الهاتفية، خاصة وأن المنتخب المغربي تمكن من بلوغ منصة التتويج كثالث القارة، وهو إنجاز كبير يستحق الوقوف عنده سيما في ظل التحولات التي عرفتها الكرة المغربية في نفس السنة، كان البعض يعتقد أن بناء منتخب يتطلب سنوات لكننا شيدناه في شهور قليلة”، يقول جيست.
ترحيل لاعب وإصابة العميد بعد معركة بمقر إقامة المنتخب في نيجيريا
في مقر إقامة المنتخب المغربي بنيجيريا، حصلت معركة بين لاعبي الفريق الوطني أثرت على تركيز المجموعة وأغضبت الطاقم التقني والإداري، أثناء منافسات “كان” نيجيريا 1980.
حصلت مشادة كلامية تطورت إلى ضرب مبرح وقع الحادث في الفندق أثناء تناول اللاعبين لوجبة الفطور، وكان النقاش الدائر بين اللاعبين حول المنح التي خصصتها الجامعة الملكية المغربية.
تلقى اللاعبون وعدا من المسؤولين على أن يتوصلوا بمنحة كل مباراة مباشرة بعد العودة إلى الفندق أي في نفس اليوم. وهو ما أثار غضب اللاعب مصطفى الطاهري الذي طلب من محمد موح بصفته عميدا للمنتخب أن يتدخل لدى المسؤول الجامعي المرافق للفريق الوطني كي يوزع المنح على اللاعبين، خاصة وأن الطاهري كان مساهما في الفوز. لم يتقبل موح طريقة النقاش واعتبر حديث مصطفى بمثابة أوامر فاندلع الخلاف بين الطرفين، وهنا سيقذف الطاهري كأسا في اتجاه جبين موح وتحولت الوجبة إلى معركة شهدها كل الوفود التي كانت حاضرة في الفندق بما فيها وفد غينيا والجزائر. وفي اليوم الموالي صدر قرار بترحيل الطاهري إلى المغرب وتكلفت سفارة المغرب في لاغوس بإجراءات الترحيل، سيما وأن الحادث وقع أمام مرأى الوفد الجزائري، الذي كان يتقاسم مع الوفد المغربي المطعم وكانت عناصره تتناول وجبة الفطور إلى جانب الوفد الغيني، إلى أن عمت الفوضى وأصبحت المعركة المغربية حديث الجميع في الفندق، خاصة وأن الجزائريين كانوا يسخرون من هذا الموقف ويتحدثون عن غياب الانضباط داخل المجموعة.
في اليوم نفسه، تم إسعاف محمد موح من الجروح التي لحقت به، فيما تم ترحيل مصطفى الطاهري إلى المغرب، حيث حل مسؤول من سفارة المغرب في نيجيريا وسحب جواز سفره وسلمه رخصة السفر إلى المغرب، ركب الطائرة وعاد إلى وجدة. هذه الواقعة أثرت على المجموعة خاصة اللاعبين الشباب الذين كانوا يخوضون أول تجربة إفريقية مع المنتخب، وجعلت الحديث عنها يقلل من تركيزهم على المباريات.
بوجمعة بن خريف دفن ابنه وعاد إلى معسكر المنتخب
في تصفيات كأس أمم أفريقيا 1972، تلقى منتخب مصر، هزيمة قاسية في المغرب بثلاثية نظيفة، سهلت عبور الفريق المغربي إلى نهائيات “كان” الكاميرون في أول مشاركة للفريق الوطني.
قبل هذه المباراة، كان المنتخب المغربي يقيم معسكرا مغلقا بالمحمدية، استعدادا لملاقاة المنتخب المصري بالدار البيضاء، وجه الكولونيل بلمجدوب بصفته ناخبا وطنيا دعوة للاعب النادي القنيطري بوجمعة بن خريف لتعزيز المنتخب في مباراة حاسمة برسم التصفيات المؤدية لكأس أمم إفريقيا، وكانت المجموعة تقوم بمعسكر مغلق في فضالة تحت إشراف المدرب فيدينيك اليوغوسلافي الجنسية، وحده بوجمعة كان يعرف حينها أن التجمع يتزامن مع مخاض زوجته، حيث ظل فكره موزعا بين الحصص التدريبية والمصحة التي كانت تقيم فيها زوجته، وبعد ساعات تلقى خبرا غير سار، فقد توصل بعبارات التعازي عبر هاتف الفندق، ليتبين له أن الوضع تم فعلا لكن الوليد خرج إلى الوجود ميتا، ودون ترخيص من المدرب بلمجدوب قرر بن خريف السفر على وجه السرعة إلى القنيطرة وحضر مراسيم دفن ولده وتلقى التعازي من أصدقائه وذويه، وعاد في نفس الليلة إلى الرباط حيث دخل سرا إلى المعسكر مستعينا بأحد أصدقائه، وهو يعتقد ان المدرب لا علم له بالواقعة، لكن الخبر وصل للمدرب والذي منحه خلال المباراة القميص الرسمي وهو يؤكد ثقته فيه، بل إن بوجمعة تمكن من تسجيل هدف من الأهداف الثلاثة التي فاز بها منتخب المغرب على نظيره المصري. وعرف عن بوجمعة تغليبه مصلحة الوطن على مصلحته الشخصية، ويروي رفاق دربه أنه مستعد لتأجيل جميع الالتزامات من أجل قميص الكاك أو الفريق الوطني.





