حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

شوف تشوف

الرئيسيةتقاريرمجتمع

فرنسا تفكك شبكة استغلال جنسي للأطفال على «تيليغرام»

انطلاق التحقيق من فيديوهات مروعة وإيقاف 55 مشتبها به

لا يزال تطبيق «تيليغرام»، الأكثر تشفيرا وخصوصية، يبهرنا بعد ارتباطه في السنوات الأخيرة بسلسلة من الفضائح التي كشفت عن الوجه الآخر لهذا التطبيق. ولعل آخرها العملية الأمنية الواسعة وغير المسبوقة التي قامت بها السلطات الفرنسية وأعلنت من خلالها عن تفكيك شبكة تتكون من 55 شخصا يشتبه في تورطهم في جرائم استغلال جنسي للأطفال، بعدما كانوا ينشطون عبر تطبيق «تيليغرام»، مستغلين طبيعته المشفرة لتبادل محتويات غير قانونية. هذه العملية، التي اعتبرتها وزارة الداخلية واحدة من أعقد التحقيقات الرقمية في السنوات الأخيرة، كشفت عن خيوط مقلقة لشبكة جمعت بين رجال من مختلف الطبقات الاجتماعية، منهم كاهن، مسعف، مدرس موسيقى وآباء يبدون للوهلة الأولى «عاديين» بل و«مثاليين».

 

سهيلة التاور

 

 

 

تعود بداية القضية إلى صيف 2024، حين تم التعرف على هوية طفلين ظهرا في مقاطع فيديو ذات طابع إباحي على الأنترنيت. أدى هذا الاكتشاف إلى فتح تحقيق قضائي عاجل، قادته وحدة مكافحة الجرائم ضد القاصرين التابعة للشرطة الوطنية، بالتعاون مع مختصين في الأمن السيبراني. ومن خلال تحليل بيانات الوسائط المتداولة على منصات مظلمة، وصلت التحقيقات إلى مجموعة مغلقة على «تيليغرام»، كان المشاركون فيها يتبادلون بشكل شبه يومي صورا ومقاطع فيديو تحتوي على اعتداءات جنسية على أطفال، بعضها من إنتاجهم الشخصي.

ما كشفته التحريات لم يكن مجرد مجموعة فرعية محدودة، بل شبكة واسعة تمتد عبر عدة مناطق داخل فرنسا، وترتبط بشبكات إجرامية أكثر خطورة على المستوى الدولي.

 

التشفير والتحديات القانونية

اللجوء إلى تطبيق «تيليغرام» لم يكن من قبيل الصدفة، إذ إن هذا التطبيق، الذي اكتسب شهرته بسبب التشفير الكامل للمحادثات وصعوبة تعقبه، بات ملاذا آمنا للمجرمين الرقميين، خصوصا في الجرائم ذات الطابع الجنسي أو الإرهابي. وتؤكد السلطات الفرنسية أن هذه الخصائص التقنية كانت عاملا أساسيا في تعقيد عملية التحقيق والتتبع، ما دفعها إلى المطالبة مجددا بتشديد الرقابة على هذه التطبيقات.

في السياق ذاته، وجهت انتقادات شديدة إلى إدارة تيليغرام، بسبب تقاعسها عن التعاون مع السلطات القضائية، ورفضها تقديم بيانات المستخدمين. ويخضع مؤسس المنصة، بافيل دوروف، لتحقيق قضائي في فرنسا منذ أواخر 2024، بتهم تتعلق بـ«المساهمة غير المباشرة في نشر محتويات ذات طابع إباحي يتعلق بالقاصرين».

 

وجوه مألوفة بوجه مظلم

 

من بين المشتبه فيهم، يظهر الطابع الصادم لما تم اكتشافه، حيث لا تتطابق خلفياتهم الشخصية والمهنية مع خطورة الأفعال المنسوبة إليهم. من بينهم كاهن يرأس رعية منذ سنوات، وجدّ معروف في منطقته بمشاركته في الأنشطة الاجتماعية، إلى جانب مسعف في القطاع الصحي، ومدرّس موسيقى في مؤسسة تربوية مرموقة. هؤلاء جميعاً، بحسب التحقيقات، كانوا جزءاً من شبكات مغلقة يتبادلون فيها محتوى مشينا، مستخدمين رموزاً خاصة وتشفيرات لغوية لتمويه مضمون الرسائل.

وتشير مصادر أمنية إلى أن جزءاً من هؤلاء الموقوفين سبق أن وردت أسماؤهم في تحقيقات قديمة تتعلق بالتحرش أو الحيازة غير القانونية لصور إباحية، دون أن تُفضي تلك القضايا إلى إدانتهم سابقا، لأسباب قانونية أو لعدم كفاية الأدلة. فيما الأغلبية لم تكن معروفة لدى الأجهزة الأمنية، ما يعكس مستوى الخطورة الكامنة في هذا النوع من الجرائم الرقمية.

 

حملة أمنية ضخمة تكشف الأدلة

 

في فجر يوم 15 دجنبر 2024، نفذت السلطات الفرنسية حملة منسقة شملت 13 مقاطعة، واستهدفت العشرات من المشتبه بهم في التوقيت نفسه، ما تطلب تعبئة ما يزيد عن 300 عنصر أمني. العملية أسفرت عن مصادرة أكثر من 150 هاتفا ذكيا، 122 حاسوبا و330 قرصا صلبا، إلى جانب كمية هائلة من البيانات تجاوزت 200 تيرابايت، تضمنت أكثر من 375 ألف صورة و150 ألف مقطع فيديو.

ووفقا لما أعلنته النيابة العامة، فإن نسبة كبيرة من هذه المواد كانت تتعلق باعتداءات مباشرة على أطفال دون سن العاشرة، وتبين أن بعضها تم تصويره حديثا، ما يدل على نشاط متواصل لدى بعض المشتبه بهم حتى لحظة إيقافهم.

 

إنقاذ الضحايا وكشف الشبكة

 

أفضت التحقيقات إلى نتائج بالغة الأهمية، من بينها التعرف على هوية طفلين فرنسيين كانا ضحية استغلال جنسي من قبل أفراد من محيطهما العائلي. فور التأكد من المعطيات، تم إبعاد الطفلين عن بيئتهما الخطرة وتوفير رعاية صحية ونفسية عاجلة لهما. ويُعتقد أن هذه الحالات ليست الوحيدة، حيث لا يزال المحققون يعملون على تحليل البيانات المجمعة لكشف مزيد من الضحايا المحتملين.

من جانب آخر، تؤكد التحقيقات أن عددا من الموقوفين كانوا على تواصل مباشر مع جهات وشبكات دولية معروفة بخطورتها، بعضها مصنف من قبل الإنتربول كمنظمات إجرامية تستهدف الأطفال عبر الأنترنيت، ما يعزز فرضية ارتباط القضية بشبكة عابرة للحدود.

 

محاكمات مرتقبة وأحكام صارمة

 

بعد الاستماع إليهم من طرف قضاة التحقيق، وُجّهت إلى أغلب الموقوفين تهم تتراوح بين حيازة وترويج مواد إباحية تخص الأطفال، والمشاركة في شبكة إجرامية، إلى جانب تهم أكثر خطورة تتعلق بالاعتداءات الجنسية المباشرة والإنتاج الشخصي لمحتوى محظور.

ووُضع عدد من الموقوفين رهن الحبس الاحتياطي، فيما فُرضت رقابة قضائية صارمة على آخرين، إلى حين مثولهم أمام المحاكم المختصة. ويطالب الادعاء العام بتطبيق أقصى العقوبات، بما يشمل السجن لفترات طويلة، المنع من مزاولة أي مهنة لها علاقة بالأطفال، إضافة إلى التسجيل الإجباري في السجل الوطني للمعتدين الجنسيين.

 

شبكة دولية بامتياز

 

خلال عملية تحليل المعطيات، تم رصد ارتباطات مع جهات أجنبية، ما دفع السلطات الفرنسية إلى التواصل مع شركائها الأوروبيين والدوليين. وأسفرت المعلومات المقدّمة من فرنسا إلى أجهزة «يوروبول» و «الإنتربول» عن اعتقالات مماثلة في ألمانيا وبلجيكا وإسبانيا، فيما فتحت تحقيقات في الولايات المتحدة وكندا.

ويُقدر المحققون أن الشبكة قد تضم أكثر من 10 آلاف مستخدم نشط حول العالم، بعضهم يُعتقد أنه يُنتج المحتوى بنفسه أو يسهل انتشاره عبر شبكات التراسل المشفرة، ويجري حاليا تنسيق دولي غير مسبوق لتعقب بقية أعضاء الشبكة.

 

ردود فعل سياسية واجتماعية

 

أثارت الفضيحة جدلا واسعا في الأوساط السياسية، إذ دعا نواب في البرلمان الفرنسي إلى مراجعة القوانين المتعلقة باستخدام التطبيقات المشفرة، مع فرض آليات قانونية تُجبر المنصات الرقمية على التعاون مع الجهات القضائية، خصوصاً في قضايا ترتبط بالجرائم الجنسية ضد الأطفال.

وفي المقابل، حذّر نشطاء في مجال الحقوق الرقمية من التسرّع في تقييد الحريات تحت غطاء «حماية الأطفال»، مشددين على ضرورة إيجاد توازن دقيق بين مكافحة الجريمة وضمان الخصوصية الرقمية.

أما الحكومة، فأعلنت عن نيتها طرح مشروع قانون يُعزز من صلاحيات الشرطة القضائية الرقمية، ويُلزم المنصات التي تنشط داخل التراب الفرنسي باحترام القانون المحلي، تحت طائلة الحظر أو الغرامات.

 

جمعيات حقوقية تدخل على الخط

 

أعربت جمعيات حماية الطفولة عن صدمتها من مدى انتشار هذه الظاهرة، مؤكدة أن القضية الحالية تمثل فقط «رأس جبل الجليد». وطالبت تلك الهيئات بزيادة التمويل الحكومي للبرامج الوقائية، وتوسيع عدد الفرق المختصة في تتبع المحتويات غير القانونية على الأنترنيت، إلى جانب دعم مراكز الإيواء والعلاج النفسي للأطفال المتضررين.

ودعت الجمعيات إلى إطلاق حملات توعية تستهدف الأسر، بهدف تحصين الأطفال وتدريبهم على التعامل مع التهديدات الرقمية المتزايدة.

 

تكنولوجيا في خدمة الجريمة ومحاربة الظلام

 

في خضم التقدم التكنولوجي المتسارع، أصبح مجرمو الأنترنيت يستفيدون من أدوات الذكاء الاصطناعي، وتقنيات التشفير و«الدارك ويب»، لابتكار وسائل جديدة للتمويه والتخفي. إلا أن القضية الأخيرة أظهرت أيضا تطورا لافتا في أدوات التحقيق الرقمي، وقدرة الأجهزة الفرنسية على التنسيق المحلي والدولي، ما يمنح بارقة أمل في مواجهة هذا النوع من الجرائم.

وفي تصريح رسمي، قال وزير الداخلية الفرنسي: «لا توجد مساحة آمنة للمجرمين، حتى في أكثر الزوايا ظلمة من الأنترنيت. سنواصل هذه المعركة دفاعاً عن براءة الطفولة وكرامتها».

فما حدث في فرنسا ليس مجرد قضية جنائية، بل هو مرآة تعكس حجم التحديات التي يواجهها العالم في عصر التكنولوجيا. فرغم كل التدابير الوقائية، تظل براءة الأطفال مهددة إن لم تُتخذ إجراءات شاملة، قانونيا، تقنيا ومجتمعيا. ويبقى الأمل معقودا على يقظة المجتمعات ومتانة القوانين من أجل حماية الأجيال القادمة من ظلام الانحراف الرقمي.

 

فضائح أخرى لـ«تيليغرام»

رغم الشعبية الواسعة التي يحظى بها تطبيق «تيليغرام» بوصفه منصة للتواصل الآمن والتشفير المتقدم، إلا أن اسمه ارتبط في السنوات الأخيرة بسلسلة من الفضائح التي كشفت عن الوجه الآخر لهذا التطبيق. فقد تحوّل تيليغرام إلى ملاذ مفضل للأنشطة غير القانونية، حيث استغلته جماعات متطرفة لتجنيد الأعضاء ونشر دعاية العنف عبر قنوات مغلقة يصعب تعقبها، ما دفع بعض الحكومات إلى حظره مؤقتًا أو المطالبة بكشف بيانات المستخدمين، دون استجابة واضحة من الإدارة. ولم تتوقف التجاوزات عند هذا الحد، بل ظهرت آلاف القنوات المخصصة لتداول محتوى إباحي غير قانوني، شمل صورًا حميمية نُشرت دون إذن، ومقاطع صادمة تتعلق باستغلال القُصّر، وابتزاز نساء عبر تسريبات رقمية. فيما نشطت شبكات متخصصة في تجارة الوثائق المزيفة والبيانات المسروقة، باستخدام تيليغرام كوسيط للبيع والدفع عبر العملات الرقمية المشفرة لتفادي الرقابة. وفي ظل غياب خوارزميات فعّالة لرصد هذا المحتوى، واعتماد التطبيق على التبليغات اليدوية، بقي كثير من تلك القنوات فعّالًا لشهور، ما أثار موجة انتقادات دولية واسعة ضد سياسة «اليد المرفوعة» التي يعتمدها مؤسسو المنصة. وبينما يبرّر مؤسس التطبيق بافل دوروف هذا التوجه بالدفاع عن حرية التعبير وخصوصية المستخدمين، يراه منتقدوه تهربا من المسؤولية الأخلاقية والقانونية، خاصة أن التطبيق بات منصة تأثير تتجاوز بكثير دوره الأصلي كأداة مراسلة.

 

حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى