
النعمان اليعلاوي
تعيش مقبرة الشهداء بالعاصمة الرباط على وقع فوضى يومية تؤرق زوارها، وسط شكايات متزايدة من المواطنين بشأن تجاوزات واعتداءات يتعرضون لها من طرف عدد من الأشخاص المنحدرين من دول إفريقيا جنوب الصحراء. هؤلاء الأفراد، الذين يتخذ بعضهم من محيط المقبرة مأوى غير رسمي، يعمدون إلى فرض إتاوات على الزوار، ومطالبتهم بمبالغ مالية مقابل خدمات من قبيل بيع قنينات الماء (5 دراهم ) أو حفر القبور (300 درهم)، وقد وصلت أحيانا إلى حد الاعتداء الجسدي، بحسب روايات متطابقة.
وتُطرح علامات استفهام كبرى حول غياب تدخل حازم من السلطات المحلية، خاصة أن المقبرة تُعد من بين أبرز فضاءات الدفن بالرباط، وتستقبل يوميًا عشرات الجنائز والزوار، في مشهد يتسم بـالاكتظاظ الكبير، وغياب شروط التنظيم والاحترام لحرمة المكان. ويؤكد مواطنون أن المشهد العام لمقبرة الشهداء بات لا يليق بمكانتها الرمزية والدينية، إذ تحولت إلى فضاء يعج بالعشوائية و”سماسرة الموت”، في ظل سوء تدبير واضح من طرف الجهات المكلفة.
وفي الوقت الذي تعاني فيه مقابر الرباط من هذا الوضع المختل، تُسجَّل تجربة مغايرة بمدينة سلا، حيث تم إسناد تدبير المقابر إلى جمعيات محلية في إطار شراكات مؤطرة مع مجلس المدينة، ما سمح بتنظيم عملية الدفن، وتوفير بيئة أكثر احتراما لزوار المقابر، وضمان تدخلات إنسانية ومؤطرة لمرافقة أسر المتوفين في ظروف كريمة، فيما يطالب فاعلون محليون وحقوقيون بتبني مقاربة جديدة في تدبير مقابر العاصمة، تقوم على الحكامة المحلية، وتعزيز دور المجتمع المدني، مع ضرورة وضع حد للتجاوزات التي تشوه صورة المدينة وتمس بحرمة الموتى وكرامة الأحياء على حد سواء.
وتواجه العاصمة الرباط أزمة حقيقية في ما يتعلق بدفن الموتى، بسبب تجاوز أغلب مقابر المدينة طاقتها الاستيعابية، ما دفع بعدد من الأسر إلى البحث عن مقابر بديلة خارج أحيائهم، وأحيانًا خارج المدينة، في انتظار الإفراج عن مشروع “المقبرة الكبيرة” التي طال انتظارها، ووفق ما أكدته مصادر جمعوية، فإن عددا من مقابر المدينة، خاصة تلك الواقعة في أحياء المحيط ويعقوب المنصور، قد امتلأت بالكامل، ويتعلق الأمر أساسا بمقبرة الشهداء، مقبرة العلو، ومقبرة سيدي مسعود بحي الرياض، ما يطرح تحديات كبيرة على الأسر التي تفقد أقاربها، ويضع سلطات المدينة أمام مأزق تدبير قطاع حيوي وحساس، خصوصًا مع الارتفاع الطبيعي في عدد الوفيات السنوي.





