حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

شوف تشوف

الرئيسيةتقاريرملف التاريخ

قبائل صحراوية حاربت مع المغرب قبل قرون

شكلت جيوشا وخاضت حروبا باسم السلطان لتوحيد البلاد

يونس جنوحي

«عسكر الداخلة»، كان قوة مغربية مميزة، أطلقت على وحداتها المختلفة ألقاب لم يحملها أي جيش نظامي آخر. فقد كانت تتوفر مثلا على فريق «السراجة»، الذين كانوا يسيرون خلف السلطان مباشرة، وكانوا يشكلون صفوف ما سُمي بـ«عساكر النار»، وهم الخط الأمامي للقتال، بالإضافة إلى «الصباحية»، الذين كانوا أيضا يعززون الصف الأول.

هذا الجيش طور أيضا أسماء جديدة لأنواع من الأسلحة الدفاعية المحلية. وكان يقوده في فترة من الفترات، دائما خلال فترة حكم الدولة السعدية، القائد أحمد بن إبراهيم السوسي، وكان يُلقب بـ«شيخ الرماة»، وكان يطلق ألقابا أمازيغية على بعض الأسلحة التي يستعملها في الرماية إلى جانب البنادق. فقد كان يستعمل «تاسدا»، و«أملوح»، وهي كلها أنواع من الرماح والحراب المصنوعة محليا.

هذا الجيش تأسس أيام الدولة السعدية، أي أن وجوده يعود إلى أكثر من 370 سنة، حارب الصحراويون المنتمون إليه باسم المغرب.. هذه واحدة فقط من الحقائق المسجلة في قلب وثائق تاريخية تؤكد مغربية الصحراء.

 

++++++++++++++++++++++++++++++

 

قبل 130 سنة.. مراسلات تكشف رفض «ماء العينين» العمل مع إسبانيا

«.. وليكن في كريم علم أمير المؤمنين أن رجلا كان مع النصارى لعنهم الله يقال له أصبير وهو يسمي نفسه محمد الصابر يدعي الإسلام، ومنذ زمن وهو يرسل لي البراوات… وأنه يريد مني أن يكون خير مرصة الطرفايا بيدي، وامتنعت له أولا حتى يأتيني الخبر من عندكم وما أمرتموني به معه أفعله بحول الله وقوته..».

الكلام هنا للشيخ ماء العينين، في رسالة وجهها إلى السلطان الحسن الأول.

سياق الرسالة تمثل في أن الشيخ ماء العينين، رفض الإغراءات التي قدمها إليه الإسبان والفرنسيون سنة 1888 وما قبلها بقليل، في محاولة لاستقطابه حتى ينشق عن السلطان.

ولم تكن هذه المحاولات الوحيدة، فقد حاول البريطانيون كما سوف نرى في هذا الملف، أن يحتلوا ميناء طرفاية بعيدا عن استعمال أي قوة عسكرية، ولجؤوا إلى حيلة غاية في الدهاء، وحاولوا بناء مرسى خاص بشركة بريطانية، تابعة للحكومة.

سبق للشيخ ماء العينين أن اعتقل ستة أوروبيين ألقى عليهم رجاله القبض، بعد وصولهم إلى طرفاية في محاولة لإبرام اتفاق مع زعماء القبائل.

واتضح أن الأمر يتعلق بفرقة من الدبلوماسيين الإسبان، سبق لهم أن راسلوا السلطان الحسن الأول لكي يمنح إسبانيا امتياز استغلال منطقة طرفاية تجاريا، وأمام رفض السلطان، لجأت إسبانيا إلى حيلة إرسال بعثة مع مترجم يهودي يتحدث العربية، لكي يبرم الاتفاق مع قبائل طرفاية.. لكن ما وقع أن رجال ماء العينين اعتقلوا أغلب أعضاء الوفد، بينما فر آخرون.. وكتب ماء العينين إلى السلطان يخبره أن الإسبان في قبضته وأن الهدف من مجيئهم إليه، كان إبرام اتفاق ومنحه عددا من الامتيازات.

يحفظ الأرشيف الرسمي أسماء أعضاء البعثة ورئيسها، وأشار باحثون مغاربة في عدد من الدراسات إلى أن تلك لم تكن البعثة الوحيدة، وإنما سبقتها بعثات أخرى، وتلتها محاولات مشابهة للالتفاف على السلطة المركزية في فاس ومراكش -حيث كان السلطان الحسن الأول يقيم بانتظام- لإبرام اتفاقيات مع قبائل الصحراء بشكل مباشر.

إلا أنه لا توجد نهائيا أي أدلة على نجاح مساعي الأجانب، فرنسيين وإسبان وحتى بريطانيين، في استمالة أي قبيلة من قبائل الصحراء لإبرام أي اتفاقية تجارية.

والحقيقة أن رجال الشيخ ماء العينين، اعتقلوا بحارة إسبان في أكثر من مناسبة. أشهرها ما وقع سنة 1893، ثم 1895، وفي كلا المناسبتين رست سفينتان إسبانيتان ادعى بحارتهما أنهم ضلوا طريقهم فقط في عرض البحر.. لكن اتضح لاحقا أن وصولهم كان مدروسا بهدف التواصل مع القبائل وإغرائهم بالمال، مقابل السماح لهم بتأسيس مرسى في طرفاية. لكن رجال القبائل اعتقلوا كل من في السفينتين، في كلا المناسبتين، اقتادوهم جميعا إلى الشيخ ماء العينين، والذي كتب بدوره إلى السلطان الحسن الأول يخبره بما يحاك ضد المغرب في الخفاء.

 

 

 

«مفتي تندوف» و«قاضي القضاة».. مناصب مخزنية قبل قرنين

عندما يتعلق الأمر بأدلة مغربية الصحراء، أو العلاقات بين العرش والقبائل الجنوبية، فإن الأمر لا يقتصر على ذكر تاريخ المعارك التي حارب فيها الصحراويون باسم سلطان المغرب، أو شاركوه في «الحْركات».. الأمر يتعلق أيضا بالمناصب المخزنية، التي تؤكد ارتباط السلطة في الصحراء بالسلطة المركزية.. وهناك مناصب يعود سياقها إلى قرون خلت، بعضها أيام الدولة العلوية، وأخرى في عهد السعديين والموحدين من قبلهم.

وما يؤكد هذه الحقائق، دراسة منشورة في دورية أعادت وزارة الأوقاف نشرها سنة 1973، والتي رعاها وقتها مؤرخ المملكة عبد الوهاب بنمنصور، وجاء فيها:

«وقد كان للسلطان سيدي محمد الثالث أسطول يتكون من خمسين قطعة، منها ثلاثون حراقة أو فركاطة بإمرة ستين رئيسا أو ضابطا يشرفون على خمسة آلاف بحار وألفين من الرماة، وكانت هذه السفن الحربية مجهزة ببطاريات بلغ عدد مدافعها ما بين 26 و36، عدا الحراقات التي كان لها 45 مدفعا، وقد أسهم شباب الجنوب في حركة تكوين الرماة البحريين، حيث وجه السلطان آنذاك ستمائة شاب من آيت عطا بالصحراء وأربعمائة من تافيلالت إلى طنجة، للتمرن على المناورات البحرية، وكان أسطولنا يحمي لا راية المغرب فحسب، بل راية المغرب العربي كله، حيث اعترض أسطولنا الوطني عام  1803 م الأسطول الأمريكي المحاصر لطرابلس، ففك الحصار، ثم بدد عمارة أجنبية ثانية. وقد ورد ذلك في رسالة رسمية وجهها (المولى سليمان لأمير ليبيا يوسف باشا).
وقد اضطلع ملوكنا العلويون الأماثل برسالة أخرى هي تحقيق التلاحم بين الشمال والجنوب، فكانوا في ميدان الحياة العملية اقتصاديا واجتماعيا وحضاريا يستعينون برجال الفتوى من علماء المذهب المالكي، ابتداء من مشارف الصحراء في كلميم إلى أقصى الجنوب في سواحل النيجر، مثال ذلك محمد البوهالي الركانبي الذي استقدمه جلالة الحسن الأول عام 1874، وعاش في بلاطه عشر سنوات، ثم عاد إلى الصحراء مزودا بتكوين أقوى في مدرسة القصر الملكي العامر التي كانت منبرا يتبارى فيه كبار العلماء الصحراويين الذين كان بعض القضاة يعينون من بينهم في أكبر حواضر الشمال، وقاضي تارودانت هو قاضي القضاة ينسحب نظره على كل قبائل الصحراء، ومن هؤلاء محمد بن أبي بكر الأقاوي الذي تولى القضاء بظهير شريف مؤرخ في 1713، كقاض للقضاة ومفتٍ أكبر في تخوم الصحراء. وكان أحمد دوكنا بن محمد المختار هـو مفتي تندوف ومرجع الصحراء كلها في الفتيا».

يظهر جليا أن ما هو عسكري، لم يكن لينفصل أبدا عن ما هو إداري مخزني خالص.. فقد كانت علاقات رجال الصحراء مع العرش، متوارثة. وهو ما اتضح بعد 1956، عندما شرعت فرنسا في تنفيذ خطة فصل الصحراء عن التراب المغربي، وحج زعماء القبائل إلى الرباط، حيث استقبلهم الملك الراحل محمد الخامس وخطب فيهم خطبة تؤكد استمرار الرابط التاريخي بين العرش وزعماء القبائل.

المخطط الفرنسي استُئنف لاحقا، وقضية الصحراء المغربية عرفت تطورات أخرى كان لليد الأجنبية أثر واضح في هندستها. لكن هذا كله لم يمح الحقيقة التاريخية التي جمعتها الوثائق.. حتى أن هناك مصادر علمية تتحدث عن إحراج للخارجية الفرنسية، كلما سمحت لباحث مغربي بالاطلاع على وثائق الأرشيف التي تعود إلى ما قبل 1912 وما قبل 1956.. إذ اكتشف باحثون مغاربة وجود وثائق تؤكد مغربية الصحراء، قبل مجيء فرنسا، وخلال محاولات إخضاع القبائل أيضا.

 

+++++++++++++++++++++++

 

القصة المنسية لـ«عسكر الداخلة» قبل 370 سنة

حتى المؤرخون الجزائريون اليوم، لا يُنكرون أن نفوذ الدولة المغربية وصل إلى ما هو أبعد من نهر السينغال. وأن «تمبوكتو» كانت تعرف سلطان المغرب أكثر مما تعرف جغرافيا القبائل الإفريقية التي تحيط بها.

لكن إحدى أقوى الحقائق التاريخية المنسية، تتعلق بما كان يعرف تاريخيا بـ«عسكر الداخلة»، وهو جيش مغربي نظامي تابع للدولة السعدية – حكمت المغرب ما بين سنتي 1510 و1659- وتألف من رجال قبائل الصحراء، الذين ربطتهم البيعة بالدولة المغربية قبل قرابة أربعة قرون من اليوم.

وقد كان هذا الجيش يتألف من فرق متخصصة في القتال، وسبق لهم أن شاركوا مع سلطان المغرب، أيام الدولة السعدية، في حروب لتوسيع حدود الدولة المغربية في أقصى الصحراء الإفريقية، في إطار معارك نشر الإسلام..

و«عسكر الداخلة»، كان قوة مغربية مميزة، أطلقت على وحداتها المختلفة ألقاب لم يحملها أي جيش نظامي آخر. فقد كانت تتوفر مثلا على فريق «السراجة»، الذين كانوا يسيرون خلف السلطان مباشرة، وكانوا يشكلون صفوف ما سُمي بـ«عساكر النار»، وهم الخط الأمامي للقتال، بالإضافة إلى «الصباحية»، الذين كانوا أيضا يعززون الصف الأول.

هذا الجيش طور أيضا أسماء جديدة لأنواع من الأسلحة الدفاعية المحلية. وكان يقوده في فترة من الفترات، دائما خلال فترة حكم الدولة السعدية، القائد أحمد بن إبراهيم السوسي، وكان يُلقب بـ«شيخ الرماة»، وكان يطلق ألقابا أمازيغية على بعض الأسلحة التي يستعملها في الرماية إلى جانب البنادق. فقد كان يستعمل «تاسدا»، و«أملوح»، وهي كلها أنواع من الرماح والحراب المصنوعة محليا.

ومع مجيء السلطان الحسن الأول إلى الحكم سنة 1873، أعاد إحياء وحدات جديدة في الجيش المغربي في الصحراء.. وسوف نرى في هذا الملف كيف أن السلطان الحسن الأول كان فعلا يحتاج إلى تعزيز صفوف الجيش في الصحراء، بعد نزول القوات الأجنبية، خصوصا بريطانيا وإسبانيا، بالسواحل الجنوبية في الصحراء.

ويُنسب إلى السلطان الحسن الأول، الذي توفي سنة 1894، فضل تأسيس فرقة المدفعية المغربية، حيث استأنف هذا السلطان مجهودات الدولة المغربية منذ عهد السعديين، ووضع بنفسه الخط الدفاعي الأول عن الصحراء، بعد أن زار القبائل الصحراوية في زيارة تاريخية، ألهبت مداد الصحف الفرنسية والبريطانية على وجه الخصوص.. واعتبروا زيارته إلى الجنوب، مناورة سياسية كان لها ما بعدها.

إذ إن السلطان الحسن الأول لم يكتف بزيارة الصحراء سنة 1856، وإنما شن منها معركة ضارية لتأديب أحد إخوته الذي خطط للتمرد على السلطان، وعزز بذلك سلطته، وظهر للأجانب أن قبائل الصحراء تحفظ بيعة قوية للسلطان لم تنل منها محاولة أخيه الاستفراد بالحكم، ولم تدعمه أي من القبائل في هذا المسعى.

 

 

تعيينات الحسن الأول بعُمق الصحراء سنة 1882 لصد البريطانيين

رغم أن المولى الحسن الأول كان يحتفظ بعلاقات دبلوماسية ودية مع بريطانيا، عبر ممثلها في طنجة الدولية، حيث استقبله مرات كثيرة في القصر الملكي بفاس، إلا أنه لم يتردد في استدعائه للتعبير عن رفضه للنشاط البريطاني في سواحل طرفاية.

فقد وصل البريطانيون إلى هذه النقطة من الصحراء المغربية بحرا، وقرروا إنشاء مرسى صغير هناك، وظلت شركة «ماكينزي» تشتغل لبناء مركزها التجاري الجديد، دون الحصول على أية موافقة من المغرب.

ورغم محاولات الوزير البريطاني «جون درموند هاي»، الذي كان شهيرا في المغرب باسم السيد «هاي»، تلطيف الأجواء، إلا أن السلطان ظل متمسكا بموقفه الذي ينص على ضرورة احترام السيادة المغربية، وطلب ترخيص أولا من السلطان، وإيقاف النشاط الذي تمارسه شركة «ماكينزي»، إحدى المحظوظات الأوليات التي مارست التجارة في المغرب بدعم من حكومة بريطانيا.

ورغم التبريرات التي قدمها الوزير البريطاني للسلطان، إلا أن حجة البريطانيين كانت واهية. ففي الوقت الذي كانت هناك بيعة تربط السلطان مع قبائل الصحراء، كان البريطانيون يعتبرون أنه يحق لهم ممارسة التجارة في عموم النفوذ الترابي الواقع جنوب «واد نون»، دون الحاجة إلى موافقة من الجانب المغربي.

الباحث المغربي د. نور الدين بلحداد، سبق له التنقيب في هذا الموضوع، وعرض في بحث له وثائق تؤكد مراسلات السلطان مع قبائل الصحراء، وانخراطهم في معركة طرد البريطانيين الذين حاولوا احتلال شاطئ طرفاية. وقد ذكر في بحثه: «تصدي السلطان مولاي الحسن الأول لمحاولات الأجانب في سواحل الصحراء المغربية 1879 و1894»، ما يلي:

ولتعزيز سلطته في السواحل الجنوبية عين السلطان مولاي الحسن الأول الشيخ ماء العينين نائبا عنه في الصحراء ووادي نون وسوس، كما بادر السلطان إلى تحسين علاقاته مع قائد تازروالت الشيخ الحسين أوهاشم، وأمره بعدم التعاقد مع التاجر دفيد كوهين، وجدد لأمير أدرار ظهير توليته، وأمره بعدم الاستجابة لطلب ماكينزي.
وأمام تعنت ماكينزي وعدم مبالاتها باحتجاجات السلطان، هاجمت قبائل الصحراء مركزها بساحل طرفاية سنة 1881م وأضرمت النار في منشآتها.

فاحتج جون درمندهاي وطالب السلطان مولاي الحسن بدفع مبلغ 12 ألف فرنك كتعويض عن الخسائر التي لحقت المركز، فرض السلطان هذا الطلب، وبعث رسالة إلى نائبه بطنجة محمد بركاش قال فيها:
«..وإذا كانت به أمتعة لرعيتهم فإنه ليس بمفتوح للتجارة، وإن الاسترعاء على وجود الأمتعة المذكورة بذلك العمل واجب، لأن وجودها به خارج عن القانون ومخالف للحق».
وأمام تجدد محاولات التاجر كرتيس، جهز السلطان حركة نحو سوس سنة 1882، لوضع حد لمشاريع التجار الأجانب، وقام بتنصيب عدد من القواد الجدد، وكلفهم بحراسة السواحل المغربية الجنوبية لمنع رسو السفن الأجنبية، كما أمر قائده بالجنوب أحمد العبوبي بالقبض على كورتيس، إن هو عاد مرة أخرى إلى مرسى أركسيس.
ولمساعدة قبائل الجنوب المغربي على اقتناء كل ما تحتاج إليه من مواد غذائية عوض المتاجرة فيها مع الأجانب، قرر السلطان فتح مرسى للتجارة في سواحل بلاد تكنة، وبعث رسالة إلى شيوخ قبائل «آيت باعمران» و«تكنة» قال فيها:
«وبعد،

فقد اقتضت المصلحة فتح مرسى بحدود بلادكم وبلاد خدامنا قبيلة تكنة بسيدي بورزك، أو بالمحل المسمى آصاكا، ليسهل عليكم وعليهم بقربها تعاطي البيع والشراء فيها لبعد مراسي إيالتنا السعيدة عنكم ولحاق المشقة لكم في سفركم لها..».
وإذا كان السلطان مولاي الحسن الأول قد تمكن من إفشال مشروع التاجر كورتيس بعد اعتقاله سنة 1883م، فإنه قد عانى الأمرين من تزايد محاولات ماكينزي في ساحل طرفاية، ولم يتمكن من استرجاع هذا الساحل إلى حضيرة الوطن، إلا في سنة 1895م، بعد التوقيع على اتفاقية بين الحكومة البريطانية والمخزن المغربي، اعترفت فيها بريطانيا بحقوق المغرب المشروعة في هذه الأصقاع وبسيادة السلطان في هذه المناطق، مقابل حصولها على مبلغ 50 ألف جنيه كتعويض لماكينزي عن مركزها».

 

 

قصة حامية عسكرية أسسها السلطان في «كلميم» سنة 1886

«بعث السلطان مولاي الحسن مذكرة احتجاج إلى ممثلي الدول الأجنبية بطنجة في 16 مارس 1886م، حذرهم فيها من عواقب نزول رعاياهم في سواحل بلاده الجنوبية، دون الحصول على إذن أو ترخيص منه، كما أنه جهز حركة ثانية إلى سوس سنة 1886م، للتأكيد على تمسكه بوحدته الترابية ورفضه المطلق للحماية التي زعمت إسبانيا فرضها على ساحل وادي الذهب. وبمجرد حلوله بوادي نون في 13 ماي 1886م، وفدت عليه جموع شيوخ القبائل بتجديد البيعة له، فنظم بلادهم وأقام حامية عسكرية في كلميم، ونصب قوادا جددا وكلفهم بحراسة السواحل الجنوبية ومنع رسو السفن الأجنبية بها، ومعاقبة كل من يتعاون مع الأجانب. وتوصل السلطان برسالة من قائده بالجنوب محمد بن أحمد بن الكور الزفاضي، قال فيها:
«.. إن جميع قبائل الصحراء وأعيانهم كابن أحمد عيد وقبائله… وغيرهم من قبائل الصحراء قد فرحوا بقدوم سيدنا لهذه البلاد، ويطلبون له النصر والظفر ويطلبون الله أن يمتعهم بلقائه في بلادهم، والحاصل أنهم يحبون سيدنا نصره الله وأيده وينصرون كلمته».
وبعد عودته إلى مقر حكمه، توصل السلطان برسالة من وزير إسبانيا بطنجة «ديوسضادو»  (Diosdado)يطلب فيها معرفة حدود المغرب الجنوبية، فرفض السلطان هذا الأسلوب واعتبره تدخلا في شؤون بلاده، وبعث رسالة إلى نائبه بطنجة «محمد الطريس»، قال فيها: «..فأجبه بما حاصله من أن حدها حيث الكرسي المستقل، وهو مصر من ناحية السودان من ناحية ومغنية من ناحية، وأما وادي الذهب فقد بحث فيه أعراب هذه الناحية، فأخبروا أن هذا المحل بناحية أولاد دليم وقبيلة تسمى بالعروسيين، الذين هم بخدمتنا الشريفة».

وأمام تعنت الإسبانيين وعدم مبالاتهم باحتجاجات السلطان، هاجمت القبائل الصحراوية مراكز «فيلا سيسنيروس» في 24 مارس 1887م، فقررت الحكومة الإسبانية إلحاق ساحل وادي الذهب بالقيادة العامة لجزر الكناري، كما أنها منحت لقب الحاكم السياسي والعسكري على هذه المناطق لبونيللي».

هذا المقتطف أعلاه، من بحث الدكتور نور الدين بلحداد، والذي علق عليه باحثون ومؤرخون مغاربة، ووصفوه بأنه محاولة ناجحة لإنقاذ حزمة من المراسلات المخزنية التي توثق لأحداث محاولات احتلال الصحراء واختراق سيادتها، واستفزاز المغرب.

في هذا السياق، جدير بالذكر أن السلطان المولى الحسن الأول لم يتردد في الذهاب بنفسه إلى قبائل الصحراء، حيث سجلت البعثات الأجنبية أن تلك القبائل خصصت للسلطان استقبالا ضخما، وكانت زيارته إلى تلك الربوع فرصة لها لكي تجدد البيعة للدولة المغربية.

أمام هذا الوضع، وجدت بعض التمثيليات الأجنبية في طنجة الدولية نفسها محرجة أمام الطريس، ممثل السلطان هناك.. فقد كانت الأخبار الواردة من الصحراء تؤكد سيادة المغرب على الصحراء مترامية الأطراف، متجاوزا حتى تلك النقاط الجغرافية التي كانت بريطانيا وألمانيا تسعيان خلفها.

أما الفرنسيون، فقد كانوا يُدركون حجم تأثير السلطان الحسن الأول في الصحراء، وكانت لديهم تجربة سابقة معه، تتمثل في معارك استفزاز المغرب في الصحراء الشرقية، خصوصا على مستوى واحات فگيگ.

 

 

الفرنسيون اعترفوا بمغربية واحات الصحراء الشرقية

سنة 1903، قصف الفرنسيون مجموعة من الواحات في منطقة فگيگ. بهذه البساطة؟ جرى الترتيب للعملية بدقة، بعد فشل المساعي للاستيلاء عليها بطرق ملتوية.

المعطيات التاريخية تقول إن مساعي فرنسا لضم الواحات والأراضي الصالحة للزراعة في الصحراء الشرقية، وهي منطقة مغربية، بدأت قبل وصول المولى الحسن الأول إلى السلطة. علما أن المولى الحسن الأول جلس على العرش سنة 1873.

أحد الباحثين الفرنسيين، واسمه «موريس فوجاس»، وهو محام في الأصل، سجل أطروحة الدكتوراه سنة 1906، بجامعة «غرونوبل»، وخصص موضوعها للاتفاقيات والمعاهدات بين المغرب وفرنسا، وخلفيات وتداعيات معاهدة للا مغنية.

حاول هذا الباحث الفرنسي تقديم تحليل الاتفاقيات بين بلاده وبين المغرب، بتجرد عن القانون، وركز على الجانب السياسي والاقتصادي في قراءة كواليسها. وانصبت الدراسة، على فترة ما قبل وصول المولى الحسن الأول إلى الحكم، ثم السنوات الأولى التي تلت وفاته.

هذه الأطروحة اعتبرت ترويجا للدعاية الفرنسية.. فقد خلص من اطلعوا عليها من الباحثين المغاربة، إلى أن صاحبها كان يدافع عن الموقف السياسي لبلاده، ويشرعن احتلال واحات المغرب الشرقي من طرف الجيش الفرنسي.

حتى أنه اعتبر أن قصف منطقة «زناگة» سنة 1903، تعزيزا لحظوظ فرنسا، في حين أن الأمر كان يتعلق باعتداء صارخ على التراب المغربي، ومحاولة استفزازية خالفت كل الاتفاقيات المنصوص عليها بين البلدين.

وهذا الاعتداء، في حد ذاته اعتراف بمغربية الصحراء الشرقية وقبائلها وواحاتها.. وإلا لما احتاج الجيش الفرنسي إلى شن اعتداء عليها والتخطيط لضمها، ولاكتفى بالسيطرة عليها بعد احتلال الجزائر رسميا سنة 1830.

أحد الباحثين المغاربة الذين عروا تماما أكذوبة فرنسا التاريخية، هو د. عبد الرحمن الحرادجي، المتخصص في الجغرافيا، وسبق له التدريس في جامعة الحسن الأول في وجدة.

في تحليله لرسالة الدكتوراه للخبير الفرنسي «فوجاس»، خلص الحرادجي إلى عدد من الحقائق التاريخية المثبتة بالوثائق.

كما أنه ترجم أقوى مضامين رسالة «فوجاس»، وكشف عن مخطط فرنسا اختراق الحدود المغربية وطمسها. يقول:

«فموريس فوجاس نفسه يتطلع في نهاية أطروحته إلى يوم تمتد فيه السكة الحديدية من تلمسان إلى فاس، حيث يقول: «في هذا اليوم (…) سيتضح أننا قمنا بالوظيفة التي يمنحها التاريخ والطبيعة لفرنسا، ألا وهي نشر الحضارة (!) في المغرب وإيقاظه من السبات، حيث يُنوِّم الإسلامُ طاقاته وثرواته».

كان لا بد من التحرك إذن من الجزائر في اتجاه الغرب نحو المغرب، وإن اقتضى الأمر إعادة النظر والصياغة والهيكلة لمعاهدة للا مغنية التي كانت تعترف بمغربية بقاع تشكل حجر عثرة أمام تقدم الغزو الاستعماري، رغم الغموض المقصود الذي كان يلف بعض مضامينها. كان لا بد من تبديد هذا الغموض وتأويله لصالح الخطوات الجديدة، بل وتجاوز ما هو واضح بوضعه في تصورات جديدة. وهكذا أضيفت لمعاهدة للا مغنية بروتوكولات 1901 و1902، التي تبوأت فيها منطقة فجيج مكانة مرموقة نظرا إلى أهميتها الاستراتيجية».

حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى