
خالد الجزولي
يشكل تنظيم المغرب نهائيات كأس الأمم الإفريقية 2025، إلى الجانب التنظيمي أو الرياضي، رهانا اقتصاديا حقيقيا، بعدما اختار مسؤولوه الاستثمار في عالم كرة القدم، باعتبارها قطاعا مؤثرا وأداة تأثير ناعمة بين العائدات المالية المنتظرة، وبناء صورة دولية إيجابية، يحاول من خلالها المغرب، تقديم نفسه كنموذج إفريقي في الاقتصاد الرياضي.
وتشير التقديرات إلى أن استضافة المغرب لكأس الأمم الإفريقية 2025، ستحمل انعكاسات اقتصادية مهمة، خاصة على مستوى السياحة، الأثار الإيجابية للاستثمار في البنيات التحتية، النقل التلفزي والإعلانات والعائدات المالية المباشرة، ما يعد حافزا هاما لإنعاش الاقتصاد الوطني على مختلف الأصعدة..
تأثير استثنائي لـ “الكان” على قطاع السياحة
يتمثل تنظيم المغرب لـ “الكان”، فرصة لتقديم صورة جديدة للمملكة، كوجهة سياحية مؤهلة لاستضافة التظاهرات الرياضية العالمية، كما سيستفيد المغرب أيضا من الحملات الترويجية الواسعة الموازية للحدث الكروي الراهن، فضلا عن كون كأس إفريقيا للأمم اختبارا نموذجيا، قبل استضافة نهائيات كأس العالم 2030، وربما كأس العالم للأندية في العام نفسه، ما سيعزز الزخم الداعم للاقتصاد الوطني.
وانطلقت فعاليات كأس أمم إفريقيا “المغرب 2025″، وسط توقعات أن تكون الأفضل في تاريخ منافسات “الكان”، أمام التجهيزات والبنيات التحتية المنجزة في المغرب بمعايير الاتحاد الدولي لكرة القدم “الفيفا”، إذ يراهن المغرب من خلال تنظيمه للحدثين الكرويين القاريين، تحقيق نجاح اقتصادي بمردود إيجابي، خاصة في القطاع السياحي بإنجاز استثنائي، في عدد الوافدين وفق الأرقام الأولية لوزارة السياحة المغربية.
ويشكل تنظيم المغرب لـ “الكان” ما بين دجنبر الجاري ويناير المقبل، وذلك بالتزامن مع عطلة أعياد الميلاد ورأس السنة، فرصة تمنحه زخما سياحيا إضافيا إلى جانب الزخم الرياضي، كما يعد حافزا هاما لإنعاش الاقتصاد الوطني على مختلف الأصعدة، وتحديدا في قطاع السياحة، أمام الطلب الكبير على تذاكر المباريات، وتحديدا من أوروبا، مما سيُنعش هذا الموسم السياحي مع ارتفاع مستويات التوافد التي ستتزامن مع عطلة نهاية السنة، كما ستعزز باقي القطاعات الاقتصادية المرتبطة بقطاع السياحة الرياضية.
ويعد تنظيم المغرب للحدث الكروي القاري، واجهة جيدة للترويج له كوجهة سياحية مميزة، سيكون له الأثر الإيجابي على القطاع ككل، حيث كشفت تقارير إعلامية محلية، أن القطاع السياحي في المغرب، سجل خلال الفترة ما بين يناير ونهاية أكتوبر 2025 قفزة مالية غير مسبوقة، بعدما بلغت عائدات السفر ما يقارب 113 مليار درهم بالعملة الصعبة، بمعدل يفوق بكثير ما حققه القطاع خلال سنة 2024 كاملة، ويعزز موقع السياحة كأحد أهم الموارد المالية لخزينة الدولة.
وتضيف التقارير ذاتها، أنه على مستوى الوافدين، استقبل المغرب خلال الأشهر العشرة الأولى من العام ما يقارب 16.6 مليون زائر، بزيادة تتجاوز 14 بالمائة مقارنة مع الفترة نفسها من 2024، مع اعتبر دينامية جديدة في الأسواق التقليدية كفرنسا وإسبانيا، إلى جانب تنامٍ واضح في الأسواق الجديدة القادمة من أمريكا الشمالية وإسرائيل وألمانيا.
وتتوقع المصادر ذاتها، أنه قياسا بمؤشرات سنة 2025، ستكون السنة الجارية أقوى السنوات في تاريخ السياحة المغربية، بالنظر إلى الأرقام المحققة حتى أكتوبر الماضي، دون احتساب الزخم السياحي المرتقب بفضل تنظيم المغرب لنهائيات كأس أمم إفريقيا، والبنيات التحتية التي جهزها لاستقبال الوفود الدولية، ومن بينها الفنادق وباقي مؤسسات الإيواء السياحي.
الأثار الإيجابية للاستثمار في البنيات التحتية
يراهن المغرب على تحويل كأس أمم إفريقيا 2025، إلى منصة لإبراز قدراته التنظيمية وتعزيز مكانته الاقتصادية، عبر توظيف البطولة القارية، بوصفها محطة اختبار قبل استضافة “مونديال” 2030 بالشراكة مع إسبانيا والبرتغال.
وقد خصص المغرب، كما جاء على لسان فوزي لقجع الوزير المكلف بالميزانية في تصريحات إعلامية، نحو 150 مليار درهم (15 مليار دولار) لدعم البنى التحتية المرتبطة بالنقل والملاعب والمطارات والطرق، وذلك في إطار استعدادات المملكة لكأس أمم إفريقيا ولتنظيم كأس العالم 2030، موضحا أن تلك الاستثمارات تدخل ضمن رؤية استراتيجية تهدف إلى ضمان استدامة المشاريع وتعزيز الإشعاع الدولي للمغرب، مع التأكيد على عدم تحميل الميزانية العامة أعباء إضافية، من خلال اعتماد آليات تمويل مبتكرة ومقاربة قائمة على الشراكات متعددة المستويات، كما أشار إلى أن تلك المشاريع ستخلق ثروة وفرص عمل ونسبة نمو أكبر، لافتا إلى أن المغرب ينظر إلى تلك البطولات بوصفها “رافعة اقتصادية تتجاوز الحدود الرياضية”.
النمو وزيادة الناتج المحلي الاجمالي
ويعد الاستثمار في البنية التحتية للمغرب لاستضافة كأس إفريقيا والمونديال 2030، له آثار إيجابية كبيرة، تشمل تعزيز النمو الاقتصادي عبر تنشيط قطاعات السياحة والخدمات وزيادة الناتج المحلي الإجمالي، وتطوير الهياكل التحتية كالمطارات والملاعب والطرق، وتحسين الصورة الدولية للمغرب كقوة تنظيمية قادرة على استضافة الأحداث الكبرى، مما يعزز جاذبيته للاستثمارات الأجنبية ويخلق إرثاً مستداماً للمملكة على المديين القصير والطويل، رغم التكاليف الأولية المرتفعة.
وتترتب الآثار الاقتصادية لتنظيم الحدثين الرياضيين، في نمو الناتج المحلي الإجمالي، تنشيط السياحة والخدمات، وارتفاع عائدات مباشرة وغير مباشرة، دعم المقاولات من خلال خلق فرص لنمو الشركات المتوسطة والصغرى، خاصة في قطاعي الصناعة السياحية والحرفية، فيما تتجلى الآثار الإيجابية على البنية التحتية في تسريع وتيرة إنجاز مشاريع النقل (مطارات، طرق..)، وتجهيز الملاعب، وتطوير المنظومات اللوجستية..، تطوير المطارات من خلال بناء محطات جديدة، لرفع القدرة الاستيعابية بشكل كبير، تجهيز المنشآت الرياضية، بتحديث وتوسعة الملاعب لاستقبال المعايير الدولية، مثل ملعب مولاي عبد الله وملعب طنجة الكبير.
وتتمثل الآثار الاستراتيجية للاستثمار في البنيات التحتية، استعدادا لتنظيم “الكان” و”المونديال”، تعزيز السمعة الدولية للمغرب، وإبراز قدرته على التنظيم على مستوى عالمي، ما يعزز جاذبيته للاستثمارات الأجنبية المباشرة ويقوي صورته السياسية، وتطور قدراته الإدارية والتقنية في إدارة المشاريع الكبرى، لاسيما وأن الاستثمارات في البنية التحتية ستخدم المغرب بعد انتهاء الحدث، ويعزز مكانته كمركز اقتصادي وسياحي إقليمي.
ويعد الاستثمار الحالي في البنيات التحتية، وفق محللين واقتصاديين، رافعة هيكلية لتنمية اقتصادية مستدامة، تهدف إلى ترسيخ مكانة المغرب كقوة صاعدة ومحرك رئيسي في المنطقة، مع تحقيق مكاسب اقتصادية ومعنوية كبيرة على المدى الطويل.
تدفق جماهيري لأكثر من 135 دولة
يرى المحللون أن تدفق السياح والجماهير خلال بطولة كأس الأمم الإفريقية، بالتزامن مع عطلة نهاية العام، سيُعطي دفعة قوية للمغرب، مع توافد جاليات كبيرة من المغتربين وحاملي الجنسيات المزدوجة، وخاصة من أوروبا وإفريقيا وقارات أخرى، إذ يتوقع أن يستقبل المغرب رقماً قياسياً من حيث عدد السياح، حيث سجل تطبيق “يالا” الإلكتروني بالفعل أكثر من 170 ألف حساب مشجع من 124 دولة، وبيعت أكثر من 300 ألف تذكرة في ثلاثة أيام فقط من بدء بيعها، ما اعتبر رقما قياسيا لم يُحقق من قبل خلال بطولة كأس الأمم الإفريقية، حيث حجز مشجعون من 135 دولة مقاعدهم بالفعل، ونفدت تذاكر مباريات “أسود الأطلس” في أقل من ساعة بعد طرحها للبيع إلكترونيا.
وتشير التقديرات إلى أن المغرب قد يجني ما بين 8 و10 مليارات درهم مغربي، نتيجة تدفق ما بين 500 ألف ومليون زائر أجنبي لمتابعة مباريات “الكان”، من خلال الإقامة والفنادق والمطاعم والمواصلات والخدمات، قياسا بأعداد الجماهير والسياح الوافدين على المغرب خلال منافسات الكأس الإفريقية، إذ يتوقع أن يساهم هؤلاء بنسبة كبيرة في الرفع من قيمة الإيرادات، من خلال الإقامة المطولة والإنفاق اليومي المكثف، مما يعزز النشاط التجاري والسياحي في المدن المضيفة.
وتشير الحسابات إلى أن مرحلة دور المجموعات قد تولد بين 5 و10 مليارات درهم، اعتمادا على متوسط إقامة عشر ليال لكل مشجع وإنفاق يومي، ومع تقدم البطولة إلى الأدوار الإقصائية، يُقدّر إنفاق الزوار بحوالي نصف ما هو عليه في دور المجموعات.
وتلعب القدرة الشرائية لجماهير الدول ذات الناتج المحلي الإجمالي للفرد المرتفع دورا كبيرا في تعزيز الإيرادات، حافزا لرفع سقف الإنفاق خلال البطولة، ويعكس بيع مليون تذكرة حتى الآن الحماس الكبير للحدث، ويؤكد إمكانية تحقيق أرباح مالية ضخمة عبر السياحة والخدمات والتجارة، إلى جانب أثر طويل المدى على الاقتصاد الوطني.
ومع استعداد المدن المغربية الست لاستقبال الوفود، وتعزيز البنية التحتية الفندقية والمواصلات والخدمات اللوجستية، يتضح أن كأس أمم إفريقيا لكرة القدم 2025 ليست مجرد بطولة رياضية، بل فرصة اقتصادية استثنائية للمغرب لتعزيز مكانته كوجهة سياحية ورياضية رئيسية في إفريقيا، وتحقيق أرباح مالية مباشرة وغير مباشرة تصل إلى مستويات غير مسبوقة في تاريخ البطولة القارية.
20 اتفاقية للبث وتغطية أكثر من 20 منطقة أوروبية
سجل تنظيم المغرب للنسخة 35 لنهائيات “الكان” عن نحو 5500 طلب اعتماد إعلامي، وحصول حوالي 3800 وسيلة إعلامية على الاعتماد لتغطية الحدث الكروي القاري، في رقم قياسي تاريخي لبث مباريات كأس الأمم الإفريقية، مع إبرام نحو 20 اتفاقية حقوق بث، تُغطي ما يقرب من 30 دولة، وفقا للاتحاد الإفريقي لكرة القدم “الكاف”.
وتتيح التغطية الإعلامية الموسعة لملايين المشجعين في جميع أنحاء أوروبا، بما في ذلك أبناء الجالية الإفريقية في الخارج، متابعة مباريات “الكان” مباشرةً، وتمثل اتفاقيات “الكاف” خطوةً هامةً في استراتيجيتها لزيادة انتشار كرة القدم الأفريقية عالميًا، وتعزيز حضورها وقيمتها.
وبعد اتفاقية “الكاف” مع القناة الرابعة البريطانية، والتي تُعد الأولى من نوعها لبث جميع مباريات “الكان” لـ 52 مجانًا، أبرم الجهاز الكروي الإفريقي، اتفاقيةً جديدةً في إسبانيا مع إحدى أبرز القنوات الرياضية في شبه الجزيرة الأيبيرية، والتي تتمتع بتغطيةٍ واسعة، بالإضافة إلى حجم الجالية المغربية في إسبانيا والروابط الوثيقة بين كأس الأمم الإفريقية وكرة القدم الإسبانية، في جذب جمهورٍ كبير، علاوةً على ذلك، أبرم “الكاف” اتفاقيةً جديدةً مع هيئة الإذاعة والتلفزيون اليونانية، لإعادة بث مباريات “الكان” على الشاشات اليونانية، مما يضمن تغطيةً وطنيةً شاملةً لأول مرة منذ سنواتٍ عديدة، كما تعد المرة الأولى في التاريخ، سيتم بث البطولة الإفريقية مجانًا في النرويج، ناهيك عن الاتفاقية المبرمة مع أبرز القنوات الرياضية، التي تمتعت بنسب مشاهدة عالية خلال النسخة السابقة في إيطاليا وهولندا، من تفاعل الجمهور ونموه، لا سيما مع وجود جالية مغربية كبيرة في الدولتين، ووجود العديد من النجوم المغاربة في الدوري الهولندي الممتاز. كما يُتوقع استمرار الشراكة في أوروبا لجذب نسب مشاهدة عالية في ألمانيا والنمسا وسويسرا.
وتَعِدُ بطولة “الكان” بفوائد اقتصادية مباشرة وغير مباشرة غير مسبوقة للمغرب، ويعتقد العديد من الخبراء أن هذه النسخة من البطولة ستكون بمثابة محفز اقتصادي حقيقي للبلاد المضيفة، قياسا بالعائدات المحتملة من حقوق البث التلفزيوني والرعاية، وبالنسبة لـ “الكاف”، تقدر العائدات المباشرة بنحو 112.84 مليون دولار لصالح الاتحاد الإفريقي لكرة القدم “الكاف”، على أن يستفيد المغرب من 20 بالمئة، منها وفق دفتر التحملات، أي ما يعادل نحو 22.5 مليون دولار.
وقد شهدت نسخة 2023 من كأس الأمم الإفريقية، التي استضافتها ساحل العاج، أعلى نسبة مشاهدة وانتشار في تاريخ البطولة، حيث جمعت ما يقارب ملياري مشاهد، أما على الصعيد الرقمي، فقد بلغ التفاعل مستوى غير مسبوق، حيث حصدت الفيديوهات 2.2 مليار مشاهدة، وبلغت المشاهدات على منصة تيك توك 3.6 مليارات مشاهدة.





