
ولد محمد العربي المساري يوم 8 يوليوز 1936 بتطوان، شمال المغرب، في ذروة الاحتلال الإسباني للمنطقة. تابع دراسته بالمدينة التي كانت حينئذ مهد الصحافة الوطنية، وبرز نبوغه في ثانوية القاضي عياض، هناك سيشارك رفيق دربه محمد بن عيسى في تحرير مجلات حائطية.
إذاعي سقط في حب موظفة بأم الوزارات
انشغل المساري مبكرا بالصحافة، وآمن بقدرته على السير بعيدا في هذا المجال، إلى أن التحق بالإذاعة التي عمل بها إلى 1964، تاريخ انضمامه إلى جريدة «العلم»، فأصبح رئيس ومدير تحريرها، وأول نقيب للنقابة الوطنية للصحافة المغربية. شغل عضوية الأمانة العامة لاتحاد الصحافيين العرب سنة 1969، ثم نائب رئيس للاتحاد في 1996 حتى 1998.
وتولى العربي المساري رئاسة اتحاد كتاب المغرب لثلاث ولايات في 1964 و1969، ثم 1972. كما شغل عضوية المجلس الإداري لمؤسسة الثقافات الثلاث في إشبيلية.
عين وزيرا للإعلام من مارس 1998، كما عمل سفيرا للمغرب بالبرازيل، وهو رئيس سابق للفريق البرلماني لحزب الاستقلال من 1984 إلى 1992.
شارك المساري سنة 1998 في حكومة التناوب التوافقي، التي قادها الوزير الأول الاشتراكي عبد الرحمن اليوسفي، حيث عين وزيرا للاتصال، قبل أن يطالب بإعفائه.
ورغم أن المساري كان يكتب بالعربية والإسبانية والبرتغالية، فإنه عرف بدفاعه المستميت عن اللغة العربية. ومما كتبه في هذا الشأن «ينزل الوافد على المغرب، فيقطع عدة كيلومترات منذ خروجه من مطار محمد الخامس، لا يرى إلا لافتات إشهارية ليس فيها حرف عربي واحد، وكأنه في مدينة أسترالية».
برز اسم محمد العربي المساري في الحقل الإعلامي والسياسي والدبلوماسي المغربي، لكنه يصر في حواراته على أن يرتدي قبعة الصحافي، الذي اشتغل في الصحافة على امتداد ستة عقود من الزمن، حيث ناضل من أجل حرية الصحافة، سواء كصحافي في جريدة «العلم»، أو كوزير للاتصال.
توفي محمد العربي المساري يوم 25 يوليوز 2015 بالرباط، عن عمر ناهز 79 عاما، وذلك بعد معاناة مع المرض.
هم سياسي وثقافي في بيت العربي المساري
في حفل تأبينه، اختلط رجال الفكر برجال السياسة بالشعراء بالصحافيين، وحين نعت النقابة الوطنية للصحافة المغربية الراحل، وصفته بـ«أحد الرموز المناضلين والكتاب والصحافيين ورجالات الدولة المعروفين بدفاعهم المستميت عن القضايا».
كان من الطبيعي أن يخلف موت المساري غصة في وجدان عائلته، وفي الوسط الإعلامي والسياسي. في حديثها عن الرحيل، تحدثت أرملته ثريا الشرقاوي، التي تعرف عليها حين كانت موظفة في وزارة الداخلية، وكان مذيعا في الإذاعة الوطنية بالرباط، قبل أن يترجما الإعجاب إلى حب واقتران وعش زوجية دافئ.
في أيامه الأخيرة، تحولت ابنته منى إلى ممرضة ترعى والدها الذي كان متشبثا بالحياة وحريصا على العلاج، ويعلن رفضه تناول الدواء، مستسلما للمرض الذي أنهك جسده، وقدر الله أن يغادر الحياة الدنيا بهدوء كما عاش، وهو جالس بين أهله، يوم 25 يوليوز 2015.
قبل رحيله بأيام معدودة، كان حريصا على الاهتمام بمدخراته الفكرية، خاصة وأنه ترك إرثا للأجيال عبارة عن مؤلفات في التاريخ السياسي للمغرب، وخصوصا تاريخ الحركة الوطنية والمقاومة والعلاقات المغربية الإسبانية وقضية الصحراء والتعددية. أردنا نحن أن تكون صدقة جارية له بعد وفاته، ليستفيد منها طلاب العلم والمعرفة، قالت منى باكية: «لا تتصوروا مدى الأسى الذي شعرنا به حينما جاء مندوبو أرشيف المغرب وبدؤوا بإفراغ مكتبته، أخذوا فقط الوثائق، وهي كثيرة ومتنوعة، كان شعورنا كأن العربي يرحل عنا من جديد، كلما أخذوا كتابا من كتبه تجدد حزننا عليه، فقد كانت تلك الوثائق والكتب غالية عليه جدا».
منى وأسرتها.. من المرافقة إلى التمريض
حرص الفقيد المساري على تربية أبنائه ومنحهم مساحة تضيق وتكبر من حياته، حتى في ظل التزاماته الكثيرة، «كان حنونا وموجودا معنا باستمرار، مرة كتب له أبناؤه رسالة يطالبونه بلقاء عائلي خاص للفسحة، لأنه كان مشغولا، ضحك لهذه الالتفاتة ولم يتردد في تنفيذ طلبهم. كان دائما معنا، كنا نسافر جميعا ونمضي أوقاتا جميلة»، تقول زوجته في حوار مع مجلة «سيدتي».
نذرت ابنته منى المساري حياتها لخدمة والدها، وكان يحرص على الاحتفال بأعياد ميلادها على غرار باقي أفراد الأسرة. كانت حريصة على تحضير مناخ القراءة في البيت.
تحولت منى إلى ناطقة رسمية باسم عائلة المساري، فهي التي أخبرت الرأي العام بخبر وفاة والدها بكلمات بالغة الحزن وصوت دامع قالت منى إن والدها قضى الفترة الصباحية، قبل وفاته، مع أسرته والمقربين منه في هدوء تام كما كان دائما، وأنه كان سعيدا بوجود من يحبهم من حوله.
وقالت ابنة الدبلوماسي والصحافي والوزير السابق إن والدها كان يرتاح كثيرا لسماع القرآن الكريم، خصوصا في الأيام الأخيرة التي كانت تصيبه فيها نوبات صحية.
منى المساري: والدي شيع مرتين يوم موته ويوم تسليم مكتبته
أشرفت منى، كريمة وزير الاتصال الأسبق الراحل محمد العربي المساري، على تسليم مؤلفات والدها إلى المكتبة الوطنية للمملكة المغربية، وعددها حوالي ثلاث آلاف كتاب كانت في خزانة والدها، بالإضافة إلى عدد كبير من المجلات والجرائد والأقراص المدمجة، التي كان يحرص على اقتنائها من داخل المغرب وخارجه.
كانت عملية نقل الخزانة من البيت إلى المكتبة الوطنية بمثابة جنازة ثانية لوالدها، وقالت منى: «لم نستطع لمدة سنتين بعد وفاته الاقتراب من خزانته، وبعد ذلك قررت الأسرة تسليمها إلى المكتبة الوطنية، تحقيقا لرغبته في أن يستفيد الباحثون منها عوض أن تظل حبيسة الرفوف». علما أن محمد العربي المساري سبق أن سلم جزءا منها في حياته إلى مؤسسة علال الفاسي ومؤسسة عبد الخالق الطريس. وتتوزع هذه الكتب على مجالات الأدب والفكر وعلم السياسة والمذكرات، باللغة العربية والإسبانية والبرتغالية والفرنسية والإنجليزية.






