حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

شوف تشوف

الرأيالرئيسيةثقافة وفن

نظرية الانفجار العظيم والخلق الإلهي

 

بقلم: خالص جلبي

 

استطاع العلم الحديث أن يصل إلى فهم بداية العالم، وكان ذلك من عدة مصادر لعل أينشتاين كان قد اهتدى إليها، ولكنه خاف تحت ضغط المسلمات العقلية عن ثبات العالم، فأوصلته المعادلات الرياضية إلى أن الكون يتوسع، وهي الرياضيات نفسها التي قام بها عالم رياضيات روسي هو «ألكسندر فريدمان»، فكتب عن انتفاخ العالم وتمدده، ولكن اليقين جاء من عالم أمريكي هو «إدوين هابل» ومن خلال رؤية تلسكوبية، حيث اهتدى الرجل إلى حقيقتين مزلزلتين للفكر السائد: الأولى أن عالم المجرات ليس مجرتنا الوحيدة فيه؛ بل هنالك ما لا يقل عن تسع مجرات أخرى، وهو رقم متواضع جدا عما فتح العلم الطريق إليه، والثانية كان عن ابتعاد المجرات عن بعضها، وذلك من خلال تقنية بسيطة تعتمد لون الضوء؛ ما يعرف بظاهرة الزحزحة الحمراء، فالأحمر يعني أن الضوء يهرب منا، والقادم يقدم إلينا برأس أزرق. ما رآه «إدوين هابل» من مرصد بالومار أن المجرات تتباعد وتطلق لونا أحمر فقط. حاليا نعرف مقدار التباعد بالضبط، والأهم هي فكرة انقلابية عن معنى التوسع؛ فإذا كان الكون يتوسع فهو البارحة أصغر، وهو قبل سنين ينكمش إلى أصغر فأصغر، ولكن إذا مشينا بهذا التسلسل نفسه فهو سيقودنا تلقائيا إلى كون منكمش جدا، ومن هذا المنطلق ولدت نظرية الانفجار العظيم (Big Bag Theory) التي تقول إن الكون بدأ من نقطة رياضية متفردة، يطلقون عليها الحقبة المتفردة (Singularity)، حيث لا زمان ولا مكان ولا طاقة ولا مادة ولا قوانين، وهي أشبه بقصص السحر والسندباد البحري، ولكن هذه النظرية تدعمها الكثير من الشواهد أن عمر الكون يمتد سحيقا حتى 13,7 مليار سنة. وهي نظرية تصب في مفهوم الخلق الإلهي، «ذلكم الله ربكم لا إله إلا هو خالق كل شيء فاعبدوه وهو على كل شيء وكيل. لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار، وهو اللطيف الخبير» (الأنعام 102 ـ 103).

أمنا الحنون ومجرتنا التي ننتسب إليها، وتضمنا بين جناحيها، تجعلنا نقف ونتساءل ما هذا الكون الذي نعيش فيه؟ من أين جاء وإلى أين ينتهي؟ ما طبيعته، وما مصيره؟ كيف انفجرت الحياة على سطحه في هذا التنوع البديع؟ جئنا إلى الحياة بغير رغبة منا وتصميم مسبقين، وسوف نودعها كارهين ولربما خائفين بغير تخطيط مبرمج. ما هو هذا العدم الذي خرجنا منه إلى الحياة؟ ما هي هذه اللانهاية المحاطة بالأسرار، والتي نندفع باتجاهها بكل قوة فنغيب في أحشائها ضيوفا على الأبدية بدون عودة و لا خبر. هل لهذا الكون من بداية؟ هل له نهاية؟ وماذا كان قبل البداية؟ وكيف كانت البداية؟ كلها أسئلة اشتغلت بها الفلسفة قديما وما زالت. إلا أن العلم الحديث، وخاصة الكوسمولوجيا، أفادتنا بمعلومات جديدة ومثيرة في هذا الصدد.

وقف أينشتاين في إحدى الليالي المثيرة مرتعبا لا يكاد يصدق ما ترى عيناه خلال الغابة الكثيفة من المعادلات الرياضية التي تشق الطريق فيها، عبر رموز ودلالات لا تنتهي.

فما هذا الشيء المثير والمزلزل ذلك الذي قادت إليه سفن المعادلات؟ وما هو نوع الشواطئ التي رست عليها؟ وأي نوع من الجزر ألقت مراسيها تجاهها؟

لقد رست بعض المعادلات هذه المرة على معلومة مفادها أن الكون في حالة (ديناميكية) وليس (إستاتيكية)، أي أن هذا الوجود الذي ننتمي إليه هو في حالة تطور وتمدد وانتفاخ، وليس في حالة ركود وتماسك وثبات.

كانت معلومة انقلابية وجديدة على الفكر الإنساني، وتولدت عبر المعاناة مع الدغل الكثيف المخيف من تعانق الغابات الاستوائية الفكرية، حيث حرارة الفكر ووهج المعادلات الرياضية.

هذه الحقيقة الانقلابية كانت تخالف كل الفكر الإنساني السابق، في ثبات الكون، وتماسك أركانه، ودوران أفلاكه، عبر نظام دقيق ومدارات واضحة، لقد رسا الفكر هذه المرة على شاطئ (جزيرة الكنز)، إلا أن أينشتاين ارتكب أعظم خطأ علمي في حياته، كما اعترف هو نفسه بعد ذلك.

شعر أينشتاين أن العالم الذي يقف عليه يتزلزل، والأرض التي تحمله تميد من تحت قدميه، فأسرع يحاول إدخال التماسك على هذا العالم المنهار، ويدخل ما يمكن لهذا الخرق في سفينة التصور العقلي القديم لإنقاذ العالم القديم من الغرق.

يقول أينشتاين إنه بدأ برفع معادلاته التي مشت لوحدها، بمنطقها الخاص، وولدت نتيجة (تمدد العالم)، فأدخل كوابح خاصة، اخترعها لإيقاف هذا المسلسل، وهكذا أدخل ما يسمى (الثابت الكوسمولوجي)، وبذلك أدخل الفرامل التي منعت تزحلق العالم في هذا الجليد الكوني الذي لا يعرف إلى أين سيأخذ العالم باتجاهه.

في الوقت نفسه كان رجل أمريكي، قد لجأ إلى الجبال ينظر في النجوم هو «إدوين هابل»، يرتعب من حقيقة شبيهة بتلك التي انفجرت بين حلقات المعادلات الرياضية، تلك التي كان أينشتاين يتعامل معها. وكانت الحقيقة الجديدة هذه المرة، تنفجر بين الأكوام التي لا تنتهي من النجوم التي يتأملها العالم الفلكي الأمريكي «هابل» بصبر وخشوع عبر آلاف الأعمال التي لا تنتهي، وآلاف الساعات من العمل، في الليالي الطويلة الممضة والممتعة بآن واحد، وهو يتأمل هذا السكون الأبدي، وهذا الامتداد السرمدي.

كان المنظر الذي خشع له قلب «إدوين هابل» واقشعر منه جلده وهو لا يكاد يصدق أيضا، وعبر الوسائط العامية التي اجتمعت مع التراكم العلمي السابق في تطوير رؤية حركة الأشياء، عبر طيف الضوء الذي ينبعث منها، وهو ما عرف بظاهرة (الزحزحة الحمراء).

 

نافذة:

شعر أينشتاين أن العالم الذي يقف عليه يتزلزل والأرض التي تحمله تميد من تحت قدميه فأسرع يحاول إدخال التماسك على هذا العالم المنهار

حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى