
بعد ولايتين من السهر على تسيير الشأن العام المحلي بالجماعة الحضرية لتطوان، لم يجد حزب العدالة والتنمية بتطوان من مشاريع أو إصلاحات ظاهرة يتم الاستناد عليها لمحاولة تلميع صورته، والتغطية على الفضائح المتوالية لقيادات وطنية وخروج بعضها لفضح المستور، سوى اللجوء إلى محاولة الركوب السياسي على مشاريع ملكية، والعودة إلى خطاب المظلومية قصد ترقيع القواعد الانتخابية، سيما في ظل هاجس الخوف من تضاعف نزيف الشعبية، بالنظر إلى النتائج الانتخابية التي تم الحصول عليها خلال الانتخابات البرلمانية الجزئية، ووصفت من البيت الداخلي لإخوان سعد الدين العثماني بالكارثية.
تطوان: حسن الخضراوي
ظهر من خلال مؤشرات واضحة، استمرار تخبط ما سمي «تحالف الوفاء» في العشوائية والفوضى في تسيير جماعة تطوان، والصراع الدائر بين محمد إدعمار، رئيس الجماعة الحضرية، ونائبه الأول نور الدين الهاروشي، حول ملفات وقضايا ساخنة، أهمها الاستغلال السياسي للمال العام، والفشل في تنمية المداخيل، وتضييع فرص مهمة على الجماعة لتحقيق التوازنات المالية الضرورية، فضلا عن صراعات استقطاب المستشارين من أحزاب أخرى وترضية خواطرهم، لضمان التصويت والمصادقة على نقاط جدول أعمال الدورات المنعقدة.
وحسب مصادر فإن رفض الهاروشي التنازل عن الشكاية التي وضعها ضد الرئيس بتهم استغلال المال العام في الحملات الانتخابية، وذلك في موضوع استقبال عبد الإله بنكيران، الأمين العام السابق لحزب العدالة والتنمية، بمهرجان خطابي، زاد من حدة الصراعات وتصفية الحسابات بين الطرفين، خاصة في ظل استمرار النائب الأول في ممارسة دور المعارضة، وفضح ملفات تم تجميدها من قبل السلطات الوصية، أو قطع الطريق أمام استغلالها سياسيا بطرق ملتوية.
وأضافت المصادر نفسها أن حزب التجمع الوطني للأحرار عن المعارضة قطع حبل الود مع إدعمار، بسبب الخلاف حول منهجية التسيير، والتهرب من المسؤولية في إضرابات قطاع النظافة، فضلا عن فشل التحالف الهش وغير المتجانس، في تنمية المداخيل والسقوط في مطب عدم التأشير على ميزانية سنة 2020، واللجوء إلى قرارات عاملية، من أجل ضمان التوازنات المالية للجماعة، وتدبير الأمر الواقع فقط، عوض الاجتهاد الذي يفترض أن يقوم به المجلس، للعمل على تشجيع الاستثمارات وتحصيل المستحقات وتحريك عجلة الاقتصاد المحلي.
أزمة الميزانية
على الرغم من التصويت والمصادقة الأولى خلال دورة أكتوبر الماضية، على مشروع الميزانية الخاص بالجماعة الحضرية لتطوان لسنة 2021، إلا أن عامل الإقليم رفض التأشير بسبب تضخيم توقعات المداخيل، وضرورة تفادي بعض المصاريف غير الضرورية، إلى جانب تغييب توجيهات مصالح وزارة الداخلية، بخصوص إعداد مشروع ميزانية يراعي الظروف الاستثنائية التي تمر منها البلاد بسبب جائحة «كوفيد- 19»، والالتزام بأداء النفقات الإجبارية.
وقام مجلس تطوان بخفض توقعات المداخيل بأكثر من 90 مليون درهم، فضلا عن إجراء تعديلات وفق ما أتت به مذكرة السلطات الإقليمية، حيث تمت المصادقة لمرة ثانية على مشروع الميزانية، في ظل انقسام واضح بين المستشارين حول تضييع فرص تنمية المداخيل، والتهاون في اتخاذ قرارات جريئة بخصوص الأكرية والضرائب، والباقي استخلاصه، وضرورة التنسيق مع كافة المؤسسات المسؤولة لوضع خطة عمل تهدف إلى الرفع من المداخيل، قبل السقوط في مطب التدابير الترقيعية.
وذكر مصدر مطلع أن العديد من المستشارين بمجلس تطوان، سبق مقاطعتهم دورة المصادقة على مشروع الميزانية، بسبب القرارات الانفرادية للرئيس، والغرق في الديون الخاصة بشركات التدبير المفوض، والمشاكل والاختلالات التي همت قسم المنازعات، وأدت إلى عدم استئناف أحكام قضائية صادرة ضد الجماعة، حيث تم التحرك بشكل متأخر لمراجعة مجموعة من الملفات، والدقة في الدفاع عن مصالح الجماعة بتوسيع الاستشارات القانونية، وتحديد المسؤوليات لربطها بالمحاسبة.
وأضاف المصدر نفسه أن الرفع من مداخيل الميزانية يتطلب قرارات سياسية شجاعة، من أجل خفض الباقي استخلاصه وتحصيل المستحقات، خارج أي حسابات انتخابية، والصرامة في الدفاع عن مصالح الجماعة، وهو الشيء الذي لا يتوفر داخل تحالف ما سمي «الوفاء»، لغياب الانسجام بين الرئاسة والنواب، والحرب الدائرة بين الأحزاب المتحالفة، ومشاكل الاستقطاب التي اتهم إدعمار بتكريسها، بعد استقطابه لمستشارين عن الأغلبية والمعارضة على حد سواء، للحفاظ على التوازن في صراعه مع نائبه الأول، وضمان البقاء في المنصب والأغلبية العددية للتصويت.
وأشار المصدر ذاته إلى أن حزب العدالة والتنمية بتطوان قدم وعودا بالجملة بتنمية المدينة، والعمل على تنزيل مشاريع يمكنها توفير فرص شغل مهمة للشباب، وتجهيز البنيات التحتية، لكن مع أزمة الميزانية وتدخل السلطات الإقليمية بقرارات عاملية للعمل على التدبير المالي وتفادي إعلان إفلاس الجماعة، ظهر جليا أنه يستحيل تنفيذ الوعود الانتخابية المعسولة، فضلا عن تراكم الديون، والدوران في حلقة مفرغة من التدبير اليومي الروتيني.
شكايات ومتابعات
أصبحت الشكايات والمتابعات القضائية ترهق إدعمار بشكل كبير، حيث سبق الاستماع إليه بشكل مطول في محاضر رسمية، من قبل الفرقة الولائية للشرطة القضائية، بتنسيق مع النيابة العامة المختصة، في ملفات تتعلق بتهم تزوير بالمنطقة الصناعية، وإصدار قرارات انفرادية دون العودة إلى اللجان الإقليمية التي يرأسها والي جهة طنجة – تطوان – الحسيمة، فضلا عن ملفات أخرى تتعلق باستغلال المال العام انتخابيا، وتنظيم مهرجان حزبي على حساب مصالح ومعدات وعمال وتجهيزات الجماعة الحضرية.
وتنظر هيئة المحكمة الابتدائية في ملف رقم 2019/2801/219، خلال شهر دجنبر الجاري، وهو الملف الذي يتعلق بالشكاية المباشرة التي رفعها نائب الرئيس، ضد استغلال حزب العدالة والتنمية معدات وتجهيزات وعمال الجماعة الحضرية لإقامة مهرجان انتخابي من تأطير عبد الإله بنكيران، الأمين العام السابق، حيث تم توثيق كافة الخروقات والتجاوزات بواسطة محاضر رسمية من توقيع عون قضائي مكلف، فضلا عن الاستناد إلى القوانين التي تمنع استغلال المال العام وسلطة التسيير في الترويج للون حزبي أو القيام بحملة انتخابية على حساب الجماعة الحضرية.
وقال دفاع أحد المستثمرين بالمنطقة الصناعية طريق مرتيل إن المحكمة الابتدائية ستعلن خلال الأيام القليلة المقبلة، عن انطلاق جلسات محاكمة محمد إدعمار في ملف الاتهامات الموجهة إليه بالتزوير واتخاذ قرارات انفرادية، تتعلق بسحب وتخصيص قطعة أرضية بالمنطقة الصناعية، خارج العودة إلى اللجنة الإقليمية التي يحق لها بمفردها اتخاذ القرار المناسب ضد المخالفين لبنود دفاتر التحملات التي تنظم الاستثمار.
وذكر مصدر أن الملفات والشكايات ضد إدعمار، والقضايا التي خسرتها الجماعة الحضرية بالمحكمة الإدارية، تزيد من الضغط على الرئاسة بخصوص تبعات القرارات الانفرادية، والتسبب في إحراج حزب العدالة والتنمية سياسيا، لأنه ظل يسوق لسنوات بأنه يخوض حملات انتخابية بمساعدة أعضائه البسطاء، في حين سبق خروج القيادي المؤسس الأمين بوخبزة ليكشف المستور، ويحرج قيادات وطنية.
وحسب المصدر نفسه فإن قيادة حزب العدالة والتنمية تتجه إلى صرف النظر عن إعادة تزكية إدعمار مجددا على رأس اللائحة بتطوان، وذلك بسبب ظهور مؤشرات حول صحة ما تضمنته خرجات القيادي المؤسس بوخبزة، والحديث عن كولسة خطيرة، وحرب الولاءات والتهافت على المكاسب والمناصب، دون اعتبار للمرجعية الإسلامية التي تأسس عليها الحزب.
تسويف ومماطلة
يتهم مجموعة من الموظفين بالجماعة الحضرية لتطوان محمد إدعمار، رئيس المجلس، بممارسة التسويف والمماطلة، في الاستجابة لمطالبهم المتعلقة بصرف مستحقاتهم وتعويضاتهم، فضلا عن التنصل من كافة الوعود ومضامين المحاضر الموقعة بعد خوض احتجاجات مختلفة للتنديد بتراكم المستحقات والتعويضات لسنوات، في غياب حلول واقعية وملموسة، رغم أن الأمر يتعلق بمصاريف إجبارية، وجب أن يتم تضمينها في مشروع ميزانية كل سنة، طبقا للقانون والمذكرات التي تصدر عن مصالح وزارة الداخلية في الموضوع.
وكشف محمد العربي الخريم، الكاتب العام المحلي للنقابة الديمقراطية للجماعات المحلية، العضو في الفيدرالية الديمقراطية للشغل، أن العديد من الموظفين أصبحوا يعيشون مشاكل مادية واجتماعية خطيرة، يمكن أن تعصف باستقرار أسرهم في كل لحظة، نتيجة تراكم الديون والالتزامات المالية، سيما وأن جميع الموظفين المحتجين وضعوا ثقتهم في محاضر الاجتماعات التي عقدتها النقابات مع الرئاسة، لتبقى حبرا على ورق.
وأضاف المتحدث نفسه أن كل آمال الموظفين الآن معلقة على عريضة تسلمها عامل الإقليم، من أجل تسوية ملف المستحقات والترقيات والتعويضات، وذلك بعد اليأس التام من إيجاد حلول مع رئاسة الجماعة الحضرية، التي ظلت تماطل وتتلاعب بملف الموظفين، حتى تراكم المبالغ المادية المخصصة للتسوية، وطرح مبررات واهية بعدها بتراجع مداخيل الميزانية، علما أن الموظفين لا يتحملون مسؤولية الإخفاق في تسيير الشأن العام، وتبقى تعويضاتهم ومستحقاتهم من المصاريف الإجبارية. وحسب العربي، فإن إدعمار وجب عليه تحمل مسؤوليته الكاملة في ملف مستحقات الموظفين الذي عمر لسنوات دون حلول ناجعة، نتيجة التهرب من مسؤوليته كرئيس للمجلس، وتماطله وتسويفه في تنزيل مضامين محاضر الاجتماعات التي عقدت لتهدئة الأوضاع وفك الاحتقان، بعد تنفيذ العديد من الاحتجاجات التصعيدية.
كواليس الصراعات
قالت مصادر إن كواليس الصراعات بين الرئيس ونائبه الأول، تراكمت منذ تأسيس التحالف الهجين، بين حزبي الأصالة والمعاصرة والعدالة والتنمية، حيث قام إدعمار بعملية استقطاب لمستشارين ونواب عن «البام»، فضلا عن تنصله من الميثاق الأخلاقي، وزيادة الطين بلة بتوظيف مستشارين عن أحزاب التحالف، لدعمه خلال المحطات الانتخابية.
وحسب المصادر نفسها فإن من أهم أسباب تأجيج الأوضاع بين الرئيس وبعض نوابه، تطرق النائب الأول إلى غموض مشروع فتح طريق بين جماعتي تطوان ومرتيل، وتوضيحه أن الأمر يتعلق بنزع الملكية، في ظل ظروف مادية مزرية تعيشها الجماعة، وضرورة تحديد الأولويات وإعادة دراسة وثائق التعمير المقدمة.
وذكر مستشار جماعي أن سحب نقطة فتح طريق بين جماعتي مرتيل وتطوان، تسبب في غضب أعضاء في فريق حزب الاستقلال، فضلا عن اتهام النائب الأول باستهداف تقرب الرئاسة من حزب «الميزان»، في حين يؤكد رئيس فريق حزب الأصالة والمعاصرة أن ما حركه هو حماية المال العام.
وفشل إدعمار في صراعه ودفاعه عن صواب قراره توقيف أجور وفسخ عقود عمال ومستخدمي المحطة الطرقية، حيث تبرأ نقابيون من تصريحاته، ورفض مستشارون عن الأغلبية والمعارضة القرار المذكور، كما أكدوا على ضرورة حماية حقوق العمال الذين ساهموا لسنوات في تنمية المداخيل، فضلا عن عدم تحميلهم مسؤولية إجراءات «كوفيد- 19»، كما أتى قرار مصالح وزارة الداخلية بفتح أبواب المحطة الطرقية ليقطع الطريق أمام كل محاولة استغلال سياسية للمرفق العام.
ويرى العديد من المتتبعين للشأن العام المحلي بتطوان، أن صراعات تحالف ما سمي «الوفاء» لخدمة المدينة والتنمية وجلب الاستثمار، تسببت في ضياع فرص مهمة لتنمية المداخيل، وتجويد الخدمات بكافة أنواعها، حيث انصرف الجميع لتصفية الحسابات الشخصية الضيقة، والتهافت على توسيع القواعد الانتخابية، فضلا عن حرب الاستقطابات على حساب الشأن العام.





