شوف تشوف

الافتتاحية

ضربة للسياحة

صعق المغاربة بالمشاهد البشعة المنسوبة لقتل سائحتين على الطريقة الداعشية بنواحي العاصمة السياحية مراكش، في فيديو تم تداوله أول أمس على نطاق واسع لم يتسن التأكد من صحته، وإن كانت التحركات الأمنية والملاحقات القضائية مازالت مستمرة لإلقاء القبض على الإرهابيين، لن تسمح للرأي العام باستيفاء العناصر المكونة للجريمة الإرهابية التي عرفها جبل توبقال، لكن تداعيات الحادث الذي تأكدت صورته الإرهابية على المشهد السياسي والاقتصادي داخليا وخارجيا، ستكون حتما كبيرة وعميقة.
لذلك، لا يمكن التعامل مع هاته الجريمة، كحدث عادي أو فلتة إجرامية عابرة، ويجب ألا تمر مرور الكرام ويطويها النسيان، قبل تدبر خلفياتها الأمنية وتوقع تبعاتها الديبلوماسية وكلفتها الاقتصادية والسياسية. فقدر البشاعة والهمجية التي نفذت بهما هذه الجريمة في حق السائحتين كشف رسائله التي أراد الإرهابيون إيصالها للدولة والمجتمع، وستكون تداعياتها أخطر إذا لم نتصد كمؤسسات وكمواطنين بمختلف مشاربنا بحزم وصرامة لأسبابها الحقيقية.
فالمستهدف من هذه الجريمة لم يكن ضحيتين بريئتين جاءتا للاستجمام بأراضينا فقط، بل فضحت هاته الجريمة الدنيئة الوجه الإرهابي الذي يريد زعزعة الشعور بالأمن في المغرب وضرب صورة استقراره التي صرف عليها الكثير من الجهد المضني.
فهاته الجريمة النكراء، التي اختارت أياما قليلة عن احتفالات رأس السنة الميلادية حيث ترتفع وتيرة النشاط السياحي وفي أعلى منطقة في المغرب، تؤكد أن العملية ليست حادثا عبثيا أو مجرد صدفة، بل خطة مدروسة لخلق حالة من الفوضى المؤدية لرحيل السياحة التي أصبحت في السنوات الأخيرة هدفا سهلا للإرهاب العابر للحدود الوطنية، يتم اختيارها دائماً كأداة لضرب مقدرات الدول وحرمانها من موارد اقتصادية ضرورية لمحاربة البطالة والفقر، وكلاهما يمثل حاضنة أساسية لتجنيد مزيد من المتطرفين.
من المؤكد أن يقظة الأجهزة الأمنية لسنوات ساهمت بشكل كبير في إحباط وتفكيك العشرات من الخلايا الإرهابية، كانت تتوخى ضرب المؤسسات ونشر الرعب والفوضى في البلد واغتيال شخصيات عمومية وسياسية وعسكرية. وكانت لهذه الضربات الأمنية الاستباقية آثار إيجابية، في شعور المواطنين والأجانب بأن بلادنا آمنة ومحصنة ضد التطرف، لكن الأمن وحده لن يقتل الإرهاب واجتثاث جذوره، فهاته العملية الإرهابية تضعنا أمام مشكلة ضخمة تتطلب عملا أمنيا وقضائيا واجتماعيا وفكريا وإعلاميا، وإذا أردنا أن نجتث الإرهاب، لا بد أن نبحث، فضلا عن توفير الأساليب والإمكانيات الأمنية المتطورة، عن وسائل أخرى أكثر فعالية في مدارسنا ومساجدنا وأسرنا وقنواتنا، وسياساتنا العمومية وطبقتنا السياسية، قبل أن يتكفل حراس المملكة الذين لا ينامون وقضاتها بباقي المهمة التي يؤدونها بإخلاص لتأمين بلادنا وحياتنا اليومية ضد كل المخاطر والشرور

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى