أزمة تدبير المجالس الجماعية تعثر المشاريع التنموية ومنتخبون تلاحقهم شبهة الفساد
منحت القوانين الجديدة اختصاصات وصلاحيات غير مسبوقة لمجالس الجماعات الترابية من أجل تدبير شؤونها لأول مرة بدون وصاية مباشرة من طرف مصالح وزارة الداخلية، وبعد ولاية كاملة من التدبير في ظل هذه القوانين، وبعد مرور سنتين على الولاية الحالية، تبين أن جل الجماعات تعرف الكثير من الاختلالات المالية والإدارية، حيث توقفت فيه عجلة التنمية داخل العديد من المدن والجماعات، في حين مازالت أغلب المجالس تتخبط في مشاكل التدبير والتسيير، كما تم الوقوف على عدم تمكن الجماعات من تنفيذ جزء مهم من المشاريع المبرمجة في إطار المخططات الجماعية للتنمية، وكذا ضعف وتيرة إنجاز بعض هذه المشاريع، دون الحديث عن تسجيل خروقات مالية وإدارية خطيرة، كانت موضوع تقارير سوداء أنجزتها المفتشية العامة للإدارة الترابية وكذلك التقارير التي تنجزها المجالس الجهوية للحسابات، حيث أحيلت بعض هذه التقارير التي تتضمن خروقات تكتسي صبغة جنائية على القضاء، وكانت سببا في عزل رؤساء جماعات، أو صدور أحكام قضائية بسجن رؤساء آخرين، بعضهم يوجد رهن الاعتقال خلف قضبان السجون.
إعداد: محمد اليوبي – النعمان اليعلاوي
المجلس الأعلى للحسابات يفضح ضعف أداء المجالس الجماعية
رصد المجلس الأعلى للحسابات، في عدة تقارير، ضعف أداء المجالس الجماعية، مسجلا اختلالات في تدبير المرافق العمومية، بخصوص المجهود التنموي والتخطيط. فقد رصد المجلس، في تقاريره، غياب التخطيط والبرمجة، وعدم اعتماد رؤية استراتيجية واضحة أثناء إعداد المخططات الجماعية للتنمية تأخذ بعين الاعتبار إمكانيات الجماعات وحاجياتها، كما تم الوقوف على عدم تمكن الجماعات من تنفيذ جزء مهم من المشاريع المبرمجة في إطار المخططات الجماعية للتنمية، وكذا ضعف وتيرة إنجاز بعض هذه المشاريع.
وعلى مستوى التدبير المفوض لمرفق النظافة، سجل تقرير للمجلس غياب مخطط جماعي لتدبير النفايات المنزلية، وخلصت عمليات المراقبة إلى أن تدبير النفايات المنزلية، على مستوى العديد من الجماعات، لا يندرج ضمن منهجية منبثقة من التوجهات الوطنية بهذا الخصوص، والتي نصت عليها مقتضيات القانون رقم 00.28 المتعلق بتدبير النفايات والتخلص منها، حيث لا تتوفر الجماعات المعنية على مخطط لتدبير النفايات المنزلية والنفايات المماثلة لها، والذي من شأنه أن يؤطر إجراءات ومراحل تدبير هذه النفايات من حيث الإعداد والجمع والنقل والإيداع في المطرح والتخلص منها ومعالجتها وتثمينها وفرزها عند الاقتضاء.
ووقف المجلس، كذلك، على نقائص على مستوى مراقبة وتتبع تنفيذ عقود التدبير المفوض، إذ يعرف عمل أجهزة المراقبة، على مستوى عدة جماعات، اختلالات متعددة تتعلق بالخصوص بعدم انتظام اجتماعات اللجنة الدائمة للمراقبة، وكذا عدم القيام بدراسة ومراقبة الوثائق والتقارير المقدمة من طرف المفوض له، من قبيل دراسة المعطيات والتقارير المالية وحسابات الاستغلال، وضبط السجلات المتعلقة بصيانة الآليات بالجماعات المعنية، هذا بالإضافة إلى محدودية مراقبة جودة الخدمات المقدمة، وعدم احترام الالتزامات التعاقدية وعدم تطبيق العقوبات ذات الصلة، حيث لوحظ عدم وفاء المفوض له، في العديد من الحالات، بالتزاماته التعاقدية، وخاصة في ما يتعلق بتجديد بعض آليات جمع النفايات أو إحداث بعض المعدات والتجهيزات المرتبطة بمطارح هذه النفايات، وكذا في ما يخص خدمة النظافة من كنس وتنظيف للشوارع والأزقة والساحات العمومية، وغسل للحاويات والقضاء على النقط السوداء للنفايات المنزلية، وعدم الخلط بين النفايات المختلفة. وبالرغم من إخلال المفوض له بالتزاماته التعاقدية، لا تقوم السلطة المفوضة بتفعيل مقتضيات عقد التدبير المفوض، وذلك بتطبيق الغرامات المنصوص عليها.
وسجل المجلس عدم إعداد الدراسات الضرورية قبل الشروع في إنجاز المشاريع، حيث لوحظ، من خلال افتحاص العديد من ملفات المشاريع، عدم اللجوء إلى إنجاز الدراسات القبلية والتقارير المتعلقة بالمشاريع، وذلك من أجل حصر تكلفتها بالدقة اللازمة وتركيبة تمويلها وطرق تنفيذها، ما يؤدي، في معظم الأحيان، إلى تعثر إنجاز هذه المشاريع وتأخر انطلاقها. هذا بالإضافة إلى مشاكل على مستوى الاستغلال والتنسيق مع الجهات المعنية بالاستثمار، وعلى سبيل المثال، يرجع تعثر انطلاق هذه المشاريع بالأساس إلى تأخر الجماعة في إنجاز الأعمال الطبوغرافية وتسليم الرخص، ناهيك عن عدم إشراك أطراف أخرى في تمويل المشاريع المعنية.
وتطرقت تقارير المجلس، أيضا، إلى عدم إبرام اتفاقيات الشراكة، إذ بينت المراقبة، على مستوى عدة جماعات، وجود نقص على مستوى المبادرة بإبرام اتفاقيات شراكة من أجل إنجاز المشاريع المبرمجة، حيث لوحظ أن الجماعات المعنية تقوم، ضمن المخطط الجماعي للتنمية أو برنامج عمل الجماعة، بإدراج مشاريع يرتبط إنجازها بمساهمة عدة شركاء، وذلك في غياب اتفاقيات تقيدهم بالإطار الزمني للتنفيذ وتؤطر التزاماتهم المالية، وهو ما يؤدي في معظم الحالات إلى عدم إنجاز تلك المشاريع أو تعثرها. وأشار المجلس، أيضا، إلى عدم تسوية الوضعية القانونية للأراضي المقامة عليها المشاريع، حيث تقوم بعض الجماعات بمباشرة عمليات بناء المرافق العمومية دون تسوية الوضعية القانونية للوعاء العقاري المقامة عليه أو المخصصة لإنجازها، الأمر الذي يتسبب في منازعات مع مالكي الأراضي المعنية، وبالتالي قد يؤدي إلى تحميل ميزانية الجماعة عبء جبر الضرر الناجم عن ذلك.
وعلى مستوى تدبير المداخيل الجماعية، سجل المجلس غياب رؤية استراتيجية لتنمية وتدبير الموارد. وأوضحت التقارير أن غالية الجماعات، التي تمت مراقبتها، لا تتوفر على رؤية استراتيجية واضحة لتدبير وتنمية مداخيلها، بحيث لا تبذل جهودا فعالة لمعرفة الإمكانات الحقيقية والممكنة من الموارد، وكذا لضبط الوعاء الضريبي وعدد الملزمين المعنيين..، كما لا تعمل، في هذا الصدد، على وضع آليات للتنسيق بين مصلحة الجبايات والمصالح الأخرى ذات الصلة (الداخلية والخارجية) من أجل تدبير ناجع لموارد الجماعة. بالإضافة إلى عدم توفير الموارد البشرية الضرورية والقادرة على السهر على عملية تحصيل الجبايات ذات الصلة وتتبعها ومراقبتها. فضلا عن ذلك رصد تقرير للمجلس وجود قصور في عملية ضبط الملزمين والتحقق من إقراراتهم، حيث لا تحرص المصالح الجماعية على ضبط جميع عدد الملزمين المفترضين بخصوص معظم الرسوم والضرائب المستحقة، ولا تقوم كذلك بالتحقق من صحة المعطيات المتوفرة لديها حول الأشخاص والمؤسسات الخاضعة للرسوم المعنية، وكذا ضبط الوعاء الضريبي لضمان استخلاص أشمل للمداخيل المستحقة لفائدتها. فعلى سبيل المثال، لوحظ أن العديد من الجماعات لا تقوم بإحصاء سنوي للعقارات والعناصر الخاضعة للرسم المهني ورسم السكن ورسم الخدمات الاجتماعية والرسم على الأراضي الحضرية غير المبنية والرسم على شغل الأملاك الجماعية العامة مؤقتا والرسم على استخراج مواد المقالع…إلخ، كما تكتفي بعض الجماعات الترابية المعنية بالمراقبة بتلقي إقرارات الملزمين المصرح بها واستخلاص الرسوم والواجبات المستحقة عنها، دون إعمال حقها في مراقبة الإقرارات المدلى بها قصد التحقق من صحة المعطيات المضمنة بها، وتصحيح الأسس المطبقة لتصفية الضرائب والرسوم المستحقة عند الاقتضاء.
ومن بين الاختلالات، كذلك، عدم فرض وتحصيل الرسوم والواجبات المستحقة، إذ أكدت التقارير أن عدة جماعات تعاني من قصور في فرض واستخلاص رسوم وواجبات مستحقة لفائدتها، حيث تم الوقوف، في العديد من الحالات، على عدم فرض استخلاص معظم الرسوم والواجبات المستحقة للجماعات، كالرسم على الإقامة بالمؤسسات السياحية، وواجبات التعويض عن الاحتلال غير القانوني للملك العمومي، والرسم على النقل العمومي للمسافرين، وكذا الجزاءات عن عدم التصريح بالتأسيس، والرسم على الأراضي الحضرية غير المبنية، والرسم المفروض على محال بيع المشروبات، والرسم على الذبح في المجازر والرسم على عمليات البناء، …إلخ. كما لوحظ أن عددا كبيرا من مكتري المحلات التجارية والدور السكنية الجماعية لا يؤدون الواجبات المستحقة عليهم لفائدة الجماعات المعنية، وبالمقابل لم تقم هذه الأخيرة باتخاذ الإجراءات اللازمة في حق المتقاعسين من الملزمين من أجل استيفاء تلك المستحقات، ما ينتج عنه تقادم العديد من المداخيل الجماعية.
ورصد المجلس اختلالات على مستوى تدبير الممتلكات والمرافق الجماعية، تتجلى في عدم اتخاذ الإجراءات اللازمة للحفاظ على الممتلكات العقارية الجماعية، ولوحظ بشكل عام عدم لجوء العديد من الجماعات الترابية لتصفية الوعاء العقاري الذي يضم المرافق الجماعية وبعض الأملاك الخاصة التابعة لها، كما تبين إدراج بعض الممتلكات الجماعية الخاصة بسجل الملك العام الجماعي، وكذا عدم شمولية محتويات سجل الأملاك العامة الجماعية وقصور في تدبير سجل جرد الممتلكات المنقولة، ذلك أنه، رغم حيازة الجماعات الترابية أو تصرفها في عدة عقارات، فإن المصالح الجماعية المكلفة بتدبير الممتلكات لا تمسك الملفات التقنية والقانونية المتعلقة بجل هاته العقارات، ولم تعمد إلى اتخاذ الإجراءات القانونية لتحديدها وإدراجها في سجلات الممتلكات الجماعية، حتى يتسنى الحفاظ على حقوق الجماعات. كذلك، ودون مراعاة للمقتضيات القانونية ذات الصلة، لم تعمل الجماعات على إنجاز الدراسات الطبوغرافية اللازمة لتحديد وتحفيظ العقارات الجماعية، وتخصيص الاعتمادات المالية الضرورية لتسوية الوضعية القانونية لهذه العقارات. وهكذا، وعلى الرغم من الدور الذي تلعبه سندات الملكية في الحفاظ على الممتلكات العقارية وتثمينها، فإن مجموعة من الجماعات لا تتوفر على هذه السندات، ولا على أية وثائق قانونية تثبت ملكية العقارات التي تستغلها، وهو ما لا يراعي المقتضيات المعمول بها في هذا الصدد. وتضمن التقرير الإشارة إلى نقائص على مستوى تدبير الأسواق الأسبوعية والمجازر، ولا يحرص معظم مستغلي الأسواق الأسبوعية والمجازر على احترام التزاماتهم تجاه الجماعات، ما يفسر تردي وضعية الأسواق والمجازر، إذ لوحظ أن المجازر المتواجدة بعدة جماعات توجد في وضعية غير ملائمة بالنظر إلى معايير السلامة الصحية والنظافة الواجب توفرها على مستوى هذا المرفق، حيث تنتشر بمحاذاتها الحشرات والنفايات المتراكمة، كما يتم تصريف المياه المستعملة أثناء الذبح وبقايا الذبيحات في الهواء الطلق دون مراعاة للنتائج السلبية لهذا الوضع على المحيط البيئي. كما لا تولي الجماعات المعنية العناية اللازمة للمحافظة على نظافة مرفق السوق الأسبوعي، وهو ما من شأنه أن يؤثر بشكل مباشر على صحة المواطنين وكذا على الموارد المالية المتأتية منه.
مجلس الرباط.. صراعات وتطاحنات حصيلة عامين من التدبير
تعيش أغلب المجالس المحلية للمدن الكبرى حالة من الصراعات والأزمة ظاهرة كانت أو خفية، مردها إلى غياب الانسجام بين مكوناتها وافتقاد بعضها لرؤية بعد أكثر من عامين على انتخابها، شأن مجلس مدينة الرباط. فبعد مضي سنتين على انتخاب أعضاء المجلس الجماعي والمكتب المسير بجماعة الرباط، التي تُسير بتحالف سياسي ثلاثي يضم حزب الاستقلال والأصالة والمعاصرة، برئاسة التجمع الوطني للأحرار، هذا التحالف الذي كان يعرف نوعا من الاستقرار خلال بداية المرحلة، لكن سرعان ما تحولت هذه الهدنة إلى صراعات وتطاحنات بين عمدة الرباط وأغلبيتها ومعارضتها ودخلوا في دوامة من الخلافات السياسوية، الأمر الذي أثار غضبا واسعا وشعورا بالقلق والإحباط لدى ساكنة الرباط التي كانت تنتظر أن يقدم التحالف الثلاثي المسير للجماعة ملفات حقيقية وملموسة تخرج المجلس من حالة «البلوكاج» الحالي.
وتحول الصراع داخل مجلس جماعة الرباط إلى خلاف جماعي مباشر مع العمدة أسماء اغلالو، بعدما بدأ كخلاف شخصي بين بعض النواب والأعضاء مع العمدة بسبب ما يسمونه «انفرادها في التسيير واتخاذ القرارات الانفرادية في تدبير وتسيير المجلس، وسحب التفويضات من بعضهم»، ما جعل الصراع يتطور إلى تحالف كبير يضم كل فرق الأغلبية وحتى من فرق المعارضة، للإطاحة بالعمدة، حسب تصريحاتهم وبلاغهم، في الوقت الذي تسبب هذا الصراع في حالة جمود يعيشها المجلس منذ ما يزيد عن ستة أشهر، مقابل فشله في تمرير ميزانية المدينة للسنة المقبلة، بعد رفض المستشارين من الأغلبية والمعارضة التصويت عليها.
وتعيش مرافق جماعة الرباط على وقع حالة «بلوكاج» تشلها في ظل الغياب المتكرر لرئيسة المجلس، العمدة أسماء اغلالو، التي عادت من مهمة تمثيلية في الصين لتسافر إلى أخرى بجمهورية موريتانيا، في الوقت الذي سجل عدد من أعضاء المجلس غياب عمدة الرباط عن أنشطة رسمية شهدتها العاصمة، بحضور والي الجهة وعدد من المسؤولين الحكوميين، ما أثار الكثير من علامات الاستفهام، بعد أن تم تمثيل المنتخبين برئيس مقاطعة. فيما أشارت المصادر إلى أن العمدة تسببت بقرارها السابق إعفاء مدير المصالح في احتقان في صفوف عدد من المستثمرين، الذين لم يتمكنوا من الحصول على تراخيصهم في مقر الجماعة، حيث كانوا يعتزمون التوجه إلى مقر ولاية الرباط، باعتبارها سلطة الوصاية، للاحتجاج.
يحدث هذا في وقت تعكف لجنة تابعة لوزارة الداخلية حاليا على دراسة ملفات المجلس، عقب اجتماع نظم على مستوى ولاية الرباط. في الوقت نفسه نشرت صفحات على موقع «فيسبوك» صورا لرئيسة مجلس الرباط داخل قاعة امتحان الكفاءة المهنية، في الوقت الذي تواجه العمدة اتهامات، منذ بداية شهر نونبر الماضي، إثر القرار الذي اتخذته بخصوص امتحان الكفاءة المهنية للأعوان العاملين بجماعة الرباط.
يضاف إلى ذلك التقرير المفصل الذي تعده نقابات موظفي الجماعة بالرباط حول امتحانات الكفاءة المهنية، مشيرة إلى أنه في هذا التقرير تم تضمين عدد من «الخروقات» التي اعترت المباراة، على رأسها تلك المتعلقة بلجنة الامتحان التي تدخلت العمدة في تشكيلها، من خلال إقصاء رؤساء المصالح، والمدير العام للمصالح بالجماعة، في ظل، أيضا، حالة الغضب الواسعة في صفوف المقاطعات، بسبب تفويت تدبير المرافق الجماعية في المدينة لشركات التنمية المحلية، وهي التي كانت تحت تدبير المقاطعات، في وقت يحتج رؤساء المقاطعات على تدبير تلك المرافق من طرف الشركات التابعة لمجلس العمالة، معتبرين أن «مساهمة المجلس في رأسمال الشركة تطرح الكثير من الأسئلة حول تدبير مالية الجماعة».
اختلالات مالية وإدارية في تدبير مجالس الجماعات الترابية
تقوم المفتشية العامة لوزارة الداخلية بإنجاز عدد من مهام التفتيش تتمحور حول مراقبة التسيير الإداري والمالي والتقني لبعض الجماعات المحلية والهيئات التابعة لها، والبحث والتحري في تصرفات منسوبة لبعض رجال السلطة، ومراقبة ميدان التعمير، ومهام البحث في شأن شكايات أو مواضيع مختلفة، والمهام المتعلقة بعمليات تسليم السلط.
وذكرت تقارير لوزارة الداخلية أنه بعد الانتهاء من جميع الأبحاث والتحريات بالجماعات الترابية المعنية تقوم اللجن التابعة للمفتشية العامة للإدارة الترابية بإعداد تقارير التفتيش والمراقبة وفق المعايير المعمول بها في هذا الميدان، حيث يراعي الاحترام التام لحق الدفاع باعتباره من الحقوق الكونية، إذ تتم في إطار ما يصطلح عليه بالمسطرة التواجهية، إحالة النتائج المتوصل إليها، عقب الانتهاء من إعداد التقارير، على المنتخبين الجماعيين المعنيين حتى يتسنى لهم إبداء ملاحظاتهم وتقديم تعليلاتهم بخصوص مختلف التجاوزات والمخالفات المنسوبة إليهم، وتنجز هذه اللجن مهام تفتيش وتحري، تتعلق مواضيعها بالتسيير المالي والإداري للجماعات التربية ومراقبة التعمير وتسليم السلط والبحث في التصرفات المنسوبة لبعض رجال السلطة وأعوانهم وبعض الموظفين والتحقيق في الشكايات المرفوعة ضد المنتخبين أو بميادين أخرى.
ومن بين الملاحظات المسجلة من طرف المفتشية العامة، رصد مجموعة من الاختلالات تتعلق بسوء تدبير قطاع المداخيل بالجماعات الترابية، وضعف تدابير المراقبة الداخلية، مما قد يؤثر سلبا على ممارسة شساعة المداخيل للاختصاصات الموكلة إليها، والإعفاءات غير المبررة للملزمين الخاضعين لبعض الرسوم المحلية واستخلاص الجماعات دون سند قانوني لبعض المداخيل، وعدم القيام بالإجراءات اللازمة لتحصيل بعض مداخيل الجماعات، كما هو الحال بالنسبة لواجبات الأكرية والرسم على استخراج مواد المقالع والرسم على عمليات تجزئة الأراضي والرسم المفروض على محال بيع المشروبات والرسم على محطات الوقوف والنقل العمومي والرسم المفروض على شغل الملك العمومي لأغراض تجارية أو صناعية أو مهنية ومداخيل النقل بواسطة سيارة الإسعاف ومنتوج استغلال المياه، إضافة إلى تراكم مبالغ “الباقي استخلاصه”.
وقد أبانت تحريات لجن التفتيش عن وجود مجموعة من الاختلالات على مستوى استخلاص الرسوم والواجبات وأجور الخدمات المستحقة لفائدة ميزانية الجماعات القروية والحضرية، من بينها التقاعس عن إصدار أوامر استخلاص العديد من الرسوم المستحقة لفائدة الجماعة، وذلك خلافا لمقتضيات القانون رقم 97-15 بمثابة مدونة تحصيل الديون العمومية، والمادة 27 من المرسوم رقم 2.09.441 الصادر في 3 يناير 2010 بسن نظام للمحاسبة العمومية للجماعات المحلية ومجموعاتها، ومن شأن هذا التقاعس أن يؤدي إلى سقوط جزء مهم من هذه الرسوم في التقادم، وعدم تفعيل مسطرة فرض الرسم بصفة تلقائية عند عدم إدلاء الملزمين بإقراراتهم السنوية المتعلقة ببعض الرسوم المحلية أو عند عدم أدائهم لهذه الرسوم، وعدم قيام الجماعة، بمعية المصالح الضريبية المعنية، بإحصاء الوعاء الضريبي الخاص بالرسم المهني ورسم السكن والرسم على الخدمات الجماعية كما تنص على ذلك مقتضيات القانون رقم 06-47 المتعلق بالجبايات المحلية.
وعلى مستوى تدبير المصاريف، أظهرت مهام مراقبة التدبير المالي والإداري بالجماعات الترابية مجموعة من الاختلالات على مستوى تنفيذ النفقات العمومية كما أبانت كذلك العديد من النواقص طبعت إنجاز المشاريع الجماعية وتسببت في تعثر البعض منها، وتتلخص أهم الملاحظات في إنجاز الجماعات لمشاريع دون الاعتماد على دراسات تقنية مسبقة، وعدم مشكل سجلات المحاسبة المتعلق بالجماعات المحلية ومجموعاتها، ولا سيما دفتر تسجيل حقوق الدائنين والدفتر اليويم لأوامر الأداء الصادرة، وعدم احترام الضوابط القانونية بتنفيذ الصفقات العمومية وخرق المساطر المعمول بها وعدم اعتماد المحاسبة المادية بالنسبة لمقتضيات الجماعة، ما يشكل خرقا لمقتضيات المواد من 111 إلى 113 من المرسوم المتعلق بنظام المحاسبة العمومية للجماعات المحلية ومجموعاتها، فضلا عن إهمال مجموعة من الممتلكات المعطلة من أجهزة ومعدات وآليات بالمخزن الجماعي، رغم إمكانية إصلاحها، كما رصد التقرير اختلالات تتعلق بسوء تدبير حظيرة السيارات.
ومن أبرز الملاحظات التي سجلتها المفتشية في شأن أعمال رؤساء المجالس ومقررات الجماعات الترابية، تدخل نواب الرئيس في شؤون الجماعة وممارسة مهام تدبيرية بدون التوفر على تفويضات بذلك، وعدم اعتماد نظام المحاسبة المادية في تتبع جميع التوريدات والمقتنيات، بالإضافة إلى توقيع نواب الرئيس على وثائق إدارية دون التوفر على تفويضات في مواضيعها، وعلى مستوى تدبير المداخيل والنفقات، سجلت تقارير المفتشية، عدم اتخاذ الإجراءات اللازمة لإحصاء الملزمين الخاضعين لمختلف الرسوم الجماعية، والتقصير في تطبيق المقتضيات القانونية في حق الممتنعين عن أداء الرسوم.
وأظهرت مهام التفتيش التي شملت جوانب مختلفة من التدبير المالي والإداري بالجماعات الترابية مجموعة من الاختلالات خاصة على مستوى تنفيذ الطلبيات العمومية، كما أبانت كذلك عن العديد من النواقص طبعت إنجاز بعض المشاريع وتسببت في تعثر البعض منها، ويتعلق الأمر بعدم احترام مقتضيات دفتر التحملات بخصوص إنجاز أشغال الصفقات، وأداء مبلغ عن خدمات لم تنجز، وأداء مبالغ متعلقة بسندات طلب دون الإنجاز الكامل للأشغال، واللجوء المتكرر إلى عدد محدود من الموردين، اللجوء إلى تسوية وضعية نفقات باللجوء بسندات الطلب، بالإضافة إلى تسليم أشغال صفقة بالرغم من عدم احترام المواصفات التقنية المنصوص عليها بدفتر الشروط الخاصة.
وأكدت متفشية الداخلية أن تسيير قطاع التعمير يعرف مجموعة من الاختلالات تتعلق خصوصا بعدم احترام الضوابط القانونية، ومنها تسليم رخص بناء فوق بقع ناتجة عن تقسيم وتجزيء غير قانونيين، وتسليم رخص ربط بشبكة الكهرباء في غياب رخص السكن أو التصريح بانتهاء الأشغال وإغلاق الورش، بالاضافة إلى منح شهادات إدارية غير قانونية من أجل بيع قطع أرضية أو تحفيظها، ناتجة عن تجزيء غير قانوني، وقيام بعض نواب الرئيس بمنح رخصة بناء رغم عدم توفرهم علو تفويض في ميدان التعمير، كما لاحظت تقارير المفتشية، تسليم رخص انفرادية دون الأخذ بالرأي الملزم للوكالة الحضرية لبنايات متواجدة في مناطق محرمة البناء وبنايات غير قانونية لا تحترم تصميم التهيئة وتصاميم إعادة الهيكلة وبنايات لا تحترم كناش تحملات التجزئات المعنية بها.
كما رصدت المفتشية العامة، قيام بعض رؤساء الجماعات بالإشهاد على تصحيح عقود عرفية تهم عقارات ناتجة عن تقسيم غير قانوني، ومنح رخص السكن لبنايات رغم مخالفتها لتصميم التهيئة أو التصاميم الهيكلية أو التصاميم المرخصة، وإدخال تغييرات بطريقة غير قانونية على مشروع مرخص مع الترامي على الملك العام، وتسليم رخص إصلاح لأشغال تستدعي الحصول على رخص بناء.
دور الولاة والعمال في ممارسة الرقابة على مقررات المجالس الجماعية
تضمن القانون التنظيمي للجماعات الترابية، صلاحيات جديدة للعمال تعطيهم سلطة قوية فوق رؤساء الجماعات، وإخضاع كافة القرارات التي تتخذها المجالس الجماعية لمراقبتهم. وأكد القانون أن جميع مقررات مجالس الجماعات وقرارات رؤسائها المنصوص عليها في القانون التنظيمي للجماعات الترابية، تخضع للمراقبة الشرعية من طرف العمال. وتكون مقررات مجالس الجماعة قابلة للتنفيذ، بعد تبليغها إلى عامل العمالة أو الإقليم أو من يمثلهما، عدا في حال التعرض عليها داخل الآجال المحددة. وينص القانون على ضرورة أن يوجه رئيس مجلس الجماعة هذه المقررات إلى عامل العمالة أو الإقليم أو من يمثله داخل أجل لا يتعدى 5 أيام من أيام العمل الموالية لاختتام الدورة، وذلك مقابل وصل. ولا تكون هذه المقررات قابلة للتنفيذ، في حال عدم تبليغها إلى عامل العمالة أو الإقليم أو من يمثله داخل الآجال المحددة.
كما يتم وجوبا تبليغ القرارات التنظيمية المتخذة في مجالات الشرطة الإدارية وجميع القرارات الفردية المتعلقة بالتعمير إلى عامل العمالة أو الإقليم أو من يمثله داخل أجل خمسة أيام، تبتدئ من تاريخ اتخاذ القرار. وتعتبر باطلة بحكم القانون المقررات المتعلقة بموضوع خارج عن نطاق اختصاصات الجماعة وصلاحيات مجلسها، أو المتخذة خرقا للنصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل. ويعلن عن البطلان، في كل وقت وآن، من طرف المحكمة الإدارية المختصة بطلب من عامل العمالة أو الإقليم أو من ينوب عنه، وتبت المحكمة الإدارية المختصة في الطلب داخل أجل لا يتجاوز ثلاثين يوما، وتبلغ المحكمة وجوبا نسخة من الحكم إلى عامل العمالة أو الإقليم أو من ينوب عنه ورئيس المجلس المعني، وذلك داخل أجل 10 أيام بعد صدوره.
ويتعرض عامل العمالة أو الإقليم أو من ينوب عنه على المقررات المتعلقة بموضوع خارج عن نطاق اختصاصات الجماعة وصلاحيات مجلسها، أو المتخذة خرقا للنصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل، ويبلغ تعرضه معللا إلى رئيس مجلس الجماعة داخل أجل لا يتعدى 5 أيام من العمل، ابتداء من تاريخ التوصل بالمقرر. ويلزم تعرض عامل العمالة أو الإقليم أو من ينوب عنه المجلس المعني بإجراء دراسة جديدة للمقرر المتخذ، وفي حال رفض المجلس المعني إجراء دراسة جديدة، أو في حال الإبقاء على المقرر المتنازع فيه، يحيل عامل العمالة أو الإقليم أو من ينوب عنه المقرر المتخذ على قاضي المستعجلات، وفي هذه الحالة، يقول القانون، وجب على المحكمة الإدارية المختصة البت في طلب وقف تنفيذ المقرر داخل أجل 48 ساعة، تبتدئ من تاريخ توصلها بهذا الطلب، وبمجرد الإحالة على المحكمة يتوقف تنفيذ المقرر.
وينص القانون على أن بعض المقررات لا تكون قابلة للتنفيذ، إلا بعد التأشير عليها من طرف عامل العمالة أو الإقليم أو من ينوب عنه، ويتعلق الأمر بمقررات الميزانية، والمقررات ذات الوقع المالي على النفقات والمداخيل، سيما الاقتراضات والضمانات وفرض الرسوم المأذون بها، وتفويت الأملاك الجماعية وتخصيصها، والمساعدات والهبات والوصايا، وتسمية الشوارع والساحات العمومية عندما تكون هذه التسمية تشريفا عموميا أو تذكيرا بحدث تاريخي، اتفاقيات التعاون أو الشراكة، ويتعين أن يتم التأشير من طرف عامل العمالة أو الإقليم أو من ينوب على هذه المقررات داخل أجل 20 يوما من تاريخ توصله بالمقرر، ويعتبر عدم التعرض على هذه المقررات بعد مرور هذه الآجال بمثابة تأشيرة.
وخلافا للقوانين السابقة المنظمة للجماعات الترابية، التي كانت تمنح كامل السلطة لوزير الداخلية في اتخاذ قرارات عزل رؤساء المجالس الجماعية ونوابهم، فإن هذه السلطة أصبحت في يد القضاء ضمن القانون التنظيمي للجماعات الترابية المعمول بها حاليا منذ الانتخابات الجماعية، وحسب القانون، يختص القضاء وحده بعزل أعضاء المجلس وكذلك بالتصريح ببطلان مداولات مجلس الجماعة وكذا بإيقاف تنفيذ المقررات والقرارات التي قد تشوبها عيوب قانونية، ويختص القضاء وحده بحل مجلس الجماعة، فيما تنص المادة 64 من القانون نفسه على أنه إذا ارتكب عضو من أعضاء مجلس الجماعة غير رئيسها، أفعالا مخالفة للقانون والأنظمة الجاري بها العمل، قام عامل العمالة أو الإقليم أو من ينوب عنه عن طريق رئيس مجلسها بمراسلة المعني بالأمر، للإدلاء بإيضاحات كتابية حول الأفعال المنسوبة إليه داخل أجل لا يتعدى 10 أيام، ابتداء من تاريخ التوصل.
ووفق القانون، إذا ارتكب رئيس المجلس أفعالا مخالفة للقانون والأنظمة الجاري بها العمل، قام عامل العمالة أو الإقليم أو من ينوب عنه بمراسلته قصد الإدلاء بإيضاحات كتابية حول الأعمال المنسوبة إليه، داخل أجل لا يتعدى عشرة أيام، ابتداء من تاريخ التوصل، كما يجوز للعامل أو من ينوب عنه، وبعد التوصل بالإيضاحات الكتابية المشار إليها في الفقرتين الأولى والثانية أعلاه، حسب الحالة، أو عند عدم الإدلاء بها بعد انصرام الأجل المحدد، إحالة الأمر إلى المحكمة الإدارية وذلك لطلب عزل عضو المجلس المعني بالأمر من مجلس الجماعة، أو عزل الرئيس أو نوابه من عضوية المكتب أو المجلس، وتبت المحكمة في الطلب داخل أجل لا يتعدى شهرا من تاريخ توصلها بالإحالة، وفي حالة الاستعجال يمكن إحالة الأمر إلى قاضي المستعجلات بالمحكمة الإدارية الذي يبت فيه داخل أجل 48 ساعة من تاريخ توصله بالطلب، ويترتب على إحالة الطلب على المحكمة الإدارية توقيف المعني بالأمر عن ممارسة مهامه إلى حين البت في طلب العزل، كما ينص القانون على أنه لا تحول إحالة الأمر إلى المحكمة الإدارية، دون المتابعات القضائية عند الاقتضاء.
مجلس مدينة سلا.. بلوكاج وضبابية في التسيير
نفس حالة التوقف و«البلوكاج» التي يعيشها مجلس مدينة الرباط، ترخي بظلالها على مجلس مدينة سلا، والذي يوجد على رأسه العمدة عمر السنتيسي، من حزب الاستقلال، حيث بدأت أوضاع الأزمة داخل المجلس مع فشل العمدة في عقد الدورة العادية لمجلس الجماعة لشهر ماي 2023، وذلك لعدم اكتمال النصاب القانوني، الأمر الذي اضطر الرئيس لتأجيلها ثم عقدها بمن حضر، فيما قالت مصادر حينها إن عددا كبيرا من أعضاء الأغلبية قاطعوا الدورة احتجاجا على إقصاء المقاطعات التي ينتمون إليها من المشاريع المبرمجة في مدينة سلا، كما أن غالبية أعضاء المجلس أصبحوا مستاءين من طريقة تسيير المجلس وهيمنة بعض الأطراف على جميع المشاريع الموجهة للمدينة والتي تخصص لها ميزانيات ضخمة، بحيث يتم إقصاء جميع المقاطعات في حين تتم برمجة بعض المشاريع البسيطة في باقي المقاطعات.
وبدأت دورات مجلس مدينة سلا تشهد مقاطعة عدد من مستشاري المدينة، حيث إن آخر دورات السنة الماضية حضرها فقط العمدة ونوابه ورئيس مقاطعة بطانة فقط وقلة قليلة من المستشارين المشكلين لمجلس المدنية، في حين أن جل الأعضاء المنتمين للأغلبية قاطعوا الدورة، كما أن جل رؤساء المقاطعات المتبقية قاطعوا الاجتماع احتجاجا على الإقصاء، كما أن غالبية الأعضاء يتجهون لمقاطعة الدورات، في حين يعتبر المناوئون للعمدة لرئيس المجلس الجماعي لسلا عمر السنتينسي، أنه أصبح صوريا ويعجز عن اتخاذ القرارات بدون استشارة زملائه في من القادة المحليين في حزب الاستقلال.
الصراع السياسي داخل مجلس مدينة سلا، وصل حد تهديدات بمس السلامة الجسدية لبعض المستشارين، وقالت الكتابة الإقليمية ل«البيجيدي» بسلا، إن منسوب حملات التحريض والتهديد ضد عدد من مسؤولي ومنتخبي حزب «العدالة والتنمية» بسلا، تصاعد بسبب ممارستهم لأدوارهم التأطيرية والترافعية، ومحاولاتهم الوقوف في وجه الفساد، ودعواتهم المستمرة لتطبيق القانون، ولإنصاف مواطني سلا المتضررين من خرقه، من طرف بعض المسؤولين منتخبين ومعينين وإداريين بالمدينة.
وأكد الحزب، أنه رصد في الآونة الأخيرة، تداول مقاطع فيديو على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، تتضمن تحريضا وتهديدا مباشرا لرئيس فريق الحزب بجماعة سلا، وعضو المجلس الوطني والكتابة الإقليمية للحزب، من خلال شعارات تتوجه إليه بالاسم في مواضيع وملفات لا مسؤولية له في تدبيرها، باعتبار الحزب يشغل موقع المعارضة في مجلس جماعة سلا، ولا يتولى أية مسؤولية داخل أجهزة المجلس.
«المجالس الجماعية تواجه إشكالات داخلية والتعديلات القانونية غير كافية»
ما هو تقييمكم لتجربة مجالس الجماعات بالمدن الكبرى؟
إن المشرع المغربي انطلاقا من القانون التنظيمي 14. 113 منح الجماعات اختصاصات ذاتية منقولة ومشتركة، وهذه الاختصاصات لها صلة بخدمات القرب للمواطنين، وتقييم تجربة هذه المجالس يجب أن يكون من هذا المنطلق، على أن تكون عملية دائمة ومسترسلة على ارتباط بجميع الفاعلين وبرنامج عمل الجماعة، الذي يجب أن يتم أجرأته إلى تدابير معينة بغاية خدمة المواطن. وبالعودة إلى تقارير المجلس الأعلى للحسابات والمجالس الجهوية التابعة له، فإن تقييم عمل الجماعات يوضح أنها تعاني اختلالات مالية وتدبيرية أو حتى في التعامل مع المرتفقين، وبالتالي فإننا نكون أمام هدر زمني للتنمية، كما أن الحديث عن التقييم يحيلنا إلى الحديث عن المنظومة المحيطة بهذه المجالس، والحديث هنا عن الأحزاب السياسية التي هي معنية بشكل أساسي لكونها الباب الذي يلج منه الفاعل المحلي إلى هذه المجالس، وهذه الأحزاب من خلال التزكية التي تمنحها لهؤلاء المنتخبين فهي مسؤولة من الجانب الأول عن ضرورة تأهيل المنتخب، من أجل أن يكون ناجعا في تنزيل البرامج التنموية وتقديم الاقتراحات والفعل المحلي الإيجابي، وبالتالي هنا يجب التأكيد على أن عملية التقييم عملية معقدة تضم فاعلين كثرا حتى داخل المجلس الجماعي، وهذا يجعل مصالح المواطنين في مواجهة التراشق السياسي بين هؤلاء الفاعلين الحزبيين، سواء بين المعارضة والأغلبية، أو حتى داخل الأغلبية الواحدة في بعض المجالس، بدل الالتئام والالتقاء على فكرة تدبيرية واحدة لخدمة الصالح العام والوصول إلى التقائية بين المجالس، ووضع برنامج علمي ينطلق من حاجيات المواطنين، في مقابل ما نلاحظه اليوم بكون التدبير المحلي يطغى عليه هاجس المصالح الخاصة.
ما هي الأسباب الكامنة وراء الوضعية التي تعيشها بعض المجالس المحلية؟
هذه الاختلالات التي تعرفها المجالس المحلية تعود إلى عدة أسباب، أولها ما يرتبط بغياب التنشئة السياسية السليمة لبعض المنتخبين المحليين، بالإضافة إلى كثرة الأحزاب في موازاة تغليب الإيديولوجيا بدل التقارع بين البرامج والمشاريع، فالمواطن لا يبحث عن الإيديولوجيا بقدر ما يبحث عن تنزيل المشاريع التنموية، وهذا للإشارة حقه وهو التنمية، زيادة على أنه يجب الانتقال من الإيديولوجيا إلى المعادلات ذات الصلة بالتنمية المستدامة، والتقنيات الناجعة لتحقيق التنمية. أما السبب الثاني فهو أن المنتخب ما زال يعتبر السياسة والتمثيلية المحلية بابا من أبواب التسلق الاجتماعي، وهذا الأمر هو ما يتطلب من الأحزاب العمل على التأطير الجيد للمنتخبين، مع انتقاء الأطر والكفاءات السياسية المؤهلة، زيادة على الجانب السلوكي في ما يتعلق بقدرة المنتخبين على التواصل والتفاعل مع باقي مكونات المجلس لتحقيق التناسق والتشاور، وكم من المجالس انهارت بسبب الصراعات بين مكوناتها، وهنا وجب الحديث أيضا عن نقطة تتعلق بالمنتخبين المتابعين في ملفات تتعلق بتبديد المال العام، وهؤلاء وجب أن يتم إبعادهم عن التدبير المحلي.
في هذا السياق، وجب التأكيد على أهمية مراقبة المجلس الأعلى للحسابات التي يجب أن لا تبقى مجرد حبر على ورق، بل يجب أن تتم إحالة هذه التقارير على المحاكم المالية، خصوصا التي تحمل منها طابعا جنائيا، على أن تحظى ملفات تدبير المال العام بالأهمية في التدقيق والمتابعة، وهذا ما يجب التأكيد عليه في إطار ربط المسؤولية بالمحاسبة، وبالتالي فإننا في مواجهة عدة أسباب منها ما هو ذاتي تتعلق بالمنتخبين، ومنها ما هو موضوعي يتعلق بتشكيلة تلك المجالس.
هل حان الوقت للحديث عن تعديلات للقوانين التنظيمية المتعلقة بالجماعات المحلية؟
هناك العديد من الآراء التي تذهب في هذا الجانب إلى ضرورة تعديل القوانين التنظيمية، مع إلغاء مجالس العمالات والجهات، والتي يرى مدعمو هذا التوجه أنها لا تقدم الكثير في الجانب المتعلق بالتنمية المحلية. وفي تقديري الشخصي، وإن كان الجانب القانوني مهما، إلا أنه لا يمكن الحديث عن إصلاح المجالس المحلية، خصوصا الجماعات المحلية، بتعديل القوانين التنظيمية فقط، بل المشكل يرتبط بالأساس بالتنشئة السياسية للمنتخبين، فجودة القوانين وحدها لا تكفي للحصول على مجالس قوية وفاعلة بالشكل المطلوب. فالمطلوب هو بناء الإنسان وهو الأساس في اعتقادي، والحديث هنا عن التنشئة السياسية، فالمغرب من الدول التي تعتمد قوانين ذات جودة، غير أن المشكل في التفعيل والتنزيل لهذه القوانين. وبالتالي فكما أشرت المسؤولية الكبرى على الأحزاب السياسية، المطالبة بفتح الباب بشكل أوسع أمام الكفاءات التدبيرية والقانونية القادرة على تشريع قوانين تتماشي مع الواقع والإمكانيات المتاحة، وكفاءات تستطيع التنزيل الفعلي لهذه القوانين.