شوف تشوف

الرأيالرئيسيةسياسية

أطباء ولكن..

يونس جنوحي

 

يقال عندنا إن الدار التي تدخلها الشمس لا يدخلها الطبيب، لكننا دائما ما نحيط الأطباء في ثقافتنا بهالة من التقدير. ننتقد جودة الخدمات الطبية، وقد نصب غضبنا على الممرضات وحراس الأمن في المستشفيات، لكن نبقى بعيدين قدر الإمكان عن الأطباء.

نعطي المثال دائما ببلاد الصين عندما يتعلق الأمر بضرورة طلب العِلم، لكننا نهين رجال التعليم، ووصل الأمر حد تعنيفهم وطعنهم وضربهم، بيد المراهقين المنفلتين المتأثرين بموضة العصابات العالمية، ضربا يؤدي إلى الموت.

صدر تقرير مقلق في الصين بخصوص التعامل مع الأطباء. يقول التقرير إن 66 بالمئة من الأطباء الصينين لديهم خلافات مع مرضاهم، وثلاثون بالمئة تعرضوا فعلا للعنف بيد المرضى وعائلاتهم. حتى أن اللجنة الوطنية للصحة في الصين صرحت بأنه «ينبغي على السلطات المحلية تحسين أنظمة الوقاية والسلامة داخل المستشفيات وتطبيق إجراءات أمنية فعالة في المستقبل».

في بكين قتلت طبيبة بعد أن طعنها أحد أقارب مريض تشرف على حالته، وقبل أن تستوعب نقابة الأطباء ما وقع، طُعن طبيب جراح متخصص في جراحة العيون، بيد مريضه، بعد خلاف عن فعالية العلاج الذي أشرف عليه الطبيب.

في عز أزمة كورونا، التي انفجرت في الصين، تعرض الأطباء للتعنيف بسبب تطبيقهم لقانون الحجر الصحي وعزل المرضى. وبمجرد ما أن يجد المريض نفسه محروما من سرير وآلة تنفس داخل أحد المستشفيات، إلا ويدخل في عراك مع الأطباء مباشرة، وبعض الحالات تطورت إلى استعمال العنف في حق هؤلاء الأطباء.

من المعطيات المثيرة التي وردت في التقرير أن أكثر من 362 عاملا طبيا أصيبوا بضربات خطيرة أثناء مزاولتهم عملهم داخل المستشفيات ولم يجدوا حتى مخرج طوارئ خاص بالموظفين لكي ينجوا من المرضى الغاضبين وعائلاتهم، فيما قُتل 24 طبيبا خلال تسع سنوات فقط، قبل ظهور وباء كورونا، و70 بالمئة من حالات العنف المسجلة ضد الأطباء وقعت في المستشفيات العمومية.

الدكتور الصيني غوتشين تشن، أحد الباحثين في علم الإجرام في جامعة بيكين، علق على هذه الظاهرة، ضمن تقرير الدراسة الذي رصد تداعياتها الخطيرة، بالقول إن الحكومة الصينية أصدرت قانونا يجرم العنف في المستشفيات، لكنه وصفه بغير الفعال. ويضيف، في مقال مطول نشرته صحيفة «ميزيما» المتخصصة في شؤون شرق آسيا: «القانون لا يوفر الحماية الكاملة للعاملين في المجال الطبي.. والاعتماد فقط على القانون كرادع لا يمكن أن يمنع جميع حوادث العنف ضد الأطباء».

المسألة كلها تدعو إلى القلق في عالم تزداد الحاجة إلى الأطباء كل عام. في المغرب لا يزال النقاش حول هجرة الأطباء شائكا. الممرضون والأطر التقنية يبحثون عن منفذ للهجرة إلى كندا، وبالقرب من معاهد التمريض تنبت مراكز تعليم اللغة الألمانية.. الكل يرغب في مزاولة مهنة إنقاذ الأرواح في أماكن تدفع أكثر.

الصين تضع مبادرات القروض السخية للدول الإفريقية، ومن بينها قروض لبناء المستشفيات.. في حين أن حكومتها عاجزة، بلغة الأرقام والوقائع، عن حماية أطبائها من مرضى لم يعودوا قادرين على التحكم في أعصابهم. وهذا بالضبط ما يحدث عندما تنهمك الأنظمة في بناء الجدران بالإسمنت المسلح، وتُهمل بناء الإنسان. أما نحن فعلينا أن نستفيد من الدرس.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى