شوف تشوف

الرأيالرئيسيةرياضة

ألعاب على ضفة المتوسط

يونس جنوحي

 

أخبار التصرف الجزائري، مع الوفد المغربي، غطت على ما أراد له الإعلام الجزائري المحلي أن يُنشر في الصحافة الدولية. إذ بدل الانشغال بما يجري في الملعب الجزائري خلال النسخة الحالية التي تستضيفها الجزائر من ألعاب البحر الأبيض المتوسط، انشغلت الصحافة الدولية بالطائرة التي تقل الصحافيين المغاربة لإعادتهم إلى المغرب بعد منع السلطات الجزائرية لهم من ممارسة دورهم الإعلامي في تغطية يوميات حضور الوفد المغربي المشارك في الألعاب.

 

بدأت معاناة الوفد المغربي بركوب طائرة الخطوط الجوية التونسية، بحكم أن الجزائر لا تزال تتبنى القرار العجيب القاضي بإغلاق أجوائها في وجه الطائرات المغربية. ثم تطورت الأمور أثناء وصول الوفد المغربي إلى مطار الجزائر، إذ أصبح الصحافيون المغاربة محتجزين وتهمتهم الوحيدة أنهم جاؤوا من المغرب.

حتى في أوج سيطرة الجيش الجزائري على السلطة وسجن بومدين لأحمد بن بلة، أول رئيس للجزائر بعد استقلالها، واغتيال بوضياف، كانت الجزائر تسمح للصحافيين المغاربة بدخول أراضيها وحضور المؤتمرات والملتقيات الدولية، بما فيها نسخة سابقة من ألعاب حوض البحر الأبيض المتوسط. ويروي أحد الذين عاشوا تلك الأجواء من موقعه في وزارة الداخلية أيام إدريس البصري، وهو الدكتور لحسن بروكسي، في مذكراته «الحسن الثاني، البصري وأنا»، كيف أن إدريس البصري كلفه شخصيا بمرافقة الوفد المغربي من رياضيين وصحافيين وإداريين إلى العاصمة الجزائر، وطلب منه أن ينقل إليه أجواء الشارع الجزائري وما يعتقده الجزائريون بشأن المغاربة. لم تكن مهمة مخابراتية بقدر ما كانت استطلاعا مباشرا أراد من خلاله إدريس البصري أن يكون فكرة عن الشارع الجزائري بعيدا عن التقارير الرسمية، في زمن لم تكن فيه وسائل التواصل الاجتماعي اختُرعت بعدُ.

وخلص الحسن بروكسي، وهو من الكفاءات المغربية في مجال إعداد التراب، حيث حصل على الدكتوراه في بداية السبعينيات من فرنسا ليكون أول مغربي يتعمق في هذا التخصص السيادي، إلى أن الجزائريين لا يُضمرون أبدا أي حقد على المغاربة، وأنهم مشغولون بمشاكل حياتهم اليومية. ولاحظ وقتها أن الأمن الجزائري أوكل إليه من يراقبون تحركاته أولا بأول. حتى في اللحظات الإنسانية العادية وهو يتجول بين محلات الجزائر ومطاعمها، كان ينتبه إلى وجود أعين تلاحقه.

لكن، على الأقل في ذلك الوقت، كان مسموحا للصحافيين المغاربة بالنزول في الجزائر والذهاب إليها بمناسبة أو بدونها. أما اليوم، فقد وصل المسؤولون هناك إلى قمة الهذيان السياسي. وبدل أن تنشغل الصحافة الدولية بأخبار ما يحدث في الملاعب وغرف تبديل الملابس ومنصات التتويج، انصرفت جميعا إلى الاهتمام بسلوك لا يحدث إلا في كوريا الشمالية والدول التي لا تزال تعيش على كتابات الرفاق قبل سقوط الاتحاد السوفياتي.

الدول التي نشبت بينها معارك ضارية خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية، ودفع ملايين الضحايا أرواحهم خلالها، لا توجد بينها حدود اليوم نهائيا. تجاوزت كل شيء ووضعت الخلافات جانبا رغم تكلفتها وأثرها على التاريخ المشترك. بينما لا يزال الجزائريون، الذين لا توجد بيننا وبينهم أي حرب تاريخية ولا معارك استُعملت فيها الأسلحة المجرمة دوليا، يغلقون الحدود في وجه المغاربة ولا يدخرون جهدا في تحويل أي مناسبة كيفما كانت، إلى محطة لتعقيد الصراع الذي لا يوجد إلا في مخيلتهم.

هذه «الألعاب»، كما هو واضح من لقبها، ليست إلا تظاهرة رياضية تستضيفها الدول، لكن يبدو أن بعض الأنظمة التي تعرضت للإفلاس منذ مدة لا تضيع «لعبة» أبدا وتستغلها للفت الانتباه. 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى