شوف تشوف

الرأيالرئيسية

إدوارد ويستمارك.. المغربي!

 

مقالات ذات صلة

 

 

 

يونس جنوحي

 

بما أن أغلب المغاربة لا يعرفون حتى الأسماء المغربية التي برزت في العلوم الإنسانية والأدب، فالأكيد أن اسم «إدوارد ويستمارك» لن يعني شيئا لأغلبنا أيضا.

الصادم أن الشباب المغربي هذه الأيام، وهذا واضح جدا من الاستطلاعات اليومية التي تُجرى بالصوت والصورة في كل مدن المغرب، لا يعرف لا تاريخ استقلال المغرب، ولا أسماء رموز الحركة الوطنية، ولا حتى أسماء وزراء الحكومة المغربية. وبالتالي فإن معرفة شباب اليوم بأسماء تنتمي إلى عائلة الأدب والفلسفة وعلم الاجتماع، تبقى ضئيلة جدا.

الفيلسوف الفنلندي، الذي يوجد أرشيفه كاملا لدى «آبو أكاديمي» في فنلندا، سُجل أرشيفه ومخطوطاته وألبوم صوره إرثا عالميا لليونيسكو. طيب، لكن ما علاقتنا نحن بهذا الرجل؟

إدوارد ويستمارك، الذي توفي سنة 1939، بعد عُمر حافل من البحث العلمي وتحليل طباع الشعوب وعاداتهم وثقافتهم، ترك مخطوطات ضخمة ومجموعة من الصور الفوتوغرافية النادرة التي توثق لفترة زيارته إلى المغرب. وكتب كثيرا عن المغاربة وعن عاداتهم، وربط صداقات مع الأعيان، ووثق لتجربة إنسانية عاشها مع المغاربة، في وقت لم يكن فيه الفنلنديون يفكرون حتى في زيارة المغرب زيارة عابرة، فما بالك باكتشافه.

وعند البحث قليلا عن هذا الفيلسوف والعالم الفنلدني، سوف تندهشون لكثرة الوثائق التي يرتبط فيها اسمه بالمغرب. بل إن بعض الطلبة الباحثين في فنلندا هذه الأيام، وهذا في الحقيقة سبب كتابة هذا المقال، أسسوا مجموعة بحث علمية تُعنى بأرشيف هذا الفيلسوف ودراسته وتتبع خيوط بعض الخلاصات التي وضعها بخصوص المجتمع المغربي، وقرروا أن يعيدوا استكشافها بأنفسهم، ومقارنة ما تغير في المغرب ما بين الأمس واليوم.

أغلب الصور التي التقطها هذا الرجل، أثناء زيارته إلى المغرب، تعود إلى سنة 1920 أو ما قبلها بقليل. وتوجد في أرشيفه الشخصي صور أيضا لأعضاء المفوضية الفنلندية في طنجة الدولية، وعائلة الممثل الدبلوماسي لبلاده هناك.

حُزمة كاملة من الصور التي توثق لحياة المغاربة اليومية، خلال تلك الفترة، تجمع بين مناطق كثيرة من مناطق المغرب. صور توثق لحياة المغاربة الأثرياء وأخرى لحياة الفقراء وعامة الناس، وكلها حرفيا لا تُقدر بثمن.

إذا كانت اليونيسكو تعتبر منذ 2021 أرشيف هذا الرجل تراثا إنسانيا عالميا، فلا بأس أن يكون هناك اعتراف بالجانب المغربي لهذا الرجل، فقد عشق هذا الفيلسوف الحياة المغربية بكل تفاصيلها، وجزء كبير من شهرته الأكاديمية ارتبط بالمغرب. حتى أن الأبحاث التي أجراها بين المغاربة لم يُجر حتى نصفها في بلاده. وأهمية الأرشيف الذي جمعه تكمن أساسا في أنه مغربي ويوثق لمرحلة لم ينافسه فيها إلا قلة من نخبة الرحالة العالميين.

بفضل الفيلسوف إدوارد ويستمارك صار الباحثون الشباب في فنلندا يعرفون المغرب جيدا، بل وبعضهم يعرفون المغرب أفضل من المغاربة أنفسهم. كيف لا ونحن ما زلنا نخلط بين أسماء العلماء المغاربة الذين أسسوا النواة الأولى للحركة الوطنية المغربية، أو الذين نافسوا علماء الشرق في العلوم الإنسانية والطب والفيزياء والفلك، ولا نعرف عنهم أي شيء. إذا كان أغلب الشباب في مقاعد الدراسة لا يعرفون تاريخ استقلال البلاد تحديدا، ولا حتى تاريخ الانتخابات في المغرب، ولا أسماء الأحزاب السياسية في الأغلبية الحكومية، ولا دور المجلس الأعلى للحسابات، ولا حتى اختصاصات أعوان السلطة، فماذا تنتظر من مئات الآلاف الذين تحدثت عنهم المندوبية السامية للتخطيط، وقالت في تقاريرها إنهم حرفيا لا يمارسون أي نشاط ولا يزاولون أي مهنة ولا يستفيدون من أي تكوين، ولا يفكرون إلا في الهجرة السرية!

ليس مُستبعدا إذن أن يُخبرك أحدهم مثلا أن إدوارد ويستمارك نوع من أنواع منتجات تلميع الأحذية، أو اسم تجاري لنوع من ورق لف الحشيش.. وعليك ألا تتعجب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى