إسهال انتخابي
كان عبد الحق يحتسي الشاي في مقهى الحي، وهو يستمع إلى أصوات تنطلق من الشارع «صوتك في الانتخابات أمانة في عنقك».. «لا مال لا فلوس مشروع واقعي وملموس»، وقس على ذلك من الشعارات والموشحات القديمة التي خضعت لعملية تجميل كي تتلاءم مع حملة 2015.
فجأة تذكر أنه معني بالانتخابات، بعد أن أصر وكيل لائحة حزب الحركة الشعبية على ضمه إلى تشكيلته الانتخابية، ووضع صورته في الصف الأخير وعليها تعريف هوية يقول إن المرشح كان يوما لاعبا فهوى.
عبد الحق لا يعرف اسم الأمين العام، ولا علم له ببرنامج الحزب، لكنه يعلم علم اليقين أن وضعه في اللائحة مجرد إجراء احتياطي، وأن الأصفر هو لون قمصان الحزب. وحين سئل عن اسم الأمين العام اختلطت عليه الأمور وقال بلغة الواثق «العربي أحرضان»، وكان يقصد الأمين السابق المحجوبي أحرضان.
يعلم عبد الحق علم اليقين أن ترتيبه في لائحة الحزب لا يسمح له بالحق في الحلم، لذا ظل يصادر أفراحه ويحتفظ بمنشورات الحملة في بيته قد تنفعه في حملات أخرى بعد خضوعها لتنقيح سياسي، فقد فطن إلى أن حزبه يعد بتشغيل العاطلين، وهو الذي يعيش بطالة مقنعة.
صرف الرجل النظر عن الانتخابات، وقرر العودة إلى المدرجات، أملا في كسب انتخابات على المقاس الرياضي، لأن كثيرا من زملائه دخلوا الانتخابات من دكة البدلاء وانتهى بهم المطاف في التشكيلة الأساسية لوجهاء القوم.
بادرت جامعة كرة القدم إلى تأجيل انطلاقة البطولة، لأن أغلب رؤساء الفرق وأعضاء المكتب التنفيذي منشغلون بالحملات الانتخابية، بينما سمحت بانطلاق منافسات كأس العرش تزامنا مع الحملة الانتخابية، ما جعل رؤساء الفرق يعلنون مجانية ولوج الملاعب، ومنهم رئيس برنوصي وقف في باب الملعب يستقبل ويرحب بالمشجعين وكأنه «عريس»، بل إن عناصر فريقه ارتدت على غير العادة لون الحزب.
رفع رئيس شباب المسيرة منحة الفوز أمام الرجاء، واستعطف اللاعبين طالبا منهم مضاعفة الجهد من أجل الفوز في المباراة أمام الفريق البيضاوي، لأنها تتزامن مع «اندلاع الحملة الانتخابية»، بينما ضرب الرئيس المنتدب لفريق «الحمامة البيضاء» كفا بكف بعد خسارة فريقه بثلاثية، لأن الهزيمة في ملاعب الكرة شقيقة في الرضاعة لهزائم السياسة، لذا تبين لمرشح حزب الاستقلال أن المقصود بـ«مغربنا وطننا روح فداء» هو المغرب التطواني.
في خنيفرة اختار وكيل لائحة اليسار الموحد، زعيم مدرجات وقائد أوركسترا الجمهور الزياني، ضمن لائحته، ودعاه إلى دخول عالم السياسة، دون طبل وشهب نارية، لقدرته على استمالة الشباب العاشق للفريق، وعلى لائحة الترشيح كتب اسم المشجع وتحته صفة «كابو» وتعني في قاموس حركة الإلتراس «رئيس أوركسترا» المدرجات وضابط إيقاعها.
نحمد الله أن سنة 2015 كانت مليئة بالاستحقاقات، ما أن نغادر اقتراعا حتى ندخل آخر، حتى أصبنا بإسهال انتخابي، فقد انتهت انتخابات ممثلي المأجورين بتبادل الاتهامات بين النقابات التي نقب بعضها بعضا، وما أن دخلت العطلة الصيفية شوطها الإضافي حتى نظمت انتخابات الغرف المهنية بنصف مهنيين وبباطرونات يتابعون المعارك من منتجعاتهم الصيفية.
في عز الصيف والناس سياح، انطلقت الجموع العامة لفرق الكرة، زكى المنخرطون الأشباه، الرئيس ومنحوه صلاحية تعيين أعضاء المكتب، بعد أن صوتوا بالتصفيق على التقريرين المالي والأدبي، وقبل أن يغادروا قاعة الجمع أرسلوا تهنئة لرئيس جدد الثقة في نفسه.
شرع الرؤساء المنتخبون بالإجماع في إبرام الصفقات بالانفراد، انطلاقا من مبدأ التعجيل بالتهام المال وتأجيل تعيين الرجال، أمام مرأى ومسمع جامعة تكتفي بتعيين مراقب للانتخابات وتذكره بأن الصمت حكمة.
تناسلت الانتخابات الكروية، وانتخب رئيس العصبة الاحترافية بهواية غريبة، قبل أن يجتمع المدربون وينتخبوا رئيسا وعدهم في حملته الانتخابية بالشغل للجميع. وفي اليوم الموالي دعي اللاعبون السابقون لانتخاب رئيس لاحق لهم فقالوا آمين، وغدا سيصفر الحكام على من يمثلهم ويعلن الهواة زعيما هاويا عنهم، دون الحاجة إلى لوازم الديمقراطية، فإذا حضر التصفيق بطلت الصناديق.
كان معمر القذافي محقا حين قال في كتابه الأخضر: «الحزب ديكتاتورية جديدة». قتل الرجل وظهرت أحزاب معلنة ديكتاتورية الحكم الطائفي.