
لا يستقيم أن يتحدث قادة الأحزاب السياسية في كل اللقاءات الإعلامية والتجمعات الخطابية بثقة عالية في النفس عن محاربة الفساد، ويرفعون الشعارات البراقة التي تنادي بتخليق الحياة السياسية، ووضع الشخص المناسب في المكان المناسب دون وساطة، متناسين أن مسؤولية تزكية الفاسدين تقع بين أيديهم بالدرجة الأولى، والأمانات العامة للأحزاب هي التي توقع التزكيات لفائدة منتخبين متابعين قضائيا، أو لهم ملفات فساد، أو لا يتوفرون على أدنى معايير تحمل المسؤولية بالنسبة إلى الكفاءة، وتحقيق هدف القيمة المضافة.
يتحدث الجميع عن تعثر مشاريع الإصلاح، رغم الميزانيات الضخمة المرصودة، ويغفلون مسألة مهمة، وهي تحويل الأحزاب المناضلة تاريخيا والمعول عليها لإفراز النخب التي يمكنها تحقيق قيمة مضافة للمشهد الحزبي والسياسي، إلى أحزاب العائلة والمقربين والداعمين لاستمرار الأمناء العامين بمناصبهم إلى ما لا نهاية، والتصويت على التعديلات في القوانين الداخلية التي تصنع الديكتاتورية الحزبية، وتحكم الشخص الواحد الذي يقود إلى الجمود الحزبي وغياب الفعالية وشلل الاستقطاب.
على بعض الأحزاب السياسية الاعتراف بأمراضها الداخلية كبداية لمرحلة العلاج والبحث عن الأدوية الناجعة، وأبرز هذه الأمراض غياب الديمقراطية الداخلية، وشلل الهيئات الموازية، وغياب الفاعلية في التأطير واستقطاب الشباب، وتهميش الاهتمام بالقضايا الراهنة للشأن العام، ووضع حواجز قانونية وأخرى غير مرئية أمام جل الكفاءات والطاقات الشابة والإقصاء الممنهج لكل صوت داخلي معارض أو منتقد، والسعي بطرق ملتوية إلى عدم وصوله إلى المناصب الحزبية وتحمل مسؤولية القيادة في العملية السياسية.
إن الجمود الحزبي لا يشجع على الانخراط في العملية السياسية، والممارسات الحزبية الداخلية السلبية، تُضاعف من أسباب تنفير الطاقات الشابة من الانتساب إلى الأحزاب التي تتوافق وتوجهاتها ومبادئها، وهو الشيء الذي لا شك يتعارض مع مبادئ الديمقراطية الداخلية للأحزاب المعنية، ويحول مجالسها الوطنية ومؤتمراتها إلى مناسبات فارغة لترسيخ الفساد الحزبي، والولاءات المبنية على المصالح الشخصية تحت غطاء الصالح العام.
نحن مقبلون على محطات انتخابية ساخنة في تاريخ المغرب، ويأمل الكل أن تكون مرحلة حاسمة لتسريع التغيير والرفع من التنمية، وتحقيق هدف التشغيل، ومواكبة التحولات العالمية المتسارعة في الاقتصاد والسياسة والملفات الاجتماعية، ما يفرض على الأحزاب الانخراط الجدي في مشروع مغرب 2030، بتجديد النخب داخلها، والكفاءة والنزاهة في التزكيات، وفتح نقاش سياسي وطني بنفس متجدد ويواكب متطلبات العصر.
على الأحزاب السياسية العودة إلى القواعد، وتحويل مقراتها المحلية والإقليمية والجهوية إلى حاضنات للشباب والمثقفين والمختصين في مجالات متعددة، وتحريك النقاش السياسي المسؤول والرسمي في ملفات الشأن العام، والمساهمة في سن السياسات العامة والانتقاد البناء والمعارضة الاحترافية، عوض السب والقذف والتشهير ونقاشات المواقع الاجتماعية غير المؤطرة، وتبعات تمييع القرارات والمشاريع الاستراتيجية التي تطلقها الدولة.