
سفيان أندجار
في ظل اقتراب انطلاق كأس أمم إفريقيا لكرة القدم، المقرر نهاية الأسبوع الجاري، يجد المغرب نفسه في قلب تحد أمني مركب، لم يعد يقتصر فقط على تأمين الملاعب، وحماية الجماهير، وضمان انسيابية التنقلات، بل امتد ليشمل جبهة جديدة لا تقل خطورة وهي متعلقة بالفضاء الإلكتروني.
فالأحداث الرياضية الكبرى تحولت خلال السنوات الأخيرة إلى أهداف مفضلة للهجمات السيبرانية، سواء بدوافع سياسية أو إجرامية أو حتى دعائية، وهو ما دفع السلطات المغربية إلى اعتماد مقاربة استباقية شاملة، تقوم على اليقظة الدائمة، والتنسيق المؤسساتي، وتعبئة خبرات وطنية راكمت تجربة وازنة في هذا المجال.
وبحسب المعطيات التي حصلت عليها «الأخبار»، فإن الأجهزة الأمنية المغربية باشرت منذ مدة طويلة تحضيرها للحدث الكروي الإفريقي الذي يستقطب اهتمام ملايين المتابعين، خصوصا أن الحدث يعتمد على الأنظمة الرقمية، من بيع التذاكر، إلى البث التلفزيوني، مرورا بالمنصات الإعلامية، والتطبيقات الخاصة بالجماهير، وصولا إلى البنى التحتية الحساسة المرتبطة بالمطارات، والفنادق، وشبكات النقل. كل هذه العناصر تجعل من البطولة هدفا محتملا لهجمات إلكترونية قد تسعى إلى التشويش، أو الابتزاز، أو الإضرار بصورة البلد المنظم، ما جعل الأمن المغربي يتخذ جميع الخطوات المناسبة للحدث.
وشرعت السلطات الأمنية المغربية منذ أشهر في تفعيل منظومة متكاملة للأمن السيبراني، تقوم على المراقبة المستمرة للشبكات، وتحليل المخاطر، والتدخل السريع عند رصد أي نشاط مشبوه. هذه المنظومة لا تشتغل بشكل معزول، بل تعتمد على تنسيق محكم بين مختلف المتدخلين، من مصالح الأمن الوطني، إلى الأجهزة الاستخباراتية، مرورا بالهيئات المكلفة بأمن نظم المعلومات، إضافة إلى التعاون مع فاعلين دوليين وشركاء تقنيين.
وشهدت عدد من شوارع المدن الوطنية التي ستحتضن الحدث الكروي القاري بالمغرب تركيب عدد كبير من كاميرات المراقبة، والسهر على معاينة كل كبيرة وصغيرة ، علما أن الخبرة المغربية في هذا المجال لم تأت من فراغ. فقد راكم المغرب تجارب مهمة في تأمين أحداث رياضية عالمية كبرى، سواء داخل أرض الوطن أو خارجها. المشاركة الأمنية المغربية في مونديال قطر 2022 شكلت محطة بارزة، حيث ساهم خبراء مغاربة في عمليات التفتيش والتأمين داخل الملاعب، وحظيت هذه المشاركة بإشادة رسمية من الجانب القطري. كما شاركت عناصر من الشرطة المغربية في تأمين دورة الألعاب الأولمبية بباريس سنة 2024، في تجربة عززت مكانة المغرب كشريك موثوق في إدارة الأمن خلال التظاهرات الكبرى، بما فيه الشق السيبراني.
كما أكدت المعطيات على أن المغرب رصد محاولات اختراق وسعى إلى التصدي لها، خصوصا تلك المتعلقة بعمليات احتيال إلكترونية وهجمات حجب الخدمة الموزعة (DDoS)، ومحاولات اختراق الأنظمة، وهجمات برامج الفدية، إضافة إلى حملات التضليل الرقمي، والتصيد الاحتيالي الذي يستهدف الجماهير عبر تذاكر مزورة أو مواقع وهمية.
وأكدت المصادر أن خطورة هذه الهجمات تكمن في أنها لا تستهدف فقط تعطيل الخدمات، بل قد تسعى أيضا إلى المساس بالمعطيات الحساسة، والإضرار بثقة الشركاء والجماهير، ما دفع الأمن المغربي إلى تعزيز قدرات الرصد المبكر، من خلال مراقبة حركة البيانات على مدار الساعة، واستخدام أدوات تحليل متطورة قادرة على اكتشاف السلوكيات غير الاعتيادية. كما تم رفع مستوى الحماية للمنصات الرقمية المرتبطة بالبطولة، واعتماد خطط استجابة سريعة للتعامل مع أي طارئ، بما يضمن استمرارية الخدمات وتقليص آثار أي هجوم محتمل.
ولم تخف المصادر ذاتها أن هناك تنسيقا مع الجهات المنظمة ووسائل الإعلام لتحذير الجماهير من مخاطر الاحتيال الإلكتروني، والدعوة إلى الاعتماد على القنوات الرسمية فقط في اقتناء التذاكر والحصول على المعلومات. وأن هذا البعد الوقائي يعد جزءا أساسيا من الاستراتيجية الأمنية، باعتبار أن العنصر البشري يظل إحدى أهم نقاط الاستهداف في الهجمات السيبرانية.
ومع انطلاق البطولة، ستدخل هذه المنظومة مرحلة المراقبة القصوى، حيث ستكون فرق متخصصة في حالة تأهب دائم، مع تقييم مستمر للوضع وتحيين الإجراءات، حسب تطور المخاطر. والهدف ليس فقط إفشال أي هجوم محتمل، بل ضمان أن تمر كأس أمم إفريقيا لكرة القدم في أجواء آمنة، تعكس صورة المغرب كبلد قادر على تنظيم أكبر التظاهرات القارية والدولية، وفق أعلى المعايير.





