
فضحت التساقطات المطرية والفيضانات التي شهدتها العديد من المدن والمناطق القروية بالمغرب، الحصيلة الكارثية للمنتخبين الذين تعاقبوا على تدبير المجالس المنتخبة جهويا ومحليا، لأن تأهيل البنية التحتية لتصريف مياه الأمطار من اختصاصات المجالس المنتخبة. وكشفت الأمطار، كذلك، هشاشة البنية التحتية الطرقية، وتدهور وضعية الكثير من القناطر المهددة بالانهيار، وهي مسؤولية وزارة التجهيز التي تتولى مسؤولية تقوية هذه المنشآت.
وخلال السنوات الأخيرة أصبح المغرب يعرف كوارث طبيعية تسببت في خسائر مادية وبشرية جسيمة، مثل ما وقع قبل سنتين في زلزال الحوز، وخلال السنة الماضية في الفيضانات التي شهدتها أقاليم الجنوب الشرقي، وهذه السنة في الفيضانات التي شهدتها مدينة آسفي، وخلفت أكثر من 37 حالة وفاة وإصابات متفاوتة الخطورة.
هذا الوضع يفرض وقفة تأمل من طرف المسؤولين لإعادة النظر في السياسات المتبعة للتعامل مع هذه المخاطر، وسبق للمجلس الأعلى للحسابات أن نبه الحكومة السابقة إلى غياب استراتيجية حكومية في مجال تدبير المخاطر المرتبطة بالكوارث الطبيعية، وذلك بعدما لاحظ أن عدد الكوارث الكبرى تضاعف أربع مرات تقريبا ما بين سنة 1980 وسنة 2000، وبـ22 مرة تقريبا ما بين سنة 2000 إلى حدود السنوات الأخيرة، ويكتسي وجود هذه الاستراتيجية أهمية كبرى بالنظر إلى دورها في الوقاية وتدبير المخاطر.
كذلك أوصت دراسة أنجزتها منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية حول تدبير حكامة المخاطر والكوارث الطبيعية بالمغرب، بإحداث وزارة خاصة مكلفة بتدبير مختلف المخاطر بالبلاد، وكذلك خلق جهاز تابع لوزارة الداخلية مكلف بتدبير المخاطر التي أصبحت تهدد المغرب، وتكلفه سنويا خسائر مادية جسيمة تبلغ في المتوسط 870 مليار سنتيم.
وحذرت وثيقة أخرى، صادرة عن البنك الدولي، من وقوع مخاطر طبيعية أخرى، وكشفت أن المغرب مهدد بالزلازل والفيضانات، والتسونامي والجفاف والانهيارات الأرضية في جميع أنحاء البلاد، ما يستدعي اتخاذ جميع الإجراءات الاحترازية لمواجهة الوضع في المستقبل.
وحسب رأي صادر عن المجلس الاقتصادي والاجتماعي والاقتصادي، فإن كلفة الأضرار الاقتصادية الناجمة عن الكوارث الطبيعية بالمغرب تتجاوز 8 ملايير درهم سنويا، وهو ما يمثل 0.8 في المائة من الناتج الداخلي الإجمالي للمملكة، وتتسبب الفيضانات وحدها في خسائر تقدر بأكثر من 4 ملايير درهم سنويا في المتوسط، بينما يبلغ حجم الأضرار الاقتصادية الناتجة عن الزلازل نحو 900 مليون درهم سنويا.
كل هذه الكلفة المالية التي يتكبدها الاقتصاد الوطني، ونجد أن المسؤولين في هذه البلاد السعيدة يتعاملون مع الوضع باستهتار ولامبالاة تنم عن غياب حس المسؤولية لديهم، لأن وجود استراتيجية وطنية في مجال تدبير المخاطر يكتسي أهمية كبرى بالنظر إلى دورها في الوقاية وتدبير المخاطر، لكن الحكومات المتعاقبة ظلت تنهج مقاربة تعتمد على مقاربة «رد الفعل» في التعامل مع الكوارث الطبيعية بدل «نهج استباقي» للوقاية منها، لتفادي تكرار الخسائر المادية والبشرية.
المسؤولون بمختلف القطاعات الحكومية والمنتخبون لتدبير الشؤون المحلية للمواطنين بالجهات والأقاليم والجماعات الحضرية والقروية، لم يستفيدوا، كذلك، من دروس الكوارث الطبيعية، والتي غالبا ما تكون مناسبة للتفكير في مشاريع لتأهيل البنيات التحتية والوقاية من مخاطر هذه الكوارث، التي تفضح سنويا كوارث هؤلاء المنتخبين، والتي تتسبب في غرق الناخبين الذين يمنحونهم أصواتهم الانتخابية كل ست سنوات.




