الرئيسيةمجتمع

الأشكال الإنسانية والمنحى التطوري

بقلم: خالص جلبي

في ربيع عام 2007م تم الكشف عن كوكب جديد أعطوه لقب (Gliese 581 C)، مع احتمال وجود الحياة على ظهره، وجدير بالذكر أن شكلنا الحالي في رحلة التطور لم يستقر إلا منذ 200 ألف سنة تقريبا، مندفعا من شرق إفريقيا، المعروف بالهومو سابينز سابينز، أي العاقل العاقل. وحسب رؤية الأنثروبولوجيين عن سيناريو وجود الإنسان، فقد تدفق على وجه الأرض العديد من الأنواع الإنسانية، مثل الروبوستوس، والإيركتوس، والإيرديبثيكوس راميدوس، وإنسان الألفية، وإنسان تشاد، وكينيا، وإنسان جاوة، والكرومانيون، وإنسان جزيرة فلوريس القصير الضئيل، والأفارينيسس، أو (لوسي)، الذي كشفه (دونالد جوهانسون) في شرق الحبشة عام 1978م، أو إنسان (نياندرتال) الذي كشف قريبا من (دوسلدورف) المدينة الألمانية عام 1856م، وعاش حتى اختفى قبل 35 ألف سنة على نحو غامض! والتقى مع أجدادنا، وقد يكون أجدادنا اشتركوا في القضاء عليه مع عمل الطبيعة وتضاؤل نسله، ولعله الغول الذي تحدثنا الجدات عنه، من بقايا الذاكرة الجماعية، لا ندري.

وهكذا فالإنسان العاقل إن وجد على ظهر الكوكب (جليس  581 Gliese) الذي منح اسما أكاديميا مملا، ليس جديدا في تاريخ الأنثروبولوجيا، كما أن شكلنا الحالي لن يستقر، بل يزيد الله في الخلق ما يشاء، وربما بعد مليون سنة سيأخذ شكلنا منحى جديدا، هذا إن لم نرتكب حماقة إفناء بعضنا البعض!

ويذهب (كلاوس دوزه Klaus Dose)، الخبير في بيولوجيا الفضاء من جامعة ماينتس الألمانية، إلى أن الكون يغص بغازات مثل الأكسجين والهيدروجين والآزوت وغاز الفحم، وهي المواد الأولى في الحساء الكوني، فهذا متوفر كفاية، ولكنه يعتقد بوجود غلاف كهرطيسي يحمي الكرة الأرضية الجديدة التي تقع على بعد 20,5 سنة ضوئية وهو مهم جدا للحياة، فلولا هذا الدرع، ما عاشت الأرض ومات المريخ.

وأعجب ما في القصة أننا نسرد هذه الأخبار كمسلمات على القارئ، ولكنها أبحاث بذل فيها الساعات الكثيرة لمعرفة كيف وصل العلماء إلى رؤية كواكب معتمة في بهيم السماء. فالشمس تشع بالضوء، ويمكن رؤيتها في السماء بالتلسكوبات القوية، ولكن كيف يمكن رؤية الكواكب وهي لا تشع بالنور؟

فكما كشف (ليفنهوك) الهولندي، تاجر القماش، العالم السفلي الخفي تحت أقدامنا بالمجهر، ليبدأ من تكبير 200 مرة، لنصل إلى تكبير 200 ألف مرة بالمجهر الإلكتروني؛ كذلك الحال مع (إدوين هابل) الأمريكي، الذي كشف عن تسع مجرات في خمسينات القرن العشرين وهو فرح، ليخبرنا (كارل ساغان) عن مائة مليار مجرة، في كل مجرة مائة مليار نظام شمسي، تحتشد في الملكوت الأعلى، بأكثر من رمال شواطئ العالم أجمعين، في ما لو تصورنا أن كل حبة رمل شمسا وكوكبا. وكل ذلك بفعل تطوير نظام التلسكوبات التي بدأت ترى ملامح الانفجار العظيم، وانفجار السوبرنوفا، والكواكب السابحة في الأفلاك. فتبارك الله أحسن الخالقين… ثم إنكم بعد ذلك لميتون..

والواقع فإن تقنية كشف الكواكب ملحمة كونية، من خلال معرفة معلومات مذهلة عن ترنح النجم؛ فمع قوانين كبلر الثلاثة، عرفنا أن مسيرة أي كوكب حول شمسه ليست دائرية، كما خيل ذلك لأرسطو بل إهليلجية، تقع الشمس في أحد المحرقين، والفرق بين الشكل الإهليلجي والدائري هو في مقطع دائرة بـ 90 درجة بسطح يقصها، أو بشكل مائل. واهتدى كبلر إلى ثلاثة قوانين بلمعة عبقرية من الفكر، إضافة إلى الشكل الإهليلجي، أن سرعة دوران الكوكب حول الشمس تزيد بالاقتراب منها، وتبطؤ بالبعد عنها، وفي إحدى جولاته في المدينة، وهو يفكر في حساب كمية السوائل في البراميل، هداه عقله إلى القانون الثالث، في تناسب بعد الكواكب مع سرعة دورانها، فاهتدى إلى وجود كوكب بين المريخ والمشتري، ليعرف لاحقا أنه بقايا كوكب مدمر! وهذا هو العقل العلمي التنبؤي، كما كان الحال مع مندلييف، الذي فعل الشيء نفسه، في كشف عناصر غير موجودة في جدوله الدوري، لتكتشف بعد مماته. وفوق قوانين كبلر عرفنا أيضا أمرا محيرا في دوران الكوكب، هو أنه يسير مترنحا كالسكران في مداره حول الشمس، ومعها ارتجاج الشمس أيضا، وهكذا وعلى نحو غير مباشر أصبح ارتعاش أي نجم، ومقدار رعشته، رسالتين على وجود كواكب تسير بحذائه.

 ثم حصلت قفزة نوعية أخرى بالتحديق المباشر في الكواكب، وهي أقرب إلى الخيال العلمي، لولا أنها لب العلم اليوم ولحمته وسداه.

فإذا قررنا الزيارة فلسوف نحتاج بسرعاتنا الحالية المتواضعة إلى 80 ألف سنة حتى نحط الرحال فوقه. ما لم نصل لسرعة الضوء ولكن سرعة الضوء تفرض أربع استحالات، حسب النظرية النسبية، استهلاك طاقة لانهائي، توقف الزمن، تحول المادة إلى كتلة ذات وزن لانهائي، وانضغاط  بعدين إلى الصفر.

وما لم ينجح البشر في كسر قوانين الفيزياء التقليدية، باختراق جدار سرعة الضوء عبر ثقوب دودية، وهو أمر محض خيال، فلن يكون السير في الفلك سوى محض خيال.

وهناك من زعم أنه وصل إلى سرعة تزيد عن الضوء خمس مرات، كما فعل (نيمتس) الألماني من جامعة (كوبلنتس)، ولكنها تبقى مزاعم، وما زالت النظرية النسبية واستحالاتها تشكل الحائط الذي لم يقفز فوقه أحد قط حتى اليوم، نقول حتى اليوم.

وفي قصة سليمان مع عرش (ملكة سبأ) اختراق لهذا الجدار؛ فقد تم نقل المادة الفيزيائية عبر وسط فيزيائي، في سرعة الضوء، حين قال الذي عنده علم من الكتاب: «أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك»، وكان عفريت من الجن قد اقترح نقله بسرعة طائرة «بوينغ 777»، حين قال إنه قادر على نقله قبل أن يقوم سليمان من مجلسه. ومعنى هذا الكلام فتح العقل في وجه الاستحالات دوما؛ فهذه هي طريقة القرآن. ولكن بيننا وبين هذا الفهم مسافة الوصول إلى الكوكب الجديد.

ومن يهن الله فما له من مكرم إن الله يفعل ما يشاء.

نافذة:

الواقع فإن تقنية كشف الكواكب ملحمة كونية، من خلال معرفة معلومات مذهلة عن ترنح النجم؛ فمع قوانين كبلر الثلاثة، عرفنا أن مسيرة أي كوكب حول شمسه ليست دائرية، كما خيل ذلك لأرسطو بل إهليلجية، تقع الشمس في أحد المحرقين، والفرق بين الشكل الإهليلجي والدائري هو في مقطع دائرة بـ 90 درجة بسطح يقصها، أو بشكل مائل

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى