الرئيسيةملف التاريخ

البكاي وبن بركة وعلال الفاسي وأحرضان بعيون كنيسة «أزرو»

جاء في هذه المذكرات أن رئيس الرهبان العشرين قد التقى في منطقة أزرو كلا من المهدي بن بركة والمحجوبي أحرضان، الذي درس في المنطقة ويعرفها جيدا، بالإضافة إلى علال الفاسي.
قال رئيس الرهبان إنه تلقى دعوة من المحجوبي أحرضان، لكي يشرب معه الشاي ويعرفه على بعض الشخصيات المغربية.
كان المهدي بن بركة، حسب ما جاء في هذه المذكرات، رجلا متقد الذكاء، بينما كان المحجوبي أحرضان رجلا متشعب العلاقات، سيما وأنه غادر صفوف الجيش الفرنسي ويحظى بشعبية كبيرة بين سكان منطقة الأطلس بفضل أصوله العائلية المتجذرة في المنطقة، بينما كان علال الفاسي رمزا للحركة الوطنية.
كان الموضوع الذي استأثر بالنقاش، هو السياسة الفرنسية في المغرب.
وكان سؤال المهدي بن بركة لرئيس الرهبان مباشرا:
-«ماذا بوسعكم أن تقدموا لقضيتنا الوطنية والتعريف بها في الخارج؟».
وهنا شعر الراهب بكثير من الإحراج، حيث إن حديثه منذ بداية اللقاء كان عن التسامح، واشتراك الرسالات السماوية في نقطة خدمة الإنسانية واحترام الإنسان. بينما كان الثلاثة، المهدي بن بركة، المحجوبي أحرضان وعلال الفاسي، من بين الوجوه المعروفة في الساحة السياسية المغربية، قبل نفي الملك الراحل محمد الخامس بسنة واحدة فقط. كما أن الإدارة الفرنسية كانت تملك معطيات كثيرة عن كل واحد منهم، خلال بداية أزمتها مع السلطان محمد بن يوسف.
كان المهدي بن بركة يريد معرفة حدود إمكانيات هذا الراهب الفرنسي، ومدى قوة علاقته وارتباطه بالإدارة العامة في الرباط، وما إن كان بوسعه التأثير في قرارات الإقامة العامة التي كانت تضغط على القصر، لكي يتخلى عن علاقته برموز الحركة الوطنية. وهذا النقاش كان يهم المهدي بن بركة وعلال الفاسي كثيرا.
بينما المحجوبي أحرضان كان يمثل قوة الإرادة الشعبية للقبائل، إذ إن أصوله العائلية وارتباط أجداده بتدبير شؤون القبيلة، تجعلانه مرشحا قويا لزعامة القبائل والتأثير فيها، بل وقيادتها بسهولة. لذلك كانت لديه شرعية القبيلة في ذلك النقاش حول مستقبل المغرب، في ظل الحماية الفرنسية ونضال الوطنيين من أجل الحصول على الاستقلال.
أبدى الراهب الفرنسي أنه لم يكن يملك صلاحيات كثيرة أمام الإقامة العامة في الرباط، التي كانت خلال تلك السنة تسير بهوى عسكري خالص، بقيادة جنرال عسكري سابق من الحرب العالمية الأولى والثانية. حيث قادت الإقامة العامة تصعيدا غير مسبوق ضد السلطان محمد الخامس، والحركة الوطنية.
انتهى اللقاء، حسب ما أورده كاتبا هذه المذكرات التي نقلاها شفهيا عن هؤلاء الرهبان العشرين، بخلاصة مفادها أن المهدي بن بركة كان «براغماتيا» يبحث عن أي تأييد للقضية المغربية والسعي إلى الترويج لاستقلال المغرب عن فرنسا دوليا ومحليا، بينما علال الفاسي كان متخوفا من الدور الذي قد تلعبه الكنيسة مستقبلا في المغرب، إذا ما انخرطت في دعم استقلال المغرب عن فرنسا، وهو الأمر الذي لم تكن الإقامة العامة في الرباط لتسمح به تحت أي ظرف كان. إذ رغم مؤشرات الإنسانية والتسامح التي تعج بها هذه المذكرات النادرة، إلا أن دورها الحقيقي في المغرب ظل مغيبا واقتصر على خدمة الجانب الروحي للفرنسيين، دون أي تدخل في الشأن السياسي والعسكري لفرنسا في المغرب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى